الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4790 5078 - حدثنا عبيد بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أريتك في المنام مرتين ، إذا رجل يحملك في سرقة حرير فيقول : هذه امرأتك ، فأكشفها فإذا هي أنت ، فأقول : إن يكن هذا من عند الله يمضه " . [انظر : 3895 - مسلم: 2438 - فتح: 9 \ 120 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها : قلت : يا رسول الله ، أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها ، ووجدت شجرة لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال : "في التي لم يرتع منها " . تعني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكرا غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عائشة أيضا قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أريتك في المنام مرتين ، إذا رجل يحملك في سرقة حرير فيقول : هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنت ، فأقول : إن يكن هذا من عند الله يمضه " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              هذا أسنده البخاري -أعني قول ابن أبي مليكة - في تفسيره في سورة النور عن محمد بن المثنى ، ثنا يحيى ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 208 ] عنه ، فذكره مطولا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث الثاني ضرب الأمثال وتشبيه الإنسان بالشجر . والحديث الثالث يأتي في التعبير في باب كشف المرأة في المنام ، وقد سلف في باب تزويجها قبل الهجرة ، وأخرجه مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : "جاء بك الملك " . وفي "طبقات ابن سعد " عنها : لما جاء جبريل بصورتي من السماء في حريرة فقال : تزوجها فإنها امرأتك . ولابن حبان في "صحيحه " : جاء بي جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خرقة حرير فقال : هذه زوجتك في الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : قلت : يا رسول الله من أزواجك في الجنة ؟ قال : "أما إنك منهن " قالت : فخيل إلي أن ذاك أنه لم يتزوج بكرا غيري .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              والسرقة بفتح السين واحدة السرق وهي شقق الحرير البيض . وقيل : الجيد من الحرير .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيدة : وأحسبها فارسية ، وأصلها سرة وهو الجيد . وادعى المهلب أنها كالكلة والبرقع ، وهو غريب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 209 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ("فأكشفها" ) يحتمل -كما قال ابن المنير - أن يكون إنما رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه ، ويكون الضمير في "فأكشفها " للسرقة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              لم يشك - عليه السلام - فيما رأى ، فإن رؤيا الأنبياء وحي ، إنما احتمل عنده أن تكون الرؤيا اسما ، واحتمل أن تكون كنية ، فإن للرؤيا أسماء وكنى ، فسموها بأسمائها وكنوها بكناها ، واسمها أن تخرج بعينها ، وكنيتها أن تخرج على مثالها وهي أختها أو قرينتها أو جارتها أو سميتها . نبه عليه ابن العربي في "سراجه " وذكر القاضي عياض أن هذه الرؤيا يحتمل أن تكون قبل النبوة ، وإن كانت بعدها فله ثلاثة معان :

                                                                                                                                                                                                                              أولها : أن تكون الرؤيا على وجهها ، فظاهره لا يحتاج إلى تعبير وتفسير فسيمضيه الله وينجزه ، فالشك عائد على أنها رؤيا على ظاهرها ، أو تحتاج إلى تعبير وصرف عن ظاهرها .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا يمضه الله ، فالشك أنها هل هي زوجته في الدنيا أم في الآخرة ، ويرده رواية ابن حبان السالفة .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : أنه لم يشك ، أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك ، وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى مزج الشك باليقين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 210 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              فيه : فضل الأبكار على غيرهن ، وقد حض الشارع على نكاحهن في حديث جابر الآتي : "هلا جارية تلاعبها وتلاعبك " وفي حديث كعب بن عجرة أنه - عليه السلام - قال لرجل : "هلا بكرا تعضها وتعضك " أخرجه ابن أبي خيثمة في الأول من "فوائده " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية لمسلم : "فهلا بكرا تلاعبها " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي ابن ماجه من حديث عتبة بن عويم بن ساعدة ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : "عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث زر ، عن عبد الله مرفوعا مثله ، وقال بعد : "باليسير " يعني : من العمل .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أبو نعيم في "الطب النبوي " من حديث ابن عمر مرفوعا ، زاد بعد : "أرحاما " : "وأسخن إقبالا ، وأرضى باليسير من العمل " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 211 ] وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف . وقيل في تفسير "أنتق أرحاما " : أقبل للولد . وفي رواية : "وأطيب أخلاقا " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي البكر معان أخر : حداثة السن ، وللنفس في ذلك من الحظ ما هو معلوم ، وفرة الحرارة المحركة للباءة ، وعدم تعلقها بغير زوجها ، إذ المرأة يتعلق قلبها بآتي عذرتها ، وأن الطباع تنبو عمن كان لها زوج قديما ، والتهيؤ للولد ، وأن المداعبة تليق بهن دون غيرهن من الكبار ، وفي المداعبة انبعاث على اجتماع الماء وكثرته .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية