الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                              صفحة جزء
                                                                              4312 حدثنا نصر بن علي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يجتمع المؤمنون يوم القيامة يلهمون أو يهمون شك سعيد فيقولون لو تشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته فاشفع لنا عند ربك يرحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر ويشكو إليهم ذنبه الذي أصاب فيستحيي من ذلك ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم ويستحيي من ذلك ولكن ائتوا خليل الرحمن إبراهيم فيأتونه فيقول لست هناكم ولكن ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر قتله النفس بغير النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيأتونه فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فيأتوني فأنطلق قال فذكر هذا الحرف عن الحسن قال فأمشي بين السماطين من المؤمنين قال ثم عاد إلى حديث أنس قال فأستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع يا محمد وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فيدخلهم الجنة ثم أعود الثانية فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال لي ارفع محمد قل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فيدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع محمد قل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فيدخلهم الجنة ثم أعود الرابعة فأقول يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن

                                                                              التالي السابق


                                                                              قوله : ( يلهمون . . . إلخ ) على بناء المفعول من الإلهام (أو يهمون ) على بناء الفاعل من الهم ، أي : يهتمون بالأمر ، وقيل : على بناء المفعول من أهمني الأمر إذا أقلقني لو تشفعنا ، أي : لو اتخذنا شفيعا لنا إليه لست هناكم ، أي : في مقام الشفاعة قال الشيخ محيي الدين الحكمة في أن الله ألهمهم سؤال [ ص: 584 ] آدم ومن بعده - صلوات الله وسلامه عليهم - ابتداء ولم يلهمهم سؤال نبينا محمد - صلوات الله وسلامه عليه - إظهارا لفضيلة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنهم لو سألوا غيره ، ثم انتهوا إليه فقد علم أن هذا المقام المحمود لا يقدر على الإقدام عليه غيره - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين فإنه أول رسول ، قيل : المراد أول من أرسل إلى دعوة الكفار إلى الإيمان وكان من قبله من آدم وشيث وإدريس عليهم السلام لم يكن أرسلوا لذلك ، وإنما أرسلوا لتعليم المؤمنين الشرائع إذ لم يكن في ذلك الوقت كافر قوله : ( عبد غفر الله له ) أي : لا يقدم على هذا الأمر العظيم إلا من كان مغفورا له على تقدير تحقق الذنب منه ، وأما غيره فخائف على نفسه فكيف يشفع لغيره في مثل هذا اليوم الذي ظهر فيه آثار الغضب والقهر قوله : ( بين السماطين ) السماط بكسر السين هو الصف من الناس ، على ربي ، أي : على أن أدخل في محل رؤيته ، أو محل الشفاعة عنده (ثم أشفع ) عموما في أهل الموقف ، ثم خصوصا فيمن يستحق النار ، أو دخولها (فيحد لي حدا ) فيهم ففي الكلام اختصار [ ص: 585 ] قوله : ( إلا من حبسه القرآن ) يحتمل أن المراد بحبس القرآن ما يعم ورود الخلود فيه ، أو ورود عدم قبول شفاعة غير الله فيه ، أو في السنة من حيث إن القرآن قد جاء بوجوب التصديق بالسنة فما وردت به السنة بمنزلة ما ورد به القرآن فإذا جاء في السنة أن قوما لا يقبل الله فيهم شفاعة أحد ، بل هو الذي يتولى إخراجهم من النار بمجرد فضله فيجوز أن يقال أولئك داخلون فيمن حبسه القرآن من حيث إنه جاء بوجوب التصديق بالسنة وقد وردت السنة بأنهم لا يخرجون بشفاعة أحد فهم محبوسون نظرا إلى الشفاعة .




                                                                              الخدمات العلمية