الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم قال جل ثناؤه : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )

                          قال المفسر ( الجلال ) : إنهم كانوا يكتبون الأحكام على خلاف ما هي عليه في الكتاب ، كآية الرجم ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم .

                          [ ص: 299 ] وقال الأستاذ الإمام : لو كان هذا هو المراد من هذه الآية لما بدئ الكلام بالفاء ، وإنما الآية وعيد على أن لبسوا على الناس بالكتابة ، وتأليف الكتب الدينية وإيهام العامة أن كل ما كتبوه فيها مأخوذ من كتاب الله كما يعتقد المقلدون من كل ملة بكتب الدين التي يؤلفها علماؤهم في الأصول والفروع ، حتى إن بعضهم يقول : إن اختلافها لا ينافي كونها من عند الله ، خلافا لقوله - تعالى - : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ( 4 : 82 ) ، فهذه الكتب هي مثار الأماني والغرور ؛ ولذلك أنزل على أصحابها الهلاك بعد ما ذكر أصناف اليهود من منافقين ومحرفين وأميين فقال : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) .

                          أقول : أي ويل وهلاك عظيم لأولئك العلماء الذين يكتبون الكتب بأيديهم ويودعونها آراءهم ويحملون الناس على التعبد بها قائلين :إن ما فيها من عند الله ويمكن الاستغناء بها عن الكتاب الذي نفهم منه ما لا يفهم غيرنا ، يخطبون بتلك الكتب ميل العامة وودهم ، ويبتغون الجاه عندهم ويأكلون أموالهم بالدين ؛ ولذلك قال : ( ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، وكل ما يباع به الحق ويترك لأجله فهو قليل ؛ لأن الحق أثمن الأشياء وأغلاها ، وأرفعها وأعلاها ؛ ولذلك كرر الوعيد فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، فالهلاك والويل محيط بهم من أقطارهم ، ونازل بهم من جانب الوسيلة ومن جانب المقصد .

                          قال الأستاذ الإمام : من شاء أن يرى نسخة مما كان عليه أولئك اليهود ، فلينظر فيما بين يديه ، فإنه يراها واضحة جلية ، يرى كتبا ألفت في عقائد الدين وأحكامه حرفوا فيها مقاصده وحولوها إلى ما يغر الناس ويمنيهم ويفسد عليهم دينهم ، ويقولون : هي من عند الله وما هي من عند الله ، وإنما هي صادة عن النظر في كتاب الله والاهتداء به ، ولا يعمل هذا إلا أحد رجلين : رجل مارق من الدين يتعمد إفساده ويتوخى إضلال أهله ، فيلبس لباس الدين ويظهر بمظهر أهل الصلاح ، يخادع بذلك الناس ليقبلوا ما يكتب ويقول ، ورجل يتحرى التأويل ويستنبط الحيل ليسهل على الناس مخالفة الشريعة ابتغاء المال والجاه .

                          ثم ذكر الأستاذ وقائع ، طابق فيها بين ما كان عليه اليهود من قبل ، وما عليه المسلمون الآن ، ذكر وقائع للقضاة والمأذونين ، وللعلماء والواعظين ، فسقوا فيها عن أمر ربهم ، فمنهم من يتأول ويغتر بأنه يقصد نفع أمته ، كما كان أحبار اليهود يفتون بأكل الربا أضعافا مضاعفة ليستغني شعب إسرائيل ، ومنهم من يفعل ما يفعل عامدا عالما أنه مبطل ، ولكن تغره أماني الشفاعات والمكفرات .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية