الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

الأصل الثاني : أن الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة ، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم ، فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن ، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة ، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم ، فإن اسم السميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة ، وعلى الذات وحدها ، وعلى السمع وحده بالتضمن ، ويدل على اسم الحي وصفة الحياة بالالتزام ، وكذلك سائر أسمائه وصفاته ، ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه ، ومن هاهنا [ ص: 55 ] يقع اختلافهم في كثير من الأسماء والصفات والأحكام ، فإن من علم أن الفعل الاختياري لازم للحياة ، وأن السمع والبصر لازم للحياة الكاملة ، وأن سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك ، ولا عرف حقيقة الحياة ولوازمها ، وكذلك سائر صفاته .

فإن اسم العظيم له لوازم ينكرها من لم يعرف عظمة الله ولوازمها .

وكذلك اسم العلي ، واسم الحكيم وسائر أسمائه ، فإن من لوازم اسم العلي العلو المطلق بكل اعتبار ، فله العلو المطلق من جميع الوجوه : علو القدر ، وعلو القهر ، وعلو الذات ، فمن جحد علو الذات فقد جحد لوازم اسمه العلي .

وكذلك اسمه الظاهر من لوازمه : أن لا يكون فوقه شيء ، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " بل هو سبحانه فوق كل شيء ، فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه الظاهر ، ولا يصح أن يكون الظاهر هو من له فوقية القدر فقط ، كما يقال : الذهب فوق الفضة ، والجوهر فوق الزجاج; لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور ، بل قد يكون المفوق أظهر من الفائق فيها ، ولا يصح أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط ، وإن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة ، لمقابلة الاسم ب " الباطن " وهو الذي ليس دونه شيء ، كما قابل الأول الذي ليس قبله شيء ، ب " الآخر " الذي ليس بعده شيء .

وكذلك اسم " الحكيم " من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله ، ووضعه الأشياء في موضعها ، وإيقاعها على أحسن الوجوه ، فإنكار ذلك إنكار لهذا الاسم ولوازمه ، وكذلك سائر أسمائه الحسنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية