nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28978_29703_19863_32016يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون [ ص: 72 ] إذا جرينا على ظاهر التفاسير كان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا الآية استئنافا ابتدائيا ، عاد به الخطاب إلى سائر الناس الذين خوطبوا في أول السورة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم الآيات وهم أمة الدعوة ، لأن الغرض من السورة إبطال ما كان عليه مشركو العرب من الشرك وتوابعه من أحوال دينهم الجاهلي ، وكان قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11ولقد خلقناكم ثم صورناكم استطرادا بذكر منه عليهم وهم يكفرون به كما تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11ولقد خلقناكم فخاطبت هذه الآية جميع بني
آدم بشيء من الأمور المقصودة في السورة ، فهذه الآية كالمقدمة للغرض الذي يأتي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ووقوعها في أثناء آيات التحذير من كيد الشيطان جعلها بمنزلة الاستطراد بين تلك الآيات وإن كانت هي من الغرض الأصلي .
ويجوز أن يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا وما أشبهه مما افتتح بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يا بني آدم أربع مرات ، من جملة المقول المحكي بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قال فيها تحيون فيكون مما خاطب الله بني
آدم في ابتداء عهدهم بعمران الأرض على لسان أبيهم ، أو بطريق من طرق الإعلام الإلهي ، ولو بالإلهام ، لما تنشأ به في نفوسهم هذه الحقائق ، فابتدأ فأعلمهم بمنته عليهم أن أنزل لهم لباسا يواري سوآتهم ، ويتجملون به بمناسبة ما قص الله عليهم من تعري أبويهم حين بدت لهما سوءاتهما ، ثم بتحذيرهم من كيد الشيطان وفتنته بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=27يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ثم بأن أمرهم بأخذ اللباس وهو زينة الإنسان عند مواقع العبادة لله تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ، ثم بأن أخذ عليهم بأن يصدقوا الرسل وينتفعوا بهديهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=35يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم الآية ، واستطرد بين ذلك كله بمواعظ تنفع الذين قصدوا من هذا القصص ، وهم المشركون المكذبون
محمدا - صلى الله عليه وسلم - فهم المقصود من هذا الكلام
[ ص: 73 ] كيفما تفننت أساليبه وتناسق نظمه ، وأيا ما كان فالمقصود الأول من هذه الخطابات أو من حكايتها هم مشركو العرب ومكذبو
محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك تخللت هذه الخطابات مستطردات وتعريضات مناسبة لما وضعه المشركون من التكاذيب في نقض أمر الفطرة .
والجمل الثلاث من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=27يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد متصلة تمام الاتصال بقصة فتنة الشيطان
لآدم وزوجه ، أو متصلة بالقول المحكي بجملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قال فيها تحيون على طريقة تعداد المقول تعدادا يشبه التكرير .
وهذا الخطاب يشمل المؤمنين والمشركين ، ولكن الحظ الأوفر منه للمشركين ؛ لأن حظ المؤمنين منه هو الشكر على يقينهم بأنهم موافقون في شئونهم لمرضاة ربهم ، وأما حظ المشركين فهو الإنذار بأنهم كافرون بنعمة ربهم ، معرضون لسخطه وعقابه .
وابتدئ الخطاب بالنداء ليقع إقبالهم على ما بعده بشراشر قلوبهم ، وكان لاختيار استحضارهم عند الخطاب بعنوان بني
آدم مرتين وقع عجيب ، بعد الفراغ من ذكر قصة خلق
آدم وما لقيه من وسوسة الشيطان ، وذلك أن شأن الذرية أن تثأر لآبائها ، وتعادي عدوهم ، وتحترس من الوقوع في شركه .
ولما كان
nindex.php?page=treesubj&link=31809_31818إلهام الله آدم أن يستر نفسه بورق الجنة منة عليه ، وقد تقلدها بنوه ، خوطب الناس بشمول هذه المنة لهم بعنوان يدل على أنها منة موروثة ، وهي أوقع وأدعى للشكر ، ولذلك سمي تيسير اللباس لهم وإلهامهم إياه إنزالا ، لقصد تشريف هذا المظهر ، وهو أول مظاهر الحضارة ، بأنه منزل على الناس من عند الله ، أو لأن الذي كان منه على
آدم نزل به من الجنة إلى الأرض التي هو فيها ، فكان له في معنى الإنزال مزيد اختصاص ،
[ ص: 74 ] على أن مجرد الإلهام إلى استعماله بتسخير إلهي ، مع ما فيه من عظيم الجدوى على الناس والنفع لهم ، يحسن استعارة فعل الإنزال إليه ، تشريفا لشأنه ، وشاركه في هذا المعنى ما يكون من الملهمات عظيم النفع ، كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس أي أنزلنا الإلهام إلى استعماله والدفاع به ، وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج أي : خلقها لكم في الأرض بتدبيره ، وعلمكم استخدامها والانتفاع بما فيها ، ولا يطرد في جميع ما ألهم إليه البشر مما هو دون هذه في الجدوى ، وقد كان ذلك اللباس الذي نزل به
آدم هو أصل اللباس الذي يستعمله البشر .
وهذا تنبيه إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=27417_28644اللباس من أصل الفطرة الإنسانية ، والفطرة أول أصول الإسلام ، وأنه مما كرم الله به النوع منذ ظهوره في الأرض ، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قربانهم نزع لباسهم بأن يحجوا عراة كما سيأتي عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده فخالفوا الفطرة ، وقد كان الأمم يحتفلون في أعياد أديانهم بأحسن اللباس ، كما حكى الله عن
موسى عليه السلام
وأهل مصر :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59قال موعدكم يوم الزينة .
واللباس اسم لما يلبسه الإنسان أي يستر به جزءا من جسده ، فالقميص لباس ، والإزار لباس ، والعمامة لباس ، ويقال لبس التاج ولبس الخاتم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=12وتستخرجون حلية تلبسونها ومصدر لبس اللبس - بضم اللام - .
وجملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يواري سوآتكم صفة لـ لباسا ، وهو صنف اللباس اللازم ، وهذه الصفة صفة مدح اللباس أي من شأنه ذلك وإن كان كثير من اللباس ليس لمواراة السوآت مثل العمامة والبرد والقباء وفي الآية إشارة إلى وجوب ستر العورة المغلظة ، وهي السوأة ، وأما ستر ما عداها من الرجل والمرأة فلا تدل الآية عليه ، وقد ثبت بعضه بالسنة ، وبعضه بالقياس والخوض في تفاصيلها وعللها من مسائل الفقه .
[ ص: 75 ] والريش لباس الزينة الزائد على ما يستر العورة ، وهو مستعار من ريش الطير لأنه زينته ، ويقال للباس الزينة رياش .
وعطف ريشا على :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لباسا يواري سوآتكم عطف صنف على صنف ، والمعنى يسرنا لكم لباسا يستركم ولباسا تتزينون به .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ولباس التقوى قرأه
نافع ، وابن عامر ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وأبو جعفر : بالنصب ، عطفا على لباسا فيكون من اللباس المنزل أي الملهم ، فيتعين أنه لباس حقيقة أي شيء يلبس ، والتقوى ، على هذه القراءة ، مصدر بمعنى الوقاية ، فالمراد : لبوس الحرب ، من الدروع والجواشن والمغافر . فيكون كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم . والإشارة باسم الإشارة المفرد بتأويل المذكور ، وهو اللباس بأصنافه الثلاثة ، أي خير أعطاه الله بني
آدم ، فالجملة مستأنفة أو حال من لباسا وما عطف عليه .
وقرأه
ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وخلف : برفع :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لباس التقوى على أن الجملة معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26قد أنزلنا عليكم لباسا ، فيجوز أن يكون المراد بلباس التقوى مثل ما يرد به في قراءة النصب . ويجوز أن يكون المراد بالتقوى تقوى الله وخشيته ، وأطلق عليها اللباس إما بتخييل التقوى بلباس يلبس ، وإما بتشبيه ملازمة تقوى الله بملازمة اللابس لباسه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187هن لباس لكم وأنتم لباس لهن مع ما يحسن هذا الإطلاق من المشاكلة .
وهذا المعنى الرفع أليق به . ويكون استطرادا للتحريض على تقوى الله ، فإنها خير للناس من منافع الزينة ، واسم الإشارة على هذه القراءة لتعظيم المشار إليه .
وجملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون استئناف ثان على قراءة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ولباس التقوى بالنصب بأن استأنف بعد الامتنان بأصناف اللباس ، استئنافين يؤذنان بعظيم النعمة : الأول بأن اللباس خير للناس ، والثاني بأن اللباس آية من آيات الله تدل على علمه ولطفه ، وتدل على
[ ص: 76 ] وجوده ، وفيها آية أخرى وهي الدلالة على علم الله تعالى بأن ستكون أمة يغلب عليها الضلال فيكونون في حجهم عراة ، فلذلك أكد الوصاية به . والمشار إليه بالإشارة التي في الجملة الثانية ، عين المشار إليه بالإشارة التي في الجملة الأولى وللاهتمام بكلتا الجملتين جعلت الثانية مستقلة غير معطوفة .
