الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4827 5119 - وقال ابن أبي ذئب ، حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا " . فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة . قال أبو عبد الله : وبينه علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه منسوخ . [فتح: 9 \ 167 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق فيه أحاديث

                                                                                                                                                                                                                              أحدها :

                                                                                                                                                                                                                              حديث الحسن بن محمد بن علي وأخيه عبد الله بن محمد عن أبيهما ، أن عليا قال لابن عباس - رضي الله عنه - : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في غزوة خيبر عنهما ، عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 352 ] نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية
                                                                                                                                                                                                                              ، وأسلفنا طرفا من الكلام عليها ، وأخرجه أيضا في الذبائح وترك الحيل ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي جمرة -بالجيم - نصر بن عمران الضبعي البصري ، مات سنة ثمان وعشرين ومائة ، سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء ، فرخص فيها ، فقال له مولى له : إنما ذلك في الحال الشديدة وفي النساء : قلة أو نحوه . قال ابن عباس : نعم .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراده ، وعند الإسماعيلي : إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل . فقال عبد الله : صدق . وللترمذي من حديث موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن ابن عباس : إنما كانت المتعة في أول الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة ، فيزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم ، فتحفظ له متاعه ، وتصلح له (شيئه ) حتى إذا نزلت الآية : إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم [المؤمنون : 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 353 ] قال ابن عباس : فكل فرج سواهما فهو حرام ، قال أبو عيسى : إنما (رويت ) : الرخصة عن ابن عباس ثم رجع عن قوله ، حيث أخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحازمي : هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                              وأما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه بطول العزبة وقلة اليسار ، ثم توقف عنه ، فيوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي وإنكاره عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقد روينا أن ابن جبير قال له : هل تدري ما صنعت وبما أفتيت ؟ فقد سارت بفتياك الركبان ، وقالت فيه الشعراء قال : وما قالوا ؟ قلت : قالوا :


                                                                                                                                                                                                                              قد قلت للشيخ لما طال مجلسه . . . يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

                                                                                                                                                                                                                              هل لك في رخصة الأطراف آنسة
                                                                                                                                                                                                                              . . . تكون مثواك حتى يصدر الناس



                                                                                                                                                                                                                              فقال ابن عباس : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما بهذا أفتيت ، ولا هذا أردت ، ولا حللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير وما يحل للمضطرين ، وما هي إلا كالميتة وشبهه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي ، فهذا يبين لك أنه سلك فيه مذهب القياس ، وشبهه بالمضطر إلى الطعام الذي به قوام النفس وبعدمه يكون التلف ، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة ، ومصابرتها ممكنة ، وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج ، فليس أحدهما في حكم الضرورة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 354 ] وقد بين سهل بن سعد الساعدي ذلك بقوله فيما ذكره ابن عبد البر : إنما رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعزيمة كانت بالناس شديدة ، ثم نهى عنها بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن جريج : أخبرني عطاء أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يراها حلالا حتى الآن . ويقرأ فيه : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ) . وقال ابن عباس : في حرف أبي بن كعب (إلى أجل مسمى ) ، قال : وسمعت ابن عباس يقول : رحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله يرحم بها عباده ، ولولا نهي عمر ما احتاج إلى الزنا إلا شقي . قال أبو عمر : أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرونها حلالا ، على مذهبه ، وحرمها سائر الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الليث بن سعد ، عن بكير بن الأشج ، عن عمار ، مولى الشريد : سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح ؟ قال : لا سفاح ولا نكاح . قلت : فما هي ؟ قال : المتعة كما قال الله ، قلت : هل عليها (عدة ) ؟ قال : نعم ، حيضة . قلت : يتوارثون ؟ قال : لا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 355 ] الحديث الثالث :

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا علي ، عن سفيان ، قال عمرو : عن الحسن بن محمد ، عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع - رضي الله عنهم - قالا : كنا في جيش ، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا ، فاستمتعوا " .

