الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإمامة من يكره )

                                                                                                                            ش : قال في أول رسم من سماع أشهب ما نصه : وسئل عن الرجل يتقدم قوما في الصلاة فيقول لهم قبل أن يتقدمهم : أتأذنون ، فقال : لا أرى بذلك بأسا ، فقيل له : وذلك أحب إليك أن يستأذنهم ، فقال : إن خاف أن يكون منهم من يكرهه أن يؤمهم فليستأذنهم ربما تقدم الحر بقوم ومنهم من يكره ذلك ، قال ابن رشد : قوله لا أرى بذلك بأسا يدل على أنه خفف ذلك فكأنه رأى تركه الاستئذان أحسن إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه وفي ذلك نظر ، إذ قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يحل لرجل أن يؤم قوما إلا بإذنهم } ، ووجه ما ذهب إليه مالك - والله أعلم - أن الرجل إذا كان مع قوم فحضرت الصلاة وهو أحق بالإمامة وعلم أنهم مقرون له بالتقدم والفضل وأن سكوتهم على تقدمه بهم إذن منهم له في ذلك فاستحسن أن لا يفسخ باستئذانهم في ذلك لما فيه من إفصاحهم بتقديمه وتفضيله فيصير متعرضا لثنائهم عليه إلا أن يخاف أن يكون منهم من يكرهه فلا يكتفي بسكوتهم حتى يصرحوا له بالإذن في ذلك ، وأما من قد حصل إماما في مسجد أو في موضع بتقديم أهله إياه فطرأت جماعة فخشي أن يكون فيها من يكره إمامته فليس عليه أن يستأذنهم ; لأن أهل ذلك الموضع أو المسجد أحق بالتقدم منهم ، وإن علم أن جماعته أو أكثرها أو ذا النهى والفضل منها كارهون لإمامته وجب عليه أن يتأخر عن الإمامة بهم لما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { خمسة لا تجاوز صلاتهم آذانهم } فذكر فيهم الذي يؤم قوما وهم له كارهون ، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لأن أقرب فتضرب عنقي إلى أن تتغير نفسي أحب إلي من أن أؤم قوما وهم لي كارهون ، وأما إن لم يكره إمامته من جماعته إلا النفر اليسير فيستحب له أن يتأخر عن التقدم بهم من غير إيجاب ، وبالله التوفيق انتهى .

                                                                                                                            ، وقال في المدخل إذا خاف أن في الجماعة من يكره إمامته فتركها إذ ذاك أفضل له وهذا بشرط أن تكون الكراهة على موجب شرعي حذر أن تكون كراهة إمامته لحظ دنيوي أو نفساني أو ما أشبه ذلك فإن كانت الكراهة شرعية فلا يتقدم لما ورد في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن ثلاثا رجلا أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجلا سمع حي على الفلاح فلم يجب } [ ص: 105 ] انتهى .

                                                                                                                            ، وقال البرزلي لما تكلم في مسائل الأقضية على المعروف عندهم قديما وحديثا : منع إمامة قاضي الجماعة بها والأنكحة إمامة الجامع الأعظم ، وإن بعضهم علل ذلك بأن القاضي مظنة لعدم طيب نفس المحكوم عليه فيؤدي إلى إمامة الإمام لمن هو له كاره ، قال البرزلي قلت : إن كانت كراهتهم لأجل الحكم عليهم بالحق فلا عبرة به بل هذا يوجب كمال العدالة وكونه أحق من أم وعن أبي عمران إذا كره الجماعة إمامهم لأجل الدنيا فلا عبرة بذلك ولا يوجب عزلا انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية