[ ص: 317 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن تفريع على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض بقرينة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رأى كوكبا فإن الكوكب من ملكوت السماوات ، وقوله في المعطوف عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض . فهذه الرؤية الخاصة التي اهتدى بها إلى طريق عجيب في إبكات لقومه ملجئ إياهم للاعتراف بفساد معتقدهم ، هي فرع من تلك الإراءة التي عمت ملكوت السماوات والأرض ، لأن العطف بالفاء يستدعي مزيد الاتصال بين المعطوف والمعطوف عليه لما في معنى الفاء من التفريع والتسبب ، ولذلك نعد جعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن عطفا على قال إبراهيم لأبيه ، وجعله ما بينهما اعتراضا ، غير رشيق .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76جن عليه الليل أي أظلم الليل إظلاما على
إبراهيم ، أي كان
إبراهيم محوطا بظلمة الليل ، وهو يقتضي أنه كان تحت السماء ولم يكن في بيت .
ويؤخذ من قوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78قال يا قوم إني بريء مما تشركون أنه كان سائرا مع فريق من قومه يشاهدون الكواكب ، وقد كان قوم
إبراهيم صابئين يعبدون الكواكب ويصورون لها أصناما . وتلك ديانة
الكلدانيين قوم
إبراهيم .
[ ص: 318 ] يقال : جنه الليل ، أي أخفاه ، وجنان الليل بفتح الجيم ، وجنه : ستره الأشياء المرئية بظلامه الشديد . يقال : جنه الليل ، وهو الأصل . ويقال : جن عليه الليل ، وهذا يقصد به المبالغة في الستر بالظلمة حتى صارت كأنها غطاء ، ومع ذلك لم يسمع في كلامهم جن الليل قاصرا بمعنى أظلم .
وظاهر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رأى كوكبا أنه حصلت له رؤية الكواكب عرضا من غير قصد للتأمل وإلا فإن الأفق في الليل مملوء كواكب ، وأن الكوكب كان حين رآه واضحا في السماء مشرقا بنوره ، وذلك أنور ما يكون في وسط السماء . فالظاهر أنه رأى كوكبا من بينها شديد الضوء . فعن
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي أن الكوكب هو الزهرة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنه المشتري . ويجوز أن يكون نظر الكواكب فرأى كوكبا فيكون في الكلام إيجاز حذف مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ، أي فضرب فانفلق . وجملة رأى كوكبا جواب لما . والكوكب : النجم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قال هذا ربي مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال ينشأ عن مضمون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رأى كوكبا وهو أن يسأل سائل : فماذا كان عندما رآه ، فيكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قال هذا ربي جوابا لذلك .
واسم الإشارة هنا لقصد تمييز الكوكب من بين الكواكب ولكن إجراءه على نظيريه في قوله حين رأى القمر وحين رأى الشمس هذا ربي ، هذا ربي يعين أن يكون القصد الأصلي منه هو الكناية بالإشارة عن كون المشار إليه أمرا مطلوبا مبحوثا عنه فإذا عثر عليه أشير إليه ، وذلك كالإشارة في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولم يقل فهو الذي لمتنني . ولعل منه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=65هذه بضاعتنا ردت إلينا إذ لم يقتصروا على
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=65بضاعتنا ردت إلينا . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قال
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ذهبت لأنصر هذا الرجل يعني
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ولم يتقدم له ذكر ، لأن
عليا وشأنه هو الجاري في خواطر الناس أيام صفين ، وسيأتي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فإن يكفر بها هؤلاء يعني كفار
قريش ، وفي حديث سؤال القبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341730فيقال له ما علمك [ ص: 319 ] بهذا الرجل ( يعني الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا من الأغراض الداعية للتعريف باسم الإشارة التي أهملها علماء البلاغة فيصح هنا أن يجعل مستعملا في معنييه الصريح والكناية .
وتعريف الجزأين مفيد للقصر لأنه لم يقل : هذا رب . فدل على أن
إبراهيم عليه السلام أراد استدراج قومه فابتدأ بإظهار أنه لا يرى تعدد الآلهة ليصل بهم إلى التوحيد واستبقى واحدا من معبوداتهم ففرض استحقاقه الإلهية كيلا ينفروا من الإصغاء إلى استدلاله .
وظاهر قوله قال إنه خاطب بذلك غيره ، لأن القول حقيقته الكلام ، وإنما يساق الكلام إلى مخاطب .
ولذلك كانت حقيقة القول هي ظاهر الآية من لفظها ومن ترتيب نظمها إذ رتب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فلما جن على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وليكون من الموقنين ورتب ذلك كله على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة الآية ، ولقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قال هذا ربي وإنما يقوله لمخاطب ، ولقوله عقب ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78يا قوم إني بريء مما تشركون ، ولأنه اقتصر على إبطال كون الكواكب آلهة واستدل به على براءته مما يشركون مع أنه لا يلزم من بطلان إلهية الكواكب بطلان إلهية أجرام أخرى لولا أن ذلك هو مدعى قومه ; فدل ذلك كله على أن
إبراهيم عليه السلام قال ذلك على سبيل المجادلة لقومه وإرخاء العنان لهم ليصلوا إلى تلقي الحجة ولا ينفروا من أول وهلة فيكون قد جمع جمعا من قومه وأراد الاستدلال عليهم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76هذا ربي أي خالقي ومدبري فهو مستحق عبادتي . قاله على سبيل الفرض جريا على معتقد قومه ليصل بهم إلى نقض اعتقادهم فأظهر أنه موافق لهم ليهشوا إلى ذلك ثم يكر عليهم بالإبطال إظهارا للإنصاف وطلب الحق . ولا يريبك في هذا أن صدور ما ظاهره كفر على لسانه عليه السلام لأنه لما رأى أنه ذلك طريق إلى إرشاد قومه وإنقاذهم من الكفر ، واجتهد فرآه أرجى للقبول عندهم ساغ له التصريح به لقصد الوصول إلى الحق وهو لا يعتقده ، ولا يزيد قوله هذا قومه كفرا ، كالذي يكره على أن يقول
[ ص: 320 ] كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فإنه إذا جاز ذلك لحفظ نفس واحدة وإنقاذها من الهلاك كان جوازه لإنقاذ فريق من الناس من الهلاك في الدنيا والآخرة أولى . وقد يكون فعل ذلك بإذن من الله تعالى بالوحي .
وعلى هذا فالآية تقتضي أن قومه يعبدون الكواكب وأنهم على دين الصابئة وقد كان ذلك الدين شائعا في بلدان الكلدان التي نشأ فيها
إبراهيم عليه السلام وأن الأصنام التي كانوا يعبدونها أرادوا بها أنها صور للكواكب وتماثيل لها على حسب تخيلاتهم وأساطيرهم مثلما كان عليه اليونان القدماء ، ويحتمل أنهم عبدوا الكواكب وعبدوا صورا أخرى على أنها دون الكواكب كما كان اليونان يقسمون المعبودات إلى آلهة وأنصاف آلهة . على أن الصابئة يعتقدون أن الكواكب روحانيات تخدمها .
وأفل النجم أفولا : غاب ، والأفول خاص بغياب النيرات السماوية ، يقال : أفل النجم وأفلت الشمس ، وهو المغيب الذي يكون بغروب الكوكب وراء الأفق بسبب الدورة اليومية للكرة الأرضية ، فلا يقال : أفلت الشمس أو أفل النجم إذا احتجب بسحاب .
وقوله " لا أحب " الحب فيه بمعنى الرضى والإرادة ، أي لا أرضى بالآفل إلها ، أو لا أريد الآفل إلها . وقد علم أن متعلق المحبة هو إرادته إلها له بقوله هذا ربي . وإطلاق المحبة على الإرادة شائع في الكلام ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا . وقدره في الكشاف بحذف مضاف ، أي لا أحب عبادة الآفلين .
وجاء بـ الآفلين بصيغة جمع الذكور العقلاء المختص بالعقلاء بناء على اعتقاد قومه أن الكواكب عاقلة متصرفة في الأكوان ، ولا يكون الموجود معبودا إلا وهو عالم .
ووجه الاستدلال بالأفول على عدم استحقاق الإلهية أن الأفول مغيب وابتعاد عن الناس ، وشأن الإله أن يكون دائم المراقبة لتدبير عباده فلما أفل النجم كان في حالة أفوله محجوبا عن الاطلاع على الناس ، وقد بنى هذا الاستدلال على ما هو شائع عند القوم من كون أفول النجم مغيبا عن هذا العالم ، يعني أن ما يغيب لا يستحق أن يتخذ إلها
[ ص: 321 ] لأنه لا يغني عن عباده فيما يحتاجونه حين مغيبه . وليس الاستدلال منظورا فيه إلى التغير لأن قومه لم يكونوا يعلمون الملازمة بين التغير وانتفاء صفة الإلهية ، ولأن الأفول ليس بتغير في ذات الكوكب بل هو عرض للأبصار المشاهدة له ، أما الكوكب فهو باق في فلكه ونظامه يغيب ويعود إلى الظهور وقوم
إبراهيم يعلمون ذلك فلا يكون ذلك مقنعا لهم .
ولأجل هذا احتج بحالة الأفول دون حالة البزوغ فإن البزوغ وإن كان طرأ بعد أفول لكن الأفول السابق غير مشاهد لهم فكان الأفول أخصر في الاحتجاج من أن يقول إن هذا البازغ كان من قبل آفلا .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فلما رأى القمر بازغا إلخ عطف على جملة محذوفة دل عليها الكلام . والتقدير : فطلع القمر فلما رآه بازغا ، فحذفت الجملة للإيجاز وهو يقتضي أن القمر طلع بعد أفول الكوكب ، ولعله اختار لمحاجة قومه الوقت الذي يغرب فيه الكوكب ويطلع بقرب ذلك ، وأنه كان آخر الليل ليعقبهما طلوع الشمس . وأظهر اسم القمر لأنه حذف معاد الضمير .
والبازغ : الشارق في ابتداء شروقه ، والبزوغ ابتداء الشروق .
وقوله هذا ربي أفاد بتعريف الجزأين أنه أكثر ضوءا من الكوكب فإذا كان استحقاق الإلهية بسبب النور فالذي هو أشد نورا أولى بها من الأضعف . واسم الإشارة مستعمل في معناه الكنائي خاصة وهو كون المشار إليه مطلوبا مبحوثا عنه كما تقدم آنفا .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين قصد به تنبيه قومه للنظر في معرفة الرب الحق وأنه واحد ، وأن الكوكب والقمر كليهما لا يستحقان ذلك مع أنه عرض في كلامه بأن له ربا يهديه وهم لا ينكرون عليه ذلك لأنهم قائلون بعدة أرباب . وفي هذا تهيئة لنفوس قومه لما عزم عليه من التصريح بأن له ربا غير الكواكب . ثم عرض بقومه أنهم ضالون وهيأهم قبل المصارحة للعلم بأنهم ضالون ، لأن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لأكونن من القوم الضالين يدخل على
[ ص: 322 ] نفوسهم الشك في معتقدهم أن يكون ضلالا ، ولأجل هذا التعريض لم يقل : لأكونن ضالا ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لأكونن من القوم الضالين ليشير إلى أن في الناس قوما ضالين ، يعني قومه .
وإنما تريث إلى أفول القمر فاستدل به على انتفاء الهيئة ولم ينفها عنه بمجرد رؤيته بازغا مع أن أفوله محقق بحسب المعتاد لأنه أراد أن يقيم الاستدلال على أساس المشاهدة على ما هو المعروف في العقول لأن المشاهدة أقوى .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78فلما رأى الشمس بازغة أي في الصباح بعد أن أفل القمر ، وذلك في إحدى الليالي التي يغرب فيها القمر قبيل طلوع الشمس لأن الظاهر أن هذا الاستدلال كله وقع في مجلس واحد .
وقوله للشمس هذا ربي باسم إشارة المذكر مع أن الشمس تجري مجرى المؤنث ، لأنه اعتبرها ربا ، فروعي في الإشارة معنى الخبر ، فكأنه قال : هذا الجرم الذي تدعونه الشمس تبين أنه هو ربي .
وجملة " هذا أكبر " جارية مجرى العلة لجملة " هذا ربي " المقتضية نقض ربوبية الكوكب والقمر وحصر الربوبية في الشمس ونفيها عن الكوكب والقمر ، ولذلك حذف المفضل عليه لظهوره ، أي هو أكبر منهما ، يعني أن الأكبر الأكثر إضاءة أولى باستحقاق الإلهية .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78قال يا قوم إني بريء مما تشركون ، إقناع لهم بأن لا يحاولوا موافقته إياهم على ضلالهم لأنه لما انتفى استحقاق الإلهية عن أعظم الكواكب التي عبدوها فقد انتفى عما دونها بالأحرى .
والبريء فعيل بمعنى فاعل من برئ بكسر الراء لا غير يبرأ بفتح الراء لا غير بمعنى تفصى وتنزه ونفى المخالطة بينه وبين المجرور بـ ( من ) . ومنه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3أن الله بريء من المشركين و
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69فبرأه الله مما قالوا و
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53ما أبرئ نفسي . فمعنى قوله بريء هنا أنه لا صلة بينه وبين ما يشركون . والصلة في هذا المقام هي العبادة إن كان ما يشركون مرادا به الأصنام ، أو هي التلبس والاتباع إن كان ما يشركون بمعنى الشرك .
[ ص: 323 ] والأظهر أن ما في قوله ما تشركون موصولة وأن العائد محذوف لأجل الفاصلة ، أي ما تشركون به ، كما سيأتي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80ولا أخاف ما تشركون به لأن الغالب في فعل البراءة أن يتعلق بالذوات ، ولئلا يتكرر مع قوله بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وما أنا من المشركين . ويجوز أن تكون ما مصدرية ، أي من إشراككم ، أي لا أتقلده .
وتسميته عبادتهم الأصنام إشراكا لأن قومه كانوا يعترفون بالله ويشركون معه في الإلهية غيره كما كان إشراك العرب وهو ظاهر آي القرآن حيث ورد فيها الاحتجاج عليهم بخالق السماوات والأرض ، وهو المناسب لضرب المثل لمشركي العرب بشأن
إبراهيم وقومه ، ولقوله الآتي
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي بمنزلة بدل الاشتمال من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78إني بريء مما تشركون ، لأن
البراءة من الإشراك تشتمل على توجيه الوجه إلى الله ، وهو إفراده بالعبادة . والوجه في قوله وجهي حقيقة . ووجهت مشتق من الجهة والوجهة ، أي صرفته إلى جهة ، أي جعلت كذا جهة له يقصدها . يقال : وجهه فتوجه إلى كذا إذا ذهب إليه . ويقال للمكان المقصود وجهة بكسر الواو ، وكأنهم صاغوه على زنة الهيئة من الوجه لأن القاصد إلى مكان يقصده من نحو وجهه ، وفعلوه على زنة الفعلة بكسر الفاء لأن قاصد المكان بوجهه تحصل هيئة في وجهه وهي هيئة العزم وتحديق النظر . فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وجهت وجهي صرفته وأدرته . وهذا تمثيل : شبهت حالة إعراضه عن الأصنام وقصده إلى إفراد الله تعالى بالعبادة بمن استقبل بوجهه شيئا وقصده وانصرف عن غيره .
وأتي بالموصول في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79للذي فطر السماوات والأرض ليومئ إلى علة توجهه إلى عبادته ، لأن الكواكب من موجودات السماء ، والأصنام من موجودات الأرض فهي مفطورة لله تعالى .
وفعل وجه يتعدى إلى المكان المقصود بإلى ، وقد يتعدى باللام إذا أريد أنه انصرف لأجل ذلك الشيء ، فيحسن ذلك إذا كان الشيء المقصود مراعى إرضاؤه
[ ص: 324 ] وطاعته كما تقول : توجهت للحبيب ، ولذلك اختير تعديه هنا باللام ، لأن في هذا التوجه إرضاء وطاعة .
وفطر : خلق ، وأصل الفطر الشق . يقال فطر فطورا إذا شق قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3فارجع البصر هل ترى من فطور أي اختلال ، شبه الخلق بصناعة الجلد ونحوه ، فإن الصانع يشق الشيء قبل أن يصنعه ، وهذا كما يقال : الفتق والفلق ، فأطلق الفطر على إيجاد الشيء وإبداعه على هيئة تؤهل للفعل .
و " حنيفا " حال من ضمير المتكلم في وجهت . وتقدم بيان ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=135قل بل ملة إبراهيم حنيفا في سورة البقرة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وما أنا من المشركين عطف على الحال ، نفى عن نفسه أن يكون متصلا بالمشركين وفي عدادهم .
فلما تبرأ من أصنامهم تبرأ من القوم ، وقد جمعهما أيضا في سورة الممتحنة إذ قال
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله .
وأفادت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وما أنا من المشركين تأكيدا لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ، وإنما عطفت لأنها قصد منها التبرؤ من أن يكون من المشركين .
وهذا قد جرينا فيه على أن قول
إبراهيم لما رأى النيرات " هذا ربي " هو مناظرة لقومه واستدراج لهم ، وأنه كان موقنا بنفي إلهيتها ، وهو المناسب لصفة النبوءة أن يكون أوحي إليه ببطلان الإشراك وبالحجج التي احتج بها على قومه . ومن المفسرين من قال : إن كلامه ذلك كان نظرا واستدلالا في نفسه لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لئن لم يهدني ربي ، فإنه يشعر بأنه في ضلال لأنه طلب هداية بصيغة الاستقبال أي لأجل أداة الشرط ، وليس هذا بمتعين لأنه قد يقوله لتنبيه قومه إلى أن لهم ربا بيده الهداية ، كما بيناه في موضعه ، فيكون كلامه مستعملا في التعريض . على أنه قد يكون أيضا مرادا به الدوام على الهداية والزيادة فيها ، على أنه قد يكون أراد الهداية إلى إقامة الحجة حتى لا يتغلب عليه قومه .
[ ص: 325 ] فإذا بنينا على أن ذلك كان استدلالا في نفسه قبل الجزم بالتوحيد فإن ذلك كان بإلهام من الله تعالى ، فيكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض معناه نريه ما فيها من الدلائل على وجود الصانع ووحدانيته قبل أن نوحي إليه ويكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رأى كوكبا بمعنى نظر في السماء فرأى هذا الكوكب ولم يكن نظر في ذلك من قبل ، ويكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قال هذا ربي قولا في نفسه على نحو ما يتحدث به المفكر في نفسه ، وهو حديث النفس ، كقول
النابغة في كلب صيد :
قالت له النفس إني لا أرى طمعا وأن مولاك لم يسلم ولـم يصـد
وقول
العجاج في ثور وحشي :
ثم انثنى وقال في التفكـير إن الحياة اليوم في الكرور
وقوله هذا ربي وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لا أحب الآفلين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لئن لم يهدني ربي كل ذلك مستعمل في حقائقه من الاعتقاد الحقيقي . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78قال يا قوم هو ابتداء خطابه لقومه بعد أن ظهر الحق له فأعلن بمخالفته قومه حينئذ .
[ ص: 317 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رَأَى كَوْكَبًا فَإِنَّ الْكَوْكَبَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ ، وَقَوْلِهِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ الْخَاصَّةُ الَّتِي اهْتَدَى بِهَا إِلَى طَرِيقٍ عَجِيبٍ فِي إِبْكَاتٍ لِقَوْمِهِ مُلْجِئٌ إِيَّاهُمْ لِلِاعْتِرَافِ بِفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ ، هِيَ فَرْعٌ مِنْ تِلْكَ الْإِرَاءَةِ الَّتِي عَمَّتْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ يَسْتَدْعِي مَزِيدَ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِمَا فِي مَعْنَى الْفَاءِ مِنَ التَّفْرِيعِ وَالتَّسَبُّبِ ، وَلِذَلِكَ نَعُدُّ جَعْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ عَطْفًا عَلَى قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ ، وَجَعْلَهُ مَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا ، غَيْرَ رَشِيقٍ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أَيْ أَظْلَمَ اللَّيْلُ إِظْلَامًا عَلَى
إِبْرَاهِيمَ ، أَيْ كَانَ
إِبْرَاهِيمُ مَحُوطًا بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ تَحْتَ السَّمَاءِ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتٍ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أَنَّهُ كَانَ سَائِرًا مَعَ فَرِيقٍ مِنْ قَوْمِهِ يُشَاهِدُونَ الْكَوَاكِبَ ، وَقَدْ كَانَ قَوْمُ
إِبْرَاهِيمَ صَابِئِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَيُصَوِّرُونَ لَهَا أَصْنَامًا . وَتِلْكَ دِيَانَةُ
الْكِلْدَانِيِّينَ قَوْمِ
إِبْرَاهِيمَ .
[ ص: 318 ] يُقَالُ : جَنَّهُ اللَّيْلُ ، أَيْ أَخْفَاهُ ، وَجَنَانُ اللَّيْلِ بِفَتْحِ الْجِيمِ ، وَجَنَّهُ : سَتْرُهُ الْأَشْيَاءَ الْمَرْئِيَّةَ بِظَلَامِهِ الشَّدِيدِ . يُقَالُ : جِنَّهُ اللَّيْلُ ، وَهُوَ الْأَصْلُ . وَيُقَالُ : جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ، وَهَذَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي السَّتْرِ بِالظُّلْمَةِ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا غِطَاءٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ فِي كَلَامِهِمْ جَنَّ اللَّيْلُ قَاصِرًا بِمَعْنَى أَظْلَمَ .
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رَأَى كَوْكَبًا أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ رُؤْيَةُ الْكَوَاكِبِ عَرَضًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلتَّأَمُّلِ وَإِلَّا فَإِنَّ الْأُفُقَ فِي اللَّيْلِ مَمْلُوءٌ كَوَاكِبَ ، وَأَنَّ الْكَوْكَبَ كَانَ حِينَ رَآهُ وَاضِحًا فِي السَّمَاءِ مُشْرِقًا بِنُورِهِ ، وَذَلِكَ أَنْوَرُ مَا يَكُونُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ . فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَأَى كَوْكَبًا مِنْ بَيْنِهَا شَدِيدَ الضَّوْءِ . فَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ الْكَوْكَبَ هُوَ الزُّهَرَةُ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّهُ الْمُشْتَرِي . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَظَرَ الْكَوَاكِبَ فَرَأَى كَوْكَبًا فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ مِثْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ، أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ . وَجُمْلَةُ رَأَى كَوْكَبًا جَوَابُ لَمَّا . وَالْكَوْكَبُ : النَّجْمُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قَالَ هَذَا رَبِّي مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا لِسُؤَالٍ يَنْشَأُ عَنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رَأَى كَوْكَبًا وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ : فَمَاذَا كَانَ عِنْدَمَا رَآهُ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قَالَ هَذَا رَبِّي جَوَابًا لِذَلِكَ .
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ هُنَا لِقَصْدِ تَمْيِيزِ الْكَوْكَبِ مِنْ بَيْنِ الْكَوَاكِبِ وَلَكِنَّ إِجْرَاءَهُ عَلَى نَظِيرَيْهِ فِي قَوْلِهِ حِينَ رَأَى الْقَمَرَ وَحِينَ رَأَى الشَّمْسَ هَذَا رَبِّي ، هَذَا رَبِّي يُعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ هُوَ الْكِنَايَةُ بِالْإِشَارَةِ عَنْ كَوْنِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَمْرًا مَطْلُوبًا مَبْحُوثًا عَنْهُ فَإِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ أُشِيرَ إِلَيْهِ ، وَذَلِكَ كَالْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=32قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَمْ يُقَلْ فَهُوَ الَّذِي لُمْتُنَّنِي . وَلَعَلَّ مِنْهُ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=65هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا إِذْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=65بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا . وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13669الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ ، لِأَنَّ
عَلِيًّا وَشَأْنُهُ هُوَ الْجَارِي فِي خَوَاطِرِ النَّاسِ أَيَّامَ صِفِّينَ ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ يَعْنِي كُفَّارَ
قُرَيْشٍ ، وَفِي حَدِيثِ سُؤَالِ الْقَبْرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341730فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ [ ص: 319 ] بِهَذَا الرَّجُلِ ( يَعْنِي الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، وَهَذَا مِنَ الْأَغْرَاضِ الدَّاعِيَةِ لِلتَّعْرِيفِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الَّتِي أَهْمَلَهَا عُلَمَاءُ الْبَلَاغَةِ فَيَصِحُّ هُنَا أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَيَيْهِ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ .
وَتَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ مُفِيدٌ لِلْقَصْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : هَذَا رَبٌّ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَ قَوْمِهِ فَابْتَدَأَ بِإِظْهَارِ أَنَّهُ لَا يَرَى تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ لِيَصِلَ بِهِمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَاسْتَبْقَى وَاحِدًا مِنْ مَعْبُودَاتِهِمْ فَفَرَضَ اسْتِحْقَاقَهُ الْإِلَهِيَّةَ كَيْلَا يَنْفِرُوا مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى اسْتِدْلَالِهِ .
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ قَالَ إِنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ غَيْرَهُ ، لِأَنَّ الْقَوْلَ حَقِيقَتُهُ الْكَلَامُ ، وَإِنَّمَا يُسَاقُ الْكَلَامُ إِلَى مُخَاطَبٍ .
وَلِذَلِكَ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْقَوْلِ هِيَ ظَاهِرُ الْآيَةِ مِنْ لَفْظِهَا وَمِنْ تَرْتِيبِ نَظْمِهَا إِذْ رَتَّبَ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76فَلَمَّا جَنَّ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ وَرَتَّبَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً الْآيَةَ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قَالَ هَذَا رَبِّي وَإِنَّمَا يَقُولُهُ لِمُخَاطَبٍ ، وَلِقَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، وَلِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى إِبْطَالِ كَوْنِ الْكَوَاكِبِ آلِهَةً وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِمَّا يُشْرِكُونَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ الْكَوَاكِبِ بُطْلَانُ إِلَهِيَّةِ أَجْرَامٍ أُخْرَى لَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُدَّعَى قَوْمِهِ ; فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَادَلَةِ لِقَوْمِهِ وَإِرْخَاءِ الْعِنَانِ لَهُمْ لِيَصِلُوا إِلَى تَلَقِّي الْحُجَّةِ وَلَا يَنْفِرُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ جَمْعًا مِنْ قَوْمِهِ وَأَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76هَذَا رَبِّي أَيْ خَالِقِي وَمُدَبِّرِي فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ عِبَادَتِي . قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ جَرْيًا عَلَى مُعْتَقَدِ قَوْمِهِ لِيَصِلَ بِهِمْ إِلَى نَقْضِ اعْتِقَادِهِمْ فَأَظْهَرَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمْ لِيَهَشُّوا إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَكِرُّ عَلَيْهِمْ بِالْإِبْطَالِ إِظْهَارًا لِلْإِنْصَافِ وَطَلَبِ الْحَقِّ . وَلَا يَرِيبُكَ فِي هَذَا أَنَّ صُدُورَ مَا ظَاهِرُهُ كُفْرٌ عَلَى لِسَانِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ ذَلِكَ طَرِيقٌ إِلَى إِرْشَادِ قَوْمِهِ وَإِنْقَاذِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ ، وَاجْتَهَدَ فَرَآهُ أَرْجَى لِلْقَبُولِ عِنْدَهُمْ سَاغَ لَهُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِقَصْدِ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُهُ ، وَلَا يَزِيدُ قَوْلُهُ هَذَا قَوْمَهُ كُفْرًا ، كَالَّذِي يُكْرَهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ
[ ص: 320 ] كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ ذَلِكَ لِحِفْظِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْقَاذِهَا مِنَ الْهَلَاكِ كَانَ جَوَازُهُ لِإِنْقَاذِ فَرِيقٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْلَى . وَقَدْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ .
وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ قَوْمَهُ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَأَنَّهُمْ عَلَى دِينِ الصَّابِئَةِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الدِّينُ شَائِعًا فِي بُلْدَانِ الْكِلْدَانِ الَّتِي نَشَأَ فِيهَا
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا أَرَادُوا بِهَا أَنَّهَا صُوَرٌ لِلْكَوَاكِبِ وَتَمَاثِيلُ لَهَا عَلَى حَسَبِ تَخَيُّلَاتِهِمْ وَأَسَاطِيرِهِمْ مِثْلَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْيُونَانُ الْقُدَمَاءُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْكَوَاكِبَ وَعَبَدُوا صُوَرًا أُخْرَى عَلَى أَنَّهَا دُونَ الْكَوَاكِبِ كَمَا كَانَ الْيُونَانُ يُقَسِّمُونَ الْمَعْبُودَاتِ إِلَى آلِهَةٍ وَأَنْصَافِ آلِهَةٍ . عَلَى أَنَّ الصَّابِئَةَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ رُوحَانِيَّاتٌ تَخْدِمُهَا .
وَأَفَلَ النَّجْمُ أُفُولًا : غَابَ ، وَالْأُفُولُ خَاصٌّ بِغِيَابِ النَّيِّرَاتِ السَّمَاوِيَّةِ ، يُقَالُ : أَفَلَ النَّجْمُ وَأَفَلَتِ الشَّمْسُ ، وَهُوَ الْمَغِيبُ الَّذِي يَكُونُ بِغُرُوبِ الْكَوْكَبِ وَرَاءَ الْأُفُقِ بِسَبَبِ الدَّوْرَةِ الْيَوْمِيَّةِ لِلْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ ، فَلَا يُقَالُ : أَفَلَتِ الشَّمْسُ أَوْ أَفَلَ النَّجْمُ إِذَا احْتَجَبَ بِسَحَابٍ .
وَقَوْلُهُ " لَا أُحِبُّ " الْحُبُّ فِيهِ بِمَعْنَى الرِّضَى وَالْإِرَادَةِ ، أَيْ لَا أَرْضَى بِالْآفِلِ إِلَهًا ، أَوْ لَا أُرِيدُ الْآفِلَ إِلَهًا . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَحَبَّةِ هُوَ إِرَادَتُهُ إِلَهًا لَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا رَبِّي . وَإِطْلَاقُ الْمُحِبَّةِ عَلَى الْإِرَادَةِ شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا . وَقَدَّرَهُ فِي الْكَشَّافِ بِحَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ لَا أُحِبُّ عِبَادَةَ الْآفِلِينَ .
وَجَاءَ بِـ الْآفِلِينَ بِصِيغَةِ جَمْعِ الذُّكُورِ الْعُقَلَاءِ الْمُخْتَصِّ بِالْعُقَلَاءِ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ قَوْمِهِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ عَاقِلَةٌ مُتَصَرِّفَةٌ فِي الْأَكْوَانِ ، وَلَا يَكُونُ الْمَوْجُودُ مَعْبُودًا إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ .
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأُفُولِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّ الْأُفُولَ مَغِيبٌ وَابْتِعَادٌ عَنِ النَّاسِ ، وَشَأْنُ الْإِلَهِ أَنْ يَكُونَ دَائِمَ الْمُرَاقَبَةِ لِتَدْبِيرِ عِبَادِهِ فَلَمَّا أَفَلَ النَّجْمُ كَانَ فِي حَالَةِ أُفُولِهِ مَحْجُوبًا عَنِ الِاطِّلَاعِ عَلَى النَّاسِ ، وَقَدْ بَنَى هَذَا الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا هُوَ شَائِعٌ عِنْدَ الْقَوْمِ مِنْ كَوْنِ أُفُولِ النَّجْمِ مَغِيبًا عَنْ هَذَا الْعَالَمِ ، يَعْنِي أَنَّ مَا يَغِيبُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتَّخَذَ إِلَهًا
[ ص: 321 ] لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْ عِبَادِهِ فِيمَا يَحْتَاجُونَهُ حِينَ مَغِيبِهِ . وَلَيْسَ الِاسْتِدْلَالُ مَنْظُورًا فِيهِ إِلَى التَّغَيُّرِ لِأَنَّ قَوْمَهُ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ التَّغَيُّرِ وَانْتِفَاءِ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَلِأَنَّ الْأُفُولَ لَيْسَ بِتَغَيُّرٍ فِي ذَاتِ الْكَوْكَبِ بَلْ هُوَ عَرَضٌ لِلْأَبْصَارِ الْمُشَاهِدَةِ لَهُ ، أَمَّا الْكَوْكَبُ فَهُوَ بَاقٍ فِي فَلَكِهِ وَنِظَامِهِ يَغِيبُ وَيَعُودُ إِلَى الظُّهُورِ وَقَوْمُ
إِبْرَاهِيمَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُقْنِعًا لَهُمْ .
وَلِأَجْلِ هَذَا احْتَجَّ بِحَالَةِ الْأُفُولِ دُونَ حَالَةِ الْبُزُوغِ فَإِنَّ الْبُزُوغَ وَإِنْ كَانَ طَرَأَ بَعْدَ أُفُولٍ لَكِنَّ الْأُفُولَ السَّابِقَ غَيْرُ مُشَاهَدٍ لَهُمْ فَكَانَ الْأُفُولُ أَخْصَرَ فِي الِاحْتِجَاجِ مِنْ أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا الْبَازِغَ كَانَ مِنْ قَبْلُ آفِلًا .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا إلخ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا الْكَلَامُ . وَالتَّقْدِيرُ : فَطَلَعَ الْقَمَرُ فَلَمَّا رَآهُ بَازِغًا ، فَحُذِفَتِ الْجُمْلَةُ لِلْإِيجَازِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَمَرَ طَلَعَ بَعْدَ أُفُولِ الْكَوْكَبِ ، وَلَعَلَّهُ اخْتَارَ لِمُحَاجَّةِ قَوْمِهِ الْوَقْتَ الَّذِي يُغْرِبُ فِيهِ الْكَوْكَبُ وَيَطْلُعُ بِقُرْبِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ كَانَ آخِرَ اللَّيْلِ لِيَعْقُبَهُمَا طُلُوعُ الشَّمْسِ . وَأَظْهَرَ اسْمَ الْقَمَرَ لِأَنَّهُ حَذَفَ مُعَادَ الضَّمِيرِ .
وَالْبَازِغُ : الشَّارِقُ فِي ابْتِدَاءِ شُرُوقِهِ ، وَالْبُزُوغُ ابْتِدَاءُ الشُّرُوقِ .
وَقَوْلُهُ هَذَا رَبِّي أَفَادَ بِتَعْرِيفِ الْجُزْأَيْنِ أَنَّهُ أَكْثَرُ ضَوْءًا مِنَ الْكَوْكَبِ فَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْإِلَهِيَّةِ بِسَبَبِ النُّورِ فَالَّذِي هُوَ أَشَدُّ نُورًا أَوْلَى بِهَا مِنَ الْأَضْعَفِ . وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ خَاصَّةً وَهُوَ كَوْنُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ مَطْلُوبًا مَبْحُوثًا عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ قَصَدَ بِهِ تَنْبِيهَ قَوْمِهِ لِلنَّظَرِ فِي مَعْرِفَةِ الرَّبِّ الْحَقِّ وَأَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَأَنَّ الْكَوْكَبَ وَالْقَمَرَ كِلَيْهِمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عَرَّضَ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّ لَهُ رَبًّا يَهْدِيهِ وَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِعِدَّةِ أَرْبَابٍ . وَفِي هَذَا تَهْيِئَةٌ لِنُفُوسِ قَوْمِهِ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرَ الْكَوَاكِبِ . ثُمَّ عَرَّضَ بِقَوْمِهِ أَنَّهُمْ ضَالُّونَ وَهَيَّأَهُمْ قَبْلَ الْمُصَارَحَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ ضَالُّونَ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ يُدْخِلُ عَلَى
[ ص: 322 ] نُفُوسِهِمُ الشَّكَّ فِي مُعْتَقَدِهِمْ أَنْ يَكُونَ ضَلَالًا ، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّعْرِيضِ لَمْ يَقُلْ : لَأَكُونَنَّ ضَالًّا ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ لِيُشِيرَ إِلَى أَنَّ فِي النَّاسِ قَوْمًا ضَالِّينَ ، يَعْنِي قَوْمَهُ .
وَإِنَّمَا تَرَيَّثَ إِلَى أُفُولِ الْقَمَرِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى انْتِفَاءِ الْهَيْئَةِ وَلَمْ يَنْفِهَا عَنْهُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ بَازِغًا مَعَ أَنَّ أُفُولَهُ مُحَقَّقٌ بِحَسْبِ الْمُعْتَادِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَسَاسِ الْمُشَاهَدَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْعُقُولِ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَقْوَى .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً أَيْ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ أَنْ أَفَلَ الْقَمَرُ ، وَذَلِكَ فِي إِحْدَى اللَّيَالِي الَّتِي يَغْرُبُ فِيهَا الْقَمَرُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ كُلَّهُ وَقَعَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ .
وَقَوْلُهُ لِلشَّمْسِ هَذَا رَبِّي بَاسِمِ إِشَارَةِ الْمُذَكَّرِ مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُؤَنَّثِ ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهَا رَبًّا ، فَرُوعِيَ فِي الْإِشَارَةِ مَعْنَى الْخَبَرِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا الْجِرْمُ الَّذِي تَدْعُونَهُ الشَّمْسَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ رَبِّي .
وَجُمْلَةُ " هَذَا أَكْبَرُ " جَارِيَةٌ مَجْرَى الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ " هَذَا رَبِّي " الْمُقْتَضِيَةِ نَقْضَ رُبُوبِيَّةِ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَحَصْرَ الرُّبُوبِيَّةِ فِي الشَّمْسِ وَنَفْيَهَا عَنِ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ ، أَيْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا ، يَعْنِي أَنَّ الْأَكْبَرَ الْأَكْثَرَ إِضَاءَةً أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ الْإِلَهِيَّةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، إِقْنَاعٌ لَهُمْ بِأَنْ لَا يُحَاوِلُوا مُوَافَقَتَهُ إِيَّاهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى اسْتِحْقَاقُ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ أَعْظَمِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي عَبَدُوهَا فَقَدِ انْتَفَى عَمَّا دُونَهَا بِالْأَحْرَى .
وَالْبَرِيءُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ بَرِئَ بِكَسْرِ الرَّاءِ لَا غَيْرَ يَبْرَأُ بِفَتْحِ الرَّاءِ لَا غَيْرَ بِمَعْنَى تَفَصَّى وَتَنَزَّهَ وَنَفَى الْمُخَالَطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ بِـ ( مِنْ ) . وَمِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=3أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=69فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53مَا أُبَرِّئُ نَفْسِي . فَمَعْنَى قَوْلِهِ بَرِيءٌ هُنَا أَنَّهُ لَا صِلَةَ بَيْنِهِ وَبَيْنَ مَا يُشْرِكُونَ . وَالصِّلَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هِيَ الْعِبَادَةُ إِنْ كَانَ مَا يُشْرِكُونَ مُرَادًا بِهِ الْأَصْنَامُ ، أَوْ هِيَ التَّلَبُّسُ وَالِاتِّبَاعُ إِنْ كَانَ مَا يُشْرِكُونَ بِمَعْنَى الشِّرْكِ .
[ ص: 323 ] وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ مَا تُشْرِكُونَ مَوْصُولَةٌ وَأَنَّ الْعَائِدَ مَحْذُوفٌ لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ ، أَيْ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي فِعْلِ الْبَرَاءَةِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذَّوَاتِ ، وَلِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً ، أَيْ مِنْ إِشْرَاكِكُمْ ، أَيْ لَا أَتَقَلَّدُهُ .
وَتَسْمِيَتُهُ عِبَادَتَهُمُ الْأَصْنَامَ إِشْرَاكًا لِأَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِاللَّهِ وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ كَمَا كَانَ إِشْرَاكُ الْعَرَبِ وَهُوَ ظَاهِرُ آيِ الْقُرْآنِ حَيْثُ وَرَدَ فِيهَا الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِمْ بِخَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِضَرْبِ الْمَثَلِ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ بِشَأْنِ
إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ ، وَلِقَوْلِهِ الْآتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، لِأَنَّ
الْبَرَاءَةَ مِنَ الْإِشْرَاكِ تَشْتَمِلُ عَلَى تَوْجِيهِ الْوَجْهِ إِلَى اللَّهِ ، وَهُوَ إِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ . وَالْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ وَجْهِي حَقِيقَةٌ . وَوَجَّهْتُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجِهَةِ وَالْوِجْهَةِ ، أَيْ صَرَفْتُهُ إِلَى جِهَةٍ ، أَيْ جَعَلْتُ كَذَا جِهَةً لَهُ يَقْصِدُهَا . يُقَالُ : وَجَّهَهُ فَتَوَجَّهَ إِلَى كَذَا إِذَا ذَهَبَ إِلَيْهِ . وَيُقَالُ لِلْمَكَانِ الْمَقْصُودِ وِجْهَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ ، وَكَأَنَّهُمْ صَاغُوهُ عَلَى زِنَةِ الْهَيْئَةِ مِنَ الْوَجْهِ لِأَنَّ الْقَاصِدَ إِلَى مَكَانٍ يَقْصِدُهُ مِنْ نَحْوِ وَجْهِهِ ، وَفَعَلُوهُ عَلَى زِنَةِ الْفِعْلَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ لِأَنَّ قَاصِدَ الْمَكَانِ بِوَجْهِهِ تَحْصُلُ هَيْئَةٌ فِي وَجْهِهِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْعَزْمِ وَتَحْدِيقِ النَّظَرِ . فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وَجَّهْتُ وَجْهِيَ صَرَفْتُهُ وَأَدَرْتُهُ . وَهَذَا تَمْثِيلٌ : شُبِّهَتْ حَالَةُ إِعْرَاضِهِ عَنِ الْأَصْنَامِ وَقَصْدِهِ إِلَى إِفْرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ بِمَنِ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ شَيْئًا وَقَصَدَهُ وَانْصَرَفَ عَنْ غَيْرِهِ .
وَأُتِيَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِيُومِئَ إِلَى عِلَّةِ تَوَجُّهِهِ إِلَى عِبَادَتِهِ ، لِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مِنْ مَوْجُودَاتِ السَّمَاءِ ، وَالْأَصْنَامَ مِنْ مَوْجُودَاتِ الْأَرْضِ فَهِيَ مَفْطُورَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَفِعْلُ وَجَّهَ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ بِإِلَى ، وَقَدْ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ إِذَا أُرِيدَ أَنَّهُ انْصَرَفَ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، فَيَحْسُنُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَقْصُودُ مُرَاعًى إِرْضَاؤُهُ
[ ص: 324 ] وَطَاعَتُهُ كَمَا تَقُولُ : تَوَجَّهْتُ لِلْحَبِيبِ ، وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ تَعَدِّيهِ هُنَا بِاللَّامِ ، لِأَنَّ فِي هَذَا التَّوَجُّهِ إِرْضَاءً وَطَاعَةً .
وَفَطَرَ : خَلَقَ ، وَأَصْلُ الْفَطْرِ الشَّقُّ . يُقَالُ فُطِرَ فُطُورًا إِذَا شُقَّ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ أَيِ اخْتِلَالٍ ، شَبَّهَ الْخَلْقَ بِصِنَاعَةِ الْجِلْدِ وَنَحْوِهِ ، فَإِنَّ الصَّانِعَ يَشُقُّ الشَّيْءَ قَبْلَ أَنْ يَصْنَعَهُ ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ : الْفَتْقُ وَالْفَلْقُ ، فَأُطْلِقَ الْفَطْرُ عَلَى إِيجَادِ الشَّيْءِ وَإِبْدَاعِهِ عَلَى هَيْئَةٍ تُؤَهِّلُ لِلْفِعْلِ .
وَ " حَنِيفًا " حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فِي وَجَّهْتُ . وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=135قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَطْفٌ عَلَى الْحَالِ ، نَفَى عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْمُشْرِكِينَ وَفِي عِدَادِهِمْ .
فَلَمَّا تَبَرَّأَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ تَبَرَأَ مِنَ الْقَوْمِ ، وَقَدْ جَمَعَهُمَا أَيْضًا فِي سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ إِذْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وَأَفَادَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَأْكِيدًا لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ، وَإِنَّمَا عُطِفَتْ لِأَنَّهَا قُصِدَ مِنْهَا التَّبَرُّؤُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
وَهَذَا قَدْ جَرَيْنَا فِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ
إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رَأَى النَّيِّرَاتِ " هَذَا رَبِّي " هُوَ مُنَاظَرَةٌ لِقَوْمِهِ وَاسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ ، وَأَنَّهُ كَانَ مُوقِنًا بِنَفْيِ إِلَهِيَّتِهَا ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِصِفَةِ النُّبُوءَةِ أَنْ يَكُونَ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِبُطْلَانِ الْإِشْرَاكِ وَبِالْحُجَجِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَى قَوْمِهِ . وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَالَ : إِنَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ كَانَ نَظَرًا وَاسْتِدْلَالًا فِي نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ فِي ضَلَالٍ لِأَنَّهُ طَلَبُ هِدَايَةٍ بِصِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ أَيْ لِأَجْلِ أَدَاةِ الشَّرْطِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُتَعَيِّنٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُهُ لِتَنْبِيهِ قَوْمِهِ إِلَى أَنَّ لَهُمْ رَبًّا بِيَدِهِ الْهِدَايَةُ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ ، فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْرِيضِ . عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَيْضًا مُرَادًا بِهِ الدَّوَامُ عَلَى الْهِدَايَةِ وَالزِّيَادَةِ فِيهَا ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَرَادَ الْهِدَايَةَ إِلَى إِقَامَةِ الْحُجَّةِ حَتَّى لَا يَتَغَلَّبَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ .
[ ص: 325 ] فَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِدْلَالًا فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْجَزْمِ بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَعْنَاهُ نُرِيهِ مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ قَبْلَ أَنْ نُوحِيَ إِلَيْهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76رَأَى كَوْكَبًا بِمَعْنَى نَظَرَ فِي السَّمَاءِ فَرَأَى هَذَا الْكَوْكَبَ وَلَمْ يَكُنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76قَالَ هَذَا رَبِّي قَوْلًا فِي نَفْسِهِ عَلَى نَحْوِ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ الْمُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ ، وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ ، كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ فِي كَلْبِ صَيْدٍ :
قَالَتْ لَهُ النَّفْسُ إِنِّي لَا أَرَى طَمَعًا وَأَنَّ مَوْلَاكَ لَمْ يَسْلَمْ وَلَـمْ يَصِـدِ
وَقَوْلِ
الْعَجَّاجِ فِي ثَوْرٍ وَحْشِيٍّ :
ثُمَّ انْثَنَى وَقَالَ فِي التَّفْكِـيرِ إِنَّ الْحَيَاةَ الْيَوْمَ فِي الْكُرُورِ
وَقَوْلِهِ هَذَا رَبِّي وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقَائِقِهِ مِنَ الِاعْتِقَادِ الْحَقِيقِيِّ . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=78قَالَ يَا قَوْمِ هُوَ ابْتِدَاءُ خِطَابِهِ لِقَوْمِهِ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ الْحَقُّ لَهُ فَأَعْلَنَ بِمُخَالَفَتِهِ قَوْمَهُ حِينَئِذٍ .