وعلى قراءة رفع :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ولباس التقوى تكون جملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ذلك من آيات الله استئنافا واحدا ، والإشارة التي في الجملة الثانية عائدة إلى المذكور قبل من أصناف اللباس حتى المجازي على تفسير لباس التقوى بالمجازي .
وضمير الغيبة في :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لعلهم يذكرون التفات ، أي جعل الله ذلك آية لعلكم تتذكرون عظيم قدرة الله تعالى وانفراده بالخلق والتقدير واللطف ، وفي هذا الالتفات تعريض بمن لم يتذكر من بني
آدم فكأنه غائب عن حضرة الخطاب ، على أن ضمائر الغيبة ، في مثل هذا المقام في القرآن ، كثيرا ما يقصد بها مشركو العرب .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28978_29703_19863_32016يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسَ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [ ص: 72 ] إِذَا جَرَيْنَا عَلَى ظَاهِرِ التَّفَاسِيرِ كَانَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا الْآيَةَ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا ، عَادَ بِهِ الْخِطَابُ إِلَى سَائِرِ النَّاسِ الَّذِينَ خُوطِبُوا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=3اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ الْآيَاتِ وَهُمْ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ السُّورَةِ إِبْطَالُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ مِنَ الشِّرْكِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ أَحْوَالِ دِينِهِمُ الْجَاهِلِيِّ ، وَكَانَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ اسْتِطْرَادًا بِذِكْرِ مَنِّهِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ فَخَاطَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَمِيعَ بَنِي
آدَمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ فِي السُّورَةِ ، فَهَذِهِ الْآيَةُ كَالْمُقَدِّمَةِ لِلْغَرَضِ الَّذِي يَأْتِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَوُقُوعُهَا فِي أَثْنَاءِ آيَاتِ التَّحْذِيرِ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِطْرَادِ بَيْنَ تِلْكَ الْآيَاتِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ مِنَ الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا افْتُتِحَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يَا بَنِي آدَمَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ فَيَكُونُ مِمَّا خَاطَبَ اللَّهُ بَنِي
آدَمَ فِي ابْتِدَاءِ عَهْدِهِمْ بِعُمْرَانِ الْأَرْضِ عَلَى لِسَانِ أَبِيهِمْ ، أَوْ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْإِعْلَامِ الْإِلَهِيِّ ، وَلَوْ بِالْإِلْهَامِ ، لِمَا تَنْشَأُ بِهِ فِي نُفُوسِهِمْ هَذِهِ الْحَقَائِقُ ، فَابْتَدَأَ فَأَعْلَمَهُمْ بِمِنَّتِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ أَنْزَلَ لَهُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِهِمْ ، وَيَتَجَمَّلُونَ بِهِ بِمُنَاسَبَةِ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَعَرِّي أَبَوَيْهِمْ حِينَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ، ثُمَّ بِتَحْذِيرِهِمْ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=27يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ثُمَّ بِأَنْ أَمَرَهُمْ بِأَخْذِ اللِّبَاسِ وَهُوَ زِينَةُ الْإِنْسَانِ عِنْدَ مَوَاقِعِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، ثُمَّ بِأَنْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُصَدِّقُوا الرُّسُلَ وَيَنْتَفِعُوا بِهَدْيِهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=35يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ الْآيَةَ ، وَاسْتَطْرَدَ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَوَاعِظَ تَنْفَعُ الَّذِينَ قُصَدُوا مِنْ هَذَا الْقَصَصِ ، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ
[ ص: 73 ] كَيْفَمَا تَفَنَّنَتْ أَسَالِيبُهُ وَتَنَاسَقَ نَظْمُهُ ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْخِطَابَاتِ أَوْ مِنْ حِكَايَتِهَا هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَمُكَذِّبُو
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ تَخَلَّلَتْ هَذِهِ الْخِطَابَاتِ مُسْتَطْرِدَاتٌ وَتَعْرِيضَاتٌ مُنَاسِبَةٌ لِمَا وَضَعَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ التَّكَاذِيبِ فِي نَقْضِ أَمْرِ الْفِطْرَةِ .
وَالْجُمَلُ الثَّلَاثُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=27يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ مُتَّصِلَةٌ تَمَامَ الِاتِّصَالِ بِقِصَّةِ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ
لِآدَمَ وَزَوْجِهِ ، أَوْ مُتَّصِلَةٌ بِالْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ بِجُمْلَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ عَلَى طَرِيقَةِ تَعْدَادِ الْمَقُولِ تَعْدَادًا يُشْبِهُ التَّكْرِيرَ .
وَهَذَا الْخِطَابُ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَلَكِنَّ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْهُ لِلْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّ حَظَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ هُوَ الشُّكْرُ عَلَى يَقِينِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ فِي شُئُونِهِمْ لِمَرْضَاةِ رَبِّهِمْ ، وَأَمَّا حَظُّ الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ الْإِنْذَارُ بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِمْ ، مُعَرَّضُونَ لِسَخَطِهِ وَعِقَابِهِ .
وَابْتُدِئَ الْخِطَابُ بِالنِّدَاءِ لِيَقَعَ إِقْبَالُهُمْ عَلَى مَا بَعْدَهُ بِشَرَاشِرِ قُلُوبِهِمْ ، وَكَانَ لِاخْتِيَارِ اسْتِحْضَارِهِمْ عِنْدَ الْخِطَابِ بِعُنْوَانِ بَنِي
آدَمَ مَرَّتَيْنِ وَقْعٌ عَجِيبٌ ، بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذِكْرِ قِصَّةِ خَلْقِ
آدَمَ وَمَا لَقِيَهُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ شَأْنَ الذُّرِّيَّةِ أَنْ تَثْأَرَ لِآبَائِهَا ، وَتُعَادِيَ عَدُوَّهُمْ ، وَتَحْتَرِسَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي شَرَكِهِ .
وَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31809_31818إِلْهَامُ اللَّهِ آدَمَ أَنْ يَسْتُرَ نَفْسَهُ بِوَرَقِ الْجَنَّةِ مِنَّةً عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَقَلَّدَهَا بَنُوهُ ، خُوطِبَ النَّاسُ بِشُمُولِ هَذِهِ الْمِنَّةِ لَهُمْ بِعُنْوَانٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنَّةٌ مَوْرُوثَةٌ ، وَهِيَ أَوْقَعُ وَأَدْعَى لِلشُّكْرِ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ تَيْسِيرُ اللِّبَاسِ لَهُمْ وَإِلْهَامُهُمْ إِيَّاهُ إِنْزَالًا ، لِقَصْدِ تَشْرِيفِ هَذَا الْمَظْهَرِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَظَاهِرِ الْحَضَارَةِ ، بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى النَّاسِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، أَوْ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْهُ عَلَى
آدَمَ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ، فَكَانَ لَهُ فِي مَعْنَى الْإِنْزَالِ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ ،
[ ص: 74 ] عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِلْهَامِ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ بِتَسْخِيرٍ إِلَهِيٍّ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْجَدْوَى عَلَى النَّاسِ وَالنَّفْعِ لَهُمْ ، يُحَسِّنُ اسْتِعَارَةَ فِعْلِ الْإِنْزَالِ إِلَيْهِ ، تَشْرِيفًا لِشَأْنِهِ ، وَشَارَكَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يَكُونُ مِنَ الْمُلْهَمَاتِ عَظِيمَ النَّفْعِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ أَيْ أَنْزَلْنَا الْإِلْهَامَ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ وَالدِّفَاعِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ أَيْ : خَلَقَهَا لَكُمْ فِي الْأَرْضِ بِتَدْبِيرِهِ ، وَعَلَّمَكُمُ اسْتِخْدَامَهَا وَالِانْتِفَاعَ بِمَا فِيهَا ، وَلَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ مَا أُلْهِمَ إِلَيْهِ الْبَشَرُ مِمَّا هُوَ دُونَ هَذِهِ فِي الْجَدْوَى ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ اللِّبَاسُ الَّذِي نَزَلَ بِهِ
آدَمُ هُوَ أَصْلُ اللِّبَاسِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْبَشَرُ .
وَهَذَا تَنْبِيهٌ إِلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27417_28644اللِّبَاسَ مِنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ ، وَالْفِطْرَةُ أَوَّلُ أُصُولِ الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّهُ مِمَّا كَرَّمَ اللَّهُ بِهِ النَّوْعَ مُنْذُ ظُهُورِهِ فِي الْأَرْضِ ، وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ جَعَلُوا مِنْ قُرْبَانِهِمْ نَزْعَ لِبَاسِهِمْ بِأَنْ يَحُجُّوا عُرَاةً كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ فَخَالَفُوا الْفِطْرَةَ ، وَقَدْ كَانَ الْأُمَمُ يَحْتَفِلُونَ فِي أَعْيَادِ أَدْيَانِهِمْ بِأَحْسَنِ اللِّبَاسِ ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَأَهْلِ مِصْرَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ .
وