الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4797 5085 - حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي ، فدعوت المسلمين إلى وليمته فما كان فيها من خبز ولا لحم ، أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والسمن فكانت وليمته ، فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين ، أو مما ملكت يمينه ؟ فقالوا : إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه . فلما ارتحل وطى لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس . [انظر : 371 - مسلم: 1365 - فتح: 9 \ 126 ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 223 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 223 ] ذكر فيه أحاديث :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها :

                                                                                                                                                                                                                              حديث الشعبي عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها إلى أن قال "ثم أعتقها وتزوجها فله أجران . . " الحديث -وسلف في العتق وغيره - قال الشعبي خذها بغير شيء ، قد كان الرجل يركب فيما دونه إلى المدينة وقال أبو بكر عن أبي حصين ، عن أبي بردة ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أعتقها ثم أصدقها " .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا أسنده الإسماعيلي عن الحسن ، ثنا مسلم بن سلام ، ثنا أبو بكر -يعني : ابن عياش - عن أبي حصين بلفظ : "ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران " .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ابن حزم من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن أبي بكر .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : تفرد به يحيى ، وهو ضعيف جدا ، والخبر مشهور من رواية الثقات ليس فيه : "بمهر جديد " .

                                                                                                                                                                                                                              وأبو بكر هذا اسمه كنيته على الصحيح . وقيل : اسمه شعبة . وأبو حصين بفتح الحاء اسمه عثمان بن عاصم أسدي كاهلي ، كوفي ، مات سنة ثمان وعشرين ومائة ، ومات قبله أبو بكر بن عياش سنة اثنتين . وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع وتسعين ومائة ، وذكر أنه أكبر من الثوري بسنة ، وهو مولى واصل الأسدي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 224 ] واسم أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري قاضي الكوفي ، مات سنة أربع ، وقيل : سنة ثلاث ومائة ، وقيل : قبل موسى بن طلحة بأيام ، ومات موسى سنة ست ومائة . ومات عامر بن شراحيل الشعبي على قول . ورواية الشعبي عن أبي بردة في الأولى تدخل في المدبج . ومات أبو موسى سنة أربع أو اثنتين وأربعين عن ثلاث وستين . وقيل : سنة خمس أو إحدى أو اثنتين وخمسين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ("ثم أصدقها هو" ) بيان لقوله قبله : "وتزوجها فله أجران " وظاهره توقف حصولهما عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : دلالة للشافعي ومالك أن عتقها لا يكون صداقا ، وأن فعله في صفية خاص به ، وأخذ بظاهر حديث صفية أحمد وإسحاق وجعله عوضا من بضعها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ("وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران" ) .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : قوله : "من أهل الكتاب " يعني : كان على دين عيسى . قال : وأما اليهود ومن كفر من النصارى فليسوا من ذلك ; لأنه لا يجازى على الكفر بالخير .

                                                                                                                                                                                                                              واستدل بقوله تعالى : إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون [القصص : 53 ، 54 ] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 225 ] الحديث الثاني :

                                                                                                                                                                                                                              حديث محمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وعنه عن أبي هريرة قال "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات بينما : إبراهيم مر بجبار ومعه سارة -فذكر الحديث - فأعطاها هاجر ، قالت : كف الله يد الكافر وأخدمني هاجر " . قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء . كذا هو في الأصول الأول مرفوعا ، والثاني وقفه على أبي هريرة . وفي بعضها رفعه .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أبو مسعود وخلف : أنه موقوف ، وأبى ذلك الطرقي وغيره . وهذا الحديث سلف في البيع وأحاديث الأنبياء . ووجه دخوله هنا أن هاجر كانت أمة مملوكة وهبها الكافر ، وقبول إبراهيم لها ، وأولدها بعد أن ملكها فهي سرية .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واتخاذ السراري مباح ; لقوله تعالى : وما ملكت أيمانكم [النساء : 36 ] فأباح الله تعالى ملك اليمين كما أباح النكاح ، ورغب - عليه السلام - في عتق الإماء وتزويجهن بقوله : إن فاعل ذلك له أجران .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "مسند أحمد " بإسناد فيه ضعف من حديث ابن (عمرو ) رضي الله عنهما مرفوعا : "انكحوا أمهات الأولاد ، فإني أباهي بكم يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 226 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              هذه الثلاث في الظاهر لا في الباطن (لأن ) معنى أختي : في الإسلام ، وسقيم سأسقم ; كقوله : إنك ميت وإنهم ميتون [الزمر : 30 ] و بل فعله كبيرهم [الأنبياء : 63 ] أي : إن نطقوا فهو الفاعل .

                                                                                                                                                                                                                              وقول أبي هريرة رضي الله عنه : (يا بني ماء السماء ) يريد أنهم يتبعون مواضع القطر ليس لهم موطن .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس في قصة صفية سلف في المغازي في غزوة خيبر ، وذكر خلف : أنه رواه أيضا في الأطعمة . ويحتاج إلى تأويل قوله : فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين . . إلى آخره مع الحديث الذي بعده : (أعتقها وجعل عتقها صداقها ) وراويهما أنس فإنه إذا جعل عتقها صداقها كيف يشكون ويقولون : إن نكحها فهي من أمهات المؤمنين ، ويحتمل أن يكون قائل ذلك من لم يعلم عتقه - عليه السلام - لها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واحتج به من أوجب الوليمة ، وهو أحد قولي الشافعي وداود .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ذكر ابن المرابط في قول أنس السالف في غزوة خيبر أصدقها نفسها . أنه من روايته وظنه ، وإنما قال ذلك ; مدافعة للسائل ، ألا ترى أنه قال :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 227 ] (فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين ) ، فكيف علم أنس أنه أصدقها نفسها قبل ذلك ، وقد صح أنه لم يعلم أنها زوجة إلا بالحجاب . فدل على أن قوله هذا لم يشهده عليه نبينا عليه الصلاة والسلام ولا غيره ، وإنما ظنه أنس والناس معه ظنا مع أن كتاب الله أحق أن يتبع ، قال تعالى : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها الآية [الأحزاب :50 ] . وهو دال على أنه عتقها وخيرها في نفسها فاختارته فنكحها بما خصه الله تعالى بغير صداق .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : روى أبو الشيخ ابن حيان من حديث شاذ بن فياض ، ثنا هاشم بن سعيد ، ثنا كنانة ، عن صفية قالت : أعتقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل عتقي صداقي .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر رزين وابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر وغيرهم أنه - عليه السلام - أصدق صفية جارية تدعى رزينة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              روى أنس رضي الله عنه أنه - عليه السلام - استبرأ صفية بحيضة . ذكره الحارث بن أبي أسامة في "مسنده " وأنكره ابن المديني .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 228 ] وروي أيضا من حديث إسماعيل بن عياش ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن الزهري ، عن أنس ، وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفت الخلاف في عتق الأمة على أن يكون صداقها ، وهو ممتنع عند أكثر العلماء أنه إنما يكون صداقا إذا قارن العقد أو صادف عقدا ، فأما إن تقدم عليه فلا يصح ، والعتق هنا مقدم على العقد ، فلم يكن صداقا ، فمن أعتقها على أن تزوجه من نفسها فأبت فلا لزوم عليها ; لأن الإجبار ساقط عنها بزوال الرق ، فكان لها الخيار .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : اختلف العلماء فيمن أعتق جارية وتزوجها ، فذهب قوم إلى أنه إن أعتقها وجعل عتقها صداقها فهو جائز ، فإن تزوجته فلا مهر لها غير العتاق على حديث صفية . روي هذا عن أنس أنه فعله ، وهو راوي حديث صفية ، وهو قول سعيد بن المسيب والنخعي وطاوس والحسن وابن شهاب ، وإليه ذهب الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              وقال آخرون : ليس لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل هذا ، وإنما كان ذلك خاصا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأن الله تعالى أباح له أن يتزوج بغير صداق ، ولم يجعل ذلك لأحد من المؤمنين غيره . هذا قول مالك وأبي حنيفة وزفر ومحمد والشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 229 ] وقد روى حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه - عليه السلام - فعل في جويرية بنت الحارث مثل ما فعله في صفية ، أنه أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها ، لكن قال ابن عمر : أنه خاص به .

                                                                                                                                                                                                                              قال (الطبري ) : ونظرنا في عتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية كيف كان ، فروى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها : أنه لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبت نفسها وجاءت تستعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتها ، فقال لها : "هل لك في خير من ذلك ، أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ " قالت : نعم ، فتزوجها . فبينت عائشة العتاق الذي ذكره ابن عمر الذي جعله مهرها ، أنه أداؤه عنها ، كاتبها لتعتق بذلك الأداء ويكون مهرها لها .

                                                                                                                                                                                                                              فلما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل ذلك مهرا لها ، كان ذلك له خاصا دون أمته ، كما كان خاصا أن يجعل العتاق الذي تولاه هو مهرا .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت : لم جعل العتق كالمال ؟ قيل : لأنها ملكية بعض ما كان له ; فلذلك لم يجب عليها بذلك العتاق .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا الكلام على رواية : "ثم أصدقها " .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : ولو صحت لم يكن فيه حجة ; لأنه ليس فيه أنه يجوز له نكاحها إلا بمهر جديد ، ونحن لا نمنع من أن يجعل لها مهرا آخر ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 230 ] وقد سلف عنه أنه تفرد به يحيى ، وأنه ضعيف جدا . وليس كما ذكر ، فقد قال فيه ابن نمير : كان ثقة ، وهو أكبر من هؤلاء كلهم . ورضيه يحيى بن معين ، وخرج له الشيخان ، وهو حافظ ، صاحب حديث ، صدوق .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحاكم : وسئل عنه أبو بكر الأعين ، فقال : ثقة ، وقد ظلم .

                                                                                                                                                                                                                              وزعم الواقدي أنه - عليه السلام - جعل صداق جويرية عتق كل أسير من بني المصطلق -قاله الشعبي - وقيل : أربعين أسيرا - قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              وعند الطبراني : أن أباها لما أسلم زوجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن المنذر : قضى كتابتها وتزوجها كما فعل في حديث صفية سواء .

                                                                                                                                                                                                                              ولما ذكر ابن حزم ما ذكره الطحاوي عن أحمد بن داود ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن ابن عون قال : كتب إلي نافع : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ جويرية في غزوة بني المصطلق فأعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها . أخبرني بذلك ابن عمر وذلك في ذلك الجيش .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : كذا روى هذا ابن عمر ، ثم قال : هو من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا أنه يجدد لها صداقا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 231 ] ثم ساقه عن سليمان بن شعيب ، ثنا الخصيب ، ثنا حماد بن سلمة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك ، قال : فهذا ابن عمر قد ذهب إلى أن الحكم في ذلك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أن يكون ذلك شيئا سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحتمل أن يكون على ذلك المعنى الذي استدللنا به على خصوصيته - عليه السلام - بذلك دون الناس ، ثم نظرنا فوجدنا عائشة رضي الله عنها قد روت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لما جاءته جويرية تستعينه في كتابتها قال لها : "هل لك في خير من ذلك ، أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ " قالت : نعم ، فتزوجها ، فبينت عائشة العتاق الذي ذكر ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وجعل مهرها كيف هو ، فهو أداؤه عنها كتابتها لتعتق بذلك الأداء ، ثم كان بذلك الإعتاق الذي وجب بأداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الذي كاتبها مهرا لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا ، وليس لأحد أن يفعله ; لأنه خاص به دون الأمة .

                                                                                                                                                                                                                              قال : الذي نعرفه عن ابن عمر هو ما رويناه عن سعيد بن منصور ، ثنا هشيم وجرير كلاهما ، عن المغيرة بن مقسم ، عن إبراهيم النخعي قال : كان ابن عمر يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها كالراكب بدنته ، قال : فإنما كره ابن عمر زواج المرء من أعتقها لله فقط ، فبطل كيدهم الضعيف في هذه المسألة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : النخعي لم يسمع من ابن عمر البتة -كما صرح به هو وغيره - قال : وقوله : هو من بعده في مثل هذا أنه يحدد لها صداقا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 232 ] قال : ولم يذكر كلام ابن عمر كيف كان ، ولعله لو أورده لكان خلافا لظن الطحاوي ، وهذا الحديث ليس مما رواه أصحاب حماد بن سلمة ، فهو أمر ضعيف من كل جهة ، والخبر الأول من رواية يعقوب بن حميد وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : والخصيب السالف ثقة ، وممن ذكره فيهم ابن حبان وقال : ربما أخطأ . وصححه الحاكم من طريقه ، وقال : لم يتكلم فيه أحد بحجة ، وخرج له البخاري ، وقال : ابن عدي لا بأس به وبروايته .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال ابن حزم : وذكروا الخبر الذي رويناه من طريق محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة ، عن عائشة : أن جويرية قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث المذكور أولا .

                                                                                                                                                                                                                              قال : يقال قبل كل شيء : هذا خبر لا تقوم به حجة ; إنما رويناه عن ابن إسحاق من طريقين ضعيفين : أحدهما : من طريق زياد البكائي ، والآخر : من حديث أسد بن موسى وكلاهما ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : أسد ثقة -كما صرح به غير واحد ، وقد رواه عن ابن إسحاق أيضا ، عن يونس بن بكير - كما أفاده البيهقي في "دلائله " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 233 ] فرع :

                                                                                                                                                                                                                              نقل ابن أبي شيبة عن عطاء : أنها لو قالت لعبدها : أعتقتك على أن تتزوجني فكأنها بدأت بعتقه ، وكذا قاله أبو عبيد بن عمير ، ولما سئل مجاهد عن هذا غضب وقال : في هذا عقوبة من الله ومن السلطان . وفي رواية عن عطاء وعبيد : تعتقه ولا تشارطه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              فيه من الفقه أنه يجوز للسيد إذا أعتق أمته أن يزوجها من نفسه دون السلطان ، وكذلك الولي في وليته ، وفيه اختلاف للعلماء يأتي في باب : إذا كان الولي هو الخاطب .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : وفي تزويجه - عليه السلام - صفية من نفسه إجازة النكاح بغير شهود إذا أعلن . وهو قول الزهري ، وأهل المدينة ومالك وعبيد الله بن الحسن وأبي ثور ، وروي عن ابن عمر أنه تزوج ولم يحضر شاهدين ، وأن الحسن بن علي زوج عبد الله بن الزبير وما معهما أحد من الناس ، ثم أعلنوه بعد ذلك . وقالت طائفة : لا يجوز النكاح إلا بشاهدي عدل .

                                                                                                                                                                                                                              روي ذلك عن ابن عباس وعطاء والنخعي وسعيد بن المسيب والحسن . وبه قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بشاهدين ، ويجوز أن يكونا محدودين في قذف أو فاسقين أو أعميين .

                                                                                                                                                                                                                              وقام الإجماع على رد شهادة الفاسق . وكان يزيد بن هارون من أصحاب الرأي ويقول : أمرنا الله بالإشهاد عند التبايع ، فقال : وأشهدوا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 234 ] إذا تبايعتم
                                                                                                                                                                                                                              [البقرة : 282 ] وأمر بالنكاح ولم يأمر بالإشهاد عليه ، وعن أصحاب الرأي : إن البيع الذي أمر الله بالإشهاد عليه جائز من غير شهود ، وإن النكاح الذي لم يأمر فيه بالإشهاد عنده لا يجوز إلا بشهود .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : وقد اختلف في ذلك أصحاب الرسول ، وجاء الحديث الثابت الدال على إجازة النكاح بغير شهود ، وهو حديث تزويجه - عليه السلام - صفية ، ألا ترى أن أصحابه اختلفوا ، فلم يعرفوا أكانت زوجة أو ملك يمين ، واستدلوا على أنه تزوجها بالحجاب ، فدل ذلك على أنه - عليه السلام - لم يشهدهم على إنكاحها واجتزأ فيه بالإعلام ، ولو كان هناك شهود ما خفي ذلك عليهم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : نكاحه عليه أفضل الصلاة والسلام لا يحتاج إلى شهود ; لأنه مأمون لا يقع منه جحد أصلا بخلافنا ، وفيه الحكم بالدليل .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (لما ارتحل وطى لها خلفه ) . فهو معنى قوله في غزوة خيبر : يحوي لها وراءه بعباءة ، أي : يدير كساء حول سنام البعير لتركب عليه ، وهو الحوية قال الأصمعي : والحوية : كساء محشو بثمام أو ليف يجعل على ظهر البعير ، وفي قصة بدر أن أبا جهل -لعنه الله - بعث عمير بن وهب ليحزر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فطاف عمير برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رجع قال : رأيت الحوايا عليها المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية