الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 482 ] ( و ) يسن ( لكل ) من المؤذن ، والمقيم وسامعهما ( أن يصلي ) ويسلم ( على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه ) من الأذان ، أو الإقامة للأمر بالصلاة عقب الأذان في خبر مسلم وقيس بذلك غيره ( ثم ) يسن له أن يقول عقبهما ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ) هي الأذان سمي بذلك لكماله وسلامته من تطرق نقص إليه ولاشتماله على جميع شرائع الإسلام وقواعده مقاصدها بالنص وغيرها بالإشارة ( والصلاة القائمة ) أي التي ستقوم ( آت محمدا الوسيلة ) هي أعلى درجة في الجنة لا تكون إلا له صلى الله عليه وسلم وحكمة طلبها له مع تحقق وقوعها له بالوعد الصادق إظهار الافتقار ، والتواضع مع عود عائدة جليلة للسائل أشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم ، { ثم سلوا الله لي الوسيلة فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي } أي وجبت كما في رواية { يوم القيامة } أي بالوعد الصادق ، وأما في الحقيقة فلا يجب لأحد على الله شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ( والفضيلة ) عطف تفسير ، أو أعم وحذف من أصله وغيره ، ( والدرجة الرفيعة ) وختمه بيا أرحم الراحمين ؛ لأنه لا أصل لهما ( وابعثه مقاما محمودا )

                                                                                                                              وفي رواية صحيحة أيضا { المقام المحمود } ( الذي ) بدل من المنكر ، أو عطف بيان ، أو نعت للمعرف ويجوز القطع للرفع أو النصب ( وعدته ) بقولك { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } [ ص: 483 ] وهو هنا اتفاقا مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون ، والآخرون ؛ لأنه المتصدي له بسجوده أربع سجدات أي كسجود الصلاة كما هو الظاهر تحت العرش حتى أجيب لما فزعوا إليه بعد فزعهم لآدم ، ثم لأولي العزم نوح فإبراهيم فموسى فعيسى واعتذار كل صلى الله عليهم وسلم واختلفوا فيه في الآية ، والأشهر كما هنا وقول مجاهد هو أن يجلسه معه على العرش أطال الواحدي في رده لغة إذ البعث لا يطلق حقيقة على القعود ، بل هو ضده سيما وقد أكد ب ( مقاما ) على أنه يوهم ما تعالى الله عنه علوا كبيرا وإنما سن هذا الدعاء لخبر البخاري { من قال ذلك حين يسمع النداء حلت له شفاعتي يوم القيامة } ويسن الدعاء بين الأذان ، والإقامة ؛ لأنه لا يرد كما في حديث حسن ويكره للمؤذن وغيره الخروج من محل الجماعة بعده وقبل الصلاة إلا لعذر ويسن تأخيرها قدر ما يجتمع الناس إلا في المغرب أي للخلاف القوي في ضيق وقتها ومن ثم أطبق العلماء على كراهة تأخيرها عن أوله كما مر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : بدل من المنكر ) أي ، أو نعت له مقطوع فإن النعت المقطوع تجوز مخالفته للمنعوت تعريفا ، أو تنكيرا ولذا أعربوا { الذي جمع مالا } نعتا مقطوعا { لكل همزة لمزة } ( قوله : أو نعت للمعرف ) هلا قال ، أو بدل [ ص: 483 ] قوله : أي كسجود الصلاة ) وهل هو بطهارة ( قوله : إلا في المغرب ) ينبغي أن يستثنى منه ومن كراهة التأخير الآتية التأخير بقدر سنتها المتقدمة لظهور أن الأفضل فعلها قبلها ، ثم رأيت في الروض ما نصه ويفصل بين الأذان ، والإقامة بقدر اجتماع الناس وأداء السنة وفي المغرب بسكتة لطيفة ا هـ وفي شرحه ما نصه وعلى ما صححه النووي من أن للمغرب سنة قبلها يفصل بقدر أدائها أيضا ا هـ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : ويسن ) إلى قوله ولاشتماله في النهاية ( قوله : والمقيم ) عبارة النهاية ، وكذا مقيم لحديث ورد فيه رواه ابن السني وذكره المصنف في أذكاره ا هـ .

                                                                                                                              ( قول المتن أن يصلي إلخ ) وتحصل السنة بأي لفظ أتى به مما يفيد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن أفضل الصيغ على الراجح صلاة التشهد فينبغي تقديمها على غيرها ومن الغير ما يقع للمؤذنين من قولهم الصلاة ، والسلام عليك يا رسول الله إلى آخر ما يأتون به فيكفي ( فائدة )

                                                                                                                              قال الحافظ ابن حجر ويتأكد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في مواضع ورد فيها أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جياد عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وفي أوله آكد وفي أثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد ، والخروج منه وعند الاجتماع ، والتفرق وعند السفر ، والقدوم منه ، والقيام لصلاة الليل وختم القرآن وعند الهم ، والكرب ، والتوبة وقراءة الحديث وتبليغ العلم ، والذكر ونسيان الشيء وورد أيضا في أحاديث ضعيفة عند استلام الحجر وطنين الأذن ، والتلبية وعقب الوضوء وعند الذبح ، والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا انتهى مناوي ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله : ويسلم ) أي : لما مر من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر نهاية ومغني قول المتن ( بعد فراغه ) أي : ولو كان اشتغاله بذلك يفوت تكبيرة الإحرام مع الإمام ، أو بعض الفاتحة ، بل ، أو كلها ع ش ( قوله : من الأذان ، أو الإقامة ) أي ، أو الإجابة رشيدي ( قوله : ثم يسن له إلخ ) أي : لكل من المؤذن ، والمقيم وسامعهما وظاهر أن كلا من الإجابة ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والدعاء سنة مستقلة فلو ترك بعضها سن أن يأتي بالباقي ع ش ( قوله : عقبهما ) أي : الصلاة ، والسلام قول المتن ( اللهم ) أصله يا الله حذفت ياؤه وعوضت عنها الميم ولهذا امتنع الجمع بينهما نهاية ومغني ( قوله : هي الأذان ) أي : أو الإقامة مغني وشرح المنهج قول المتن ( آت ) أي : أعط نهاية ومغني ( قوله : إظهار الافتقار ، والتواضع ) عبارة النهاية ، والمغني وشرح بافضل إظهار شرفه وعظم منزلته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : صلى الله عليه وسلم ) كان الأولى تقديمه على إليها ( قوله : { ، ثم سلوا } إلخ ) عبارة النهاية ، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في خبر مسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله } إلخ

                                                                                                                              ( قوله : فلا يجب لأحد إلخ ) قد يقال الوجوب فيما ذكر عليه صلى الله عليه وسلم لا على الله سبحانه وتعالى فإن قدر قبول احتيج إلى ما ذكره من التأويل لكنه خلاف الظاهر ولا ضرورة تدعو إليه بصري أقول وأيضا لو سلم فالوجوب هنا بالمعنى اللغوي أي الحصول ، والثبوت ، والمراد به مجرد الوعد بفضله ( قوله : وحذف ) إلى المتن في النهاية وقال المغني وزاد في التنبيه بعد ، والفضيلة { ، والدرجة الرفيعة } وبعد وعدته { يا أرحم الراحمين } ا هـ قال الكردي وفي فتح الباري زاد في رواية البيهقي { إنك لا تخلف الميعاد } ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وختمه إلخ ) معطوف على قوله ، والدرجة الرفيعة ( قوله : من المنكر ) أي ومن المعرف بالأولى قال سم أي ، أو نعت له مقطوع فإن النعت المقطوع تجوز مخالفته [ ص: 483 ] للمنعوت تعريفا وتنكيرا ولذا أعربوا { الذي جمع مالا } نعتا مقطوعا { لكل همزة لمزة } ا هـ أقول : هذا داخل في قول الشارح الآتي ويجوز إلخ فإنه راجع للمنكر أيضا كما هو صريح صنيع النهاية ، ثم رأيت قال السيد البصري ما نصه قوله ، أو نعت للمعرف قد يوهم اقتصاره في المعرف على ما ذكر عدم تأتي البدلية فيه وليس كذلك كما هو واضح وقوله يجوز إلخ متأت على كلا الوجهين كما هو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وهو ) أي المقام المحمود ( هنا ) أي : في دعاء الأذان

                                                                                                                              ( قوله : أي كسجود الصلاة ) وهل هو بطهارة سم ( قوله : لما فزعوا ) أي : أهل المحشر وهو ظرف لقوله المتصدي ( قوله : واختلفوا فيه إلخ ) أي : في المقام المحمود ( قوله : ، والأشهر ) مبتدأ خبره قوله كما هنا ( قوله : وقد أكد ) أي : إرادة الضد ( قوله : ويسن ) إلى قوله أي للخلاف في النهاية ، والمغني ( قوله : ويسن الدعاء إلخ ) وأن يقول المؤذن ومن سمعه بعد أذان المغرب اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك اغفر لي وبعد أذان الصبح اللهم هذا إقبال نهارك وإدبار ليلك وأصوات دعاتك اغفر لي وآكد الدعاء كما في العباب سؤال العافية في الدنيا ، والآخرة نهاية ومغني قال ع ش قوله م ر بعد أذان المغرب أي وبعد إجابة المؤذن ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من هذه سنة مستقلة فلا يتوقف طلب شيء منها على فعل غيره وقوله م ر اغفر لي عبارة شرح البهجة فاغفر لي وقوله م ر سؤال العافية أي كان يقول اللهم إني أسألك العافية في الدنيا ، والآخرة ع ش عبارة الكردي فيقول اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي وولدي ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : بين الأذان ، والإقامة ) أي : وإن طال ما بينهما ويحصل أصل السنة بمجرد الدعاء ، والأولى شغل الزمن بتمامه بالدعاء إلا وقت فعل الراتبة على أن الدعاء في نحو سجودها يصدق عليه أنه دعاء بين الأذان ، والإقامة ومفهوم كلام الشارح م ر أنه لا يطلب الدعاء بعد الإقامة وقبل التحرم ويوجه بأن المطلوب من المصلي المبادرة إلى التحرم لتحصل له الفضيلة التامة ع ش ( قوله : ويكره للمؤذن إلخ ) ويندب له أن يتحول من مكان الأذان للإقامة ولا يقيم وهو يمشي نهاية ومغني ( قوله : ويسن تأخيرها ) أي : الإقامة عبارة النهاية ، والمغني ، والأسنى ويسن أن يفصل المؤذن ، والإمام بين الأذان ، والإقامة بقدر اجتماع الناس في محل الصلاة وبقدر فعل السنة التي قبلها ويفصل في المغرب بينهما بنحو سكتة لطيفة كقعود يسير لضيق وقتها ولاجتماع الناس إليها عادة قبل وقتها وعلى تصحيح المصنف من استحباب سنة المغرب قبلها يفصل بقدر أدائها أيضا ا هـ وسئلت عما يفعله بعض الأئمة من تعجيل الصلاة عقب دخول وقتها ولا ينتظر لمن يريد الجماعة من أهل محلته ويستدل على ذلك بإطلاق قول الإحياء إن المطلوب من الإمام مراعاة أول الوقت ولا ينبغي له أن يؤخر الصلاة لانتظار كثرة الجمع إلخ الجواب أنه يسن للإمام بعد تيقن دخول الوقت ، والأذان عقبه أن ينتظر في غير صلاة المغرب قدر ما يسع عادة لفعل أهل محلة المسجد مثلا لأسباب الصلاة كالطهارة ، والستر وراتبتها ولاجتماعهم فيه ويختلف مقداره باختلاف سعة المحلة ، ثم بعد مضي ذلك المقدار يصلي بمن حضر وإن قل ولا ينتظر ولو نحو شريف عالم فإن انتظر كره

                                                                                                                              وأما صلاة المغرب فيصليها بعد تيقن دخول وقتها ومضي ما يسع أذانها وراتبتها بمن حضر من غير انتظار وهذا خلاصة ما في التحفة ، والنهاية ، والأسنى ، والمغني وعليه يحمل إطلاق الغزالي في الإحياء ويظهر أن المقدار الذي يسع عادة ما تقدم في غير المغرب لا ينقص ذلك عن ربع ساعة فلكية فيندب للإمام أن ينتظر في غير صلاة المغرب ربع الساعة مطلقا ، ثم إن اقتضت سعة المحلة مثلا زيادة عليه فيزيد على ذلك قدر ما تقتضيه سعتها بحيث يقع جميع الصلاة في وقت الفضيلة والله أعلم




                                                                                                                              الخدمات العلمية