                                                                                                                                                                                                                              زاد مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر -وفي بعض الروايات وعمر - حتى نهى عنها عمر . وفي رواية وذكر المتمتعين : فعلناهما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نهانا عنهما عمر ، فلم نعد لهما .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : سيأتي بعد عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - نهانا عنها في تبوك ، وللدارقطني في "أفراده " : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الاستمتاع ثم قال : تفرد به يزيد بن سنان ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع :

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري : وقال ابن أبي ذئب : ثنا إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يتزايدا تزايدا أو يتتاركا تتاركا " . فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة ؟

                                                                                                                                                                                                                              هذا التعليق أسنده الإسماعيلي ، عن ابن ناجية ، ثنا أبو موسى محمد بن المثنى لفظه ، وبندار وحميد بن زنجويه قالوا : ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، عن ابن أبي ذئب ، عن إياس بلفظ "أيما رجل

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 356 ] وامرأة أيام الحج تراضيا فعشرة ما بينهما ثلاثة أيام
                                                                                                                                                                                                                              " وفي رواية أبي العميس ، عن إياس : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : زعم زاعم أنه نهي بضم النون وكسر الهاء ، يريد بالناهي عمر بن الخطاب ، قيل له : المحفوظ نهى بفتح النون والهاء .

                                                                                                                                                                                                                              ورأيته في كتاب بعضهم : نها بالألف على أنها إن كانت الرواية كما قال بضم النون ، فيحتمل أن يكون المراد : الشارع ، ويحتمل عمر .

                                                                                                                                                                                                                              ورواية الربيع بن سبرة ، عن أبيه من عند مسلم : تمتعت ثلاثا ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال : "من كان عنده شيء من هذه النساء : التي يتمتع بها ، فليخل سبيلها " وفي رواية : وذلك في فتح مكة أذن لنا في متعة النساء ، فلم يخرج حتى حرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "يا أيها الناس إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله -عز وجل - قد حرم ذلك إلى يوم القيامة " فالحجة بأن الناهي في هذا إنما هو الشارع ، فيكون أولى من رواية من أبهمه .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع عليه في تاريخه ، وعند أحمد ، وذلك في حجة الوداع .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب أبو داود إلى أنه أصح ما روي في هذا ، ورجحه ابن عبد البر وغيره ، وهو قوله : وذلك في حجة الوداع ، وخالف ذلك

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 357 ] البيهقي ، فقال : الفتح أكثر ، وذكر في كتاب "ما أغرب به شعبة عن سفيان بن سعيد " : أن الأجل كان بينهما عشرة أيام ، وعند ابن شاهين : قبل يوم التروية ، كان الإذن ، وفي يوم التروية كان المنع ، وفي لفظ في عشرة الإذن ، وفي لفظ : وذلك عمره .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري : (قال أبو عبد الله : وقد بينه علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه منسوخ ) ، وهو كما قال ، وقد أسنده في "صحيحه " أولا ; لأن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس : أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر . وللنسائي : وقال محمد بن مثنى : يوم (حنين ) ، وقال : هكذا حدثنا عبد الوهاب الثقفي من كتابه عن يحيى بن سعيد ، عن مالك .

                                                                                                                                                                                                                              وللبيهقي من حديث ابن لهيعة عن موسى بن أيوب ، عن إياس بن عامر ، عن علي : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المتعة قال : وإنما كانت فيمن لم يجد ، فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت ، وهو معنى ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث المقبري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خرج نزل

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 358 ] بثنية الوداع فرأى مصابيح وسمع نساء يبكين ، فقال : "ما هذا ؟ " قالوا نساء كانوا تمتع منهن أزواجهن . فقال - صلى الله عليه وسلم - : "هدم -أو قال : حرم المتعة - النكاح والطلاق والعدة والميراث "
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وللبيهقي فيه : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فنزلنا بثنية الوداع ، قال : وكذلك رواه إسحاق بن إبراهيم وجماعة عن المؤمل ، عن عكرمة ، عن المقبري .

                                                                                                                                                                                                                              وللحازمي من حديث ابن عقيل ، عن جابر : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام ، فرأى - صلى الله عليه وسلم - نسوة يبكين في رحالنا فقال : "من هؤلاء ؟ " فقلنا : يا رسول الله ، نسوة تمتعنا منهن ، فغضب حتى احمرت وجنتاه واشتد غضبه ، ثم قام خطيبا ، فنهى عن المتعة (فتوادعنا ) يومئذ الرجال والنساء ولم نعد ، ولا نعود لها أبدا ; فبها يومئذ سميت بثنية الوداع .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن عبد البر من حديث إسحاق بن راشد عن الزهري -ولم يتابع عليه - عن عبد الله بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك عن نكاح المتعة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ذكر الطحاوي عن علي وابن عمر - رضي الله عنهم - أن النهي عنها كان يوم خيبر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 359 ] ورواه مالك ومعمر ويونس ، عن ابن شهاب في هذا الحديث كذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقد رويت آثار أن نهيه عنها كان في غير يوم خيبر . وروى أبو (العميس ) ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن فيها عام أوطاس ثم نهى عنها ، وروى عكرمة بن عمار عن سعيد المقبري أنه حرمها في غزوة تبوك ، وقد سلف أيضا ، وقال عمرو ، عن الحسن : ما حلت قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ، ما حلت قبلها ولا بعدها . وحديث سبرة السالف كان عام الفتح ، وعنه أنه كان عام حجة الوداع .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 360 ] قال الطحاوي : فكل هؤلاء الذين رووا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاقها أخبروا أنها كانت في سفر ، وأن النهي عنها في ذلك السفر بعد ذلك فمنع منها ، وليس أحد منهم يخبر أنها كانت في حضر .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن مسعود السالف في البخاري أنه كان في الغزو ، وحديث سبرة خارج عنه ، وحديث سلمة في غزوة أوطاس وهو وقت ضرورة (قال : وأخلق بحديث سبحة أن يكون خطأ لزوال الضرورة ) .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة فأما عبد العزيز بن الربيع بن سبرة فرواه عن أبيه ، وذكر أنه عام الفتح ، وقد رواه إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، فذكر أن ذلك كان في الفتح ، وأنهم شكوا العزبة ، فرخص لهم فيها ، ومحال أن يسألوها في حجة الوداع ; لأنهم حجوا بالنساء ، فلما اختلفت المواطن المذكور فيها الإباحة في حديث سبرة نفي النهي المطلق فقط .

                                                                                                                                                                                                                              فالحاصل سبع روايات: خيبر ، حنين ، الفتح ، أوطاس ، تبوك ، عمرة القضاء ، حجة الوداع ، وهو هنا ، ولما أسلفنا عن الحسن ، والجمع متعين ، فيكون مرات ثم استقر النهي .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي من حديث الحكم بن عتيبة عن أصحاب عبد الله بن مسعود أنه قال : المتعة منسوخة ، نسخها الطلاق والعدة والصداق والميراث ، وفي "صحيح الإسماعيلي " : ففعلناها ، ثم ترك ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 361 ] وفي لفظ : ثم جاء تحريمها بعد .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن شاهين من حديث أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عنه : أحلت للصحابة ثلاثة أيام في غزاة شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزوبة ، ثم نسختها آية النكاح .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن مسعود السالف في النكاح لم يذكر فيه إلا الإباحة ، وتلا قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة : 87 ] قال الشافعي فيما حكاه عنه الحاكم : ذكر ابن مسعود الإرخاص فيها . ولم يؤقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها ؟ فأشبه حديث علي في النهي عنها أن يكون -والله أعلم - ناسخا له فلا يجوز بحال .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وروينا في حديث ابن مسعود أنه قال : كنا ونحن شباب . فأخبر أنهم كانوا يفعلون ذلك وهم شباب ; لأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين ، وله بضع وستون سنة ، وكان فتح خيبر سنة سبع ، وفتح مكة سنة ثمان ، فكان سنة عام الفتح يقرب من أربعين سنة ، والشباب قبل ذلك ، فأشبه حديث علي أن يكون ناسخا له . وهو كما قال البيهقي ، فمن تأمله وجد كلامه في غاية المتانة .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أبو عبد الرحمن العتقي في "تاريخه " أن مولد ابن مسعود سنة ثلاث وعشرين من مولد سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فحضوره كان

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 362 ] أيضا فوق الثلاثين ، وقد ذكر نسخها كما سلف .

                                                                                                                                                                                                                              وقد رواه أيضا عنه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عنه فوافق عليا في النسخ .

                                                                                                                                                                                                                              والظاهر أن حديثه : "يا معشر الشباب " السالف ، بعد ذلك ، وقد سلفت روايته في البخاري : قال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ولا ينافيه رواية الفريابي في "كتاب النكاح " خرج على فتية عزاب فقال : "يا معشر الشباب " .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              روى النهي أيضا جماعات منهم : عمر بن الخطاب ، أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح : أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن لنا في المتعة ثلاثة أيام ، ثم حرمها ، والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته ، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أنه - عليه السلام - أحلها بعد إذ حرمها .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن الطلاع قال أبو عبيد في حديثه : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ما أحسب رجلا منكم يخلو بامرأة ثلاثا إلا ولاها الدبر " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 363 ] والدارقطني : عن ابن عباس أن عمر نهى عن المتعة التي للنساء وقال : إنما أحل الله ذلك للناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والنساء يومئذ قليل ، ثم حرمها عليهم بعد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المصنف " قال ابن المسيب : يرحم الله عمر ، لولا أنه نهى عنها صار الزنا جهارا .

                                                                                                                                                                                                                              وله أن ابن عمر نهى عنها فقال : حرام . قيل له : إن ابن عباس يفتي بها . قال : فهلا تزمزم بها أيام عمر .

                                                                                                                                                                                                                              زاد البيهقي : والله لقد علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين .

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم أبو هريرة - رضي الله عنه - ، أخرجه ابن شاهين بإسناد جيد عنه : تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة من النساء ، ثم قال لنا : "إن جبريل أتاني وأخبرني أن الله قد حرمها " . وله من حديث ابن خالد الجهني وكعب بن مالك وأنس .

                                                                                                                                                                                                                              وفي البيهقي عن أبي ذر : إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متعة النساء : ثلاثة أيام ، ثم نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم : لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة : متعة النساء ، ومتعة الحج .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 364 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              لما حرمها - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع تأبد النهي ، فلم يبق اليوم فيه خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة . قال الحازمي الأستاذ : ذهب إليه بعض الشيعة . وروي عن ابن جريج أيضا جوازه .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قد ذكروا عنه رجوعه ، قال أبو طالب : قال أبو عبد الله أحمد : قال ابن جريج بالبصرة : اشهدوا أني قد رجحت عن المتعة بعد بضعة عشر حديثا أرويه فيها .

                                                                                                                                                                                                                              وأما ابن حزم توسع قال : إن جماعة من السلف ثبتت على تحليلها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، منهم من الصحابة : أسماء بنت الصديق ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وابن مسعود ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن حريث ، وأبو سعيد الخدري ، وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف ، ورواه جابر عن (جميع ) الصحابة مدة رسول الله ، ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافته .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في إباحتها عن ابن الزبير (وعن علي فيها توقف وعن عمر ) أنه إنما أنكرها إذ لم يشهد عليها عدلان ، وأباحها بشهادة عدلين ، ومن التابعين : طاوس وعطاء وسعيد ، وسائر فقهاء مكة . قلت : ولهذا -والله أعلم - قال الأوزاعي فيما ذكره الحاكم في "علومه " : يترك من قول أهل الحجاز خمس منها : المتعة بالنساء .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 365 ] وقال ابن عبد البر في "جامع العلم " : أطلق ابن شهاب على أهل مكة زمانه أنهم ينقضون عرى الإسلام ، ما استثنى منهم أحدا . وأظن ذلك ، لما روي عنهم في الصرف ومتعة النساء .

                                                                                                                                                                                                                              ونقل ابن بطال عن بعضهم : روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس تحليلها ، وروي عنه أنه رجع عنها بأسانيد ضعيفة ، وإجازة المتعة عنه أصح ، وهو مذهب الشيعة ، لكن الذي اتفق عليه أهل الأمصار من أهل الرأي والأثر تحريمها .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : اتفق أئمة الأمصار مالك وأصحابه ، وسفيان ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، ومن سلك سبيلهما من أهل الحديث والفقه والنظر ، والليث بن سعد في أهل مصر والمغرب ، والأوزاعي في أهل الشام ، وأحمد وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وداود ، ومحمد بن جرير على تحريمها لصحة النهي عندهم (عنها ) .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في معنى منها ، وهو : الرجل يتزوج المرأة عشرة أيام أو شهرا أو أياما معلومة وأجلا معلوما ، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي : هذا نكاح المتعة ، وهو باطل ، يفسخ قبل الدخول وبعد ، وقال زفر : إن تزوجها عشرة أيام ونحوها أو شهرا ، فالنكاح ثابت ، والشرط باطل ، وهو شاذ .

                                                                                                                                                                                                                              وقالوا كلهم إلا الأوزاعي : إذا نكح المرأة نكاحا صحيحا ، ولكنه نوى في حين عقده عليها ألا يمكث معها إلا شهرا أو مدة معلومة ، فإنه لا بأس به ولا تضر في ذلك نيته إذا لم يشترط ذلك في نكاحه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 366 ] قال مالك : فليس على الرجل إذا نكح (أن ينوي إذا لم توافقه امرأته أن يطلقها ) .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : ولو تزوجها بغير شرط ، ولكنه نوى ألا يحبسها إلا شهرا أو نحوه ويطلقها ، فهي متعة ، ولا خير فيه .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : في حديث ابن مسعود بيان أن المتعة نكاح إلى (أجل ) ، وهذا يقتضي الشرط الظاهر فإذا سلم العقد منه صح .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وقد روي عن ابن عباس أنه انصرف عن المتعة ، والصرف أنه قال : نسخ المتعة يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق : 1 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عنه أنه قال : الاستمتاع هو النكاح ، وهي كلها آثار ضعيفة ، لم ينقلها أحد يحتج به ، والآثار عنه بإجازة المتعة أصح ، ولكن العلماء خالفوه فيها قديما وحديثا ، حتى قال ابن الزبير : لو تمتع ابن عباس لرجمته . وقد ذهب الشافعي وغيره إلى أنه لا يحد فاعله ، فيحمل قول هذين على التغليظ . قال مالك عند ابن حبيب : ولا يبلغ به الحد كنكاح السر . وقال ابن نافع : يحد بخلاف السر .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : ولم يختلف العلماء أن المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه ، والفرقة تقع إلى انقضاء الأجل من غير طلاق ، وليس هذا حكم الزوجية عند أحد من المسلمين ، وقد حرم الله الفروج

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 367 ] إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين ، وقد نزعت عائشة والقاسم بن محمد وغيرهما في تحريمها ونسخها بقوله : والذين هم لفروجهم حافظون الآية [المؤمنون : 5 ] . ونقله الترمذي أيضا عن ابن عباس ، وقد روي عن علي وابن عباس في قوله تعالى : فما استمتعتم به منهن قالا : فنسخ الطلاق والعدة والميراث المتعة .

                                                                                                                                                                                                                              وما ذكره الشيعة خالفوا فيه قواعدهم إذ عمدتهم الرجوع إلى قول علي وأولاده ، وقد أسلفنا عن علي نسخه ، وأنكر على ابن عباس اعتقاد أنها غير منسوخة ، وكذا روي عن جعفر بن محمد الصادق .

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي من حديث بسام الصيرفي قال : سألت جعفر بن محمد عن المتعة فوصفها له فقال : في ذلك الزنا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : وتحريمها كالإجماع بين المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : ثبت عن ابن عباس رجوعه عنها .

                                                                                                                                                                                                                              تذنيب :

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا قول ابن عمر وغيره فيها ، وقال هو وابن الزبير : هي السفاح . وكذا قال عروة : هو الزنا صراح ، وقيل : ليس بزنا ، وما أحل الشارع الزنا بحال .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 368 ] وقال نافع عنه : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج . فهذا عمر - رضي الله عنه - نهى عنها بحضرة الصحابة ، فلم ينكر ذلك عليه منكر ، وفيه دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه ، وهو دال على النسخ .

                                                                                                                                                                                                                              وابن عباس يقول : إنما أبيحت والنساء قليل ، فلما كثرت ارتفع المعنى الذي من أجله أبيحت .

                                                                                                                                                                                                                              وحكمة تكرار النهي حتى في حجة الوداع أن من عادته تكرير مثل هذا في مغازيه ، وفي المواضع الجامعة ومن جملتها حجة الوداع لينقل لمن لم يسمع ، فأكده حتى لا يبقي شبهة لأحد يدعي تحليلها ; ولأن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا ، وحديث سبرة دال على إبطال قول زفر ، وأن العقد لا يوجب دوامه ، ولو أوجب الدوام لكان بفسخ الشرط الذي تعاقدا عليه ، ولا يفسخ النكاح إذا كان ثبت على صحته وجوازه قبل النهي ، ففي أمره بالمفارقة دليل على أن مثل هذا العقد لا يجب به ملك بضع .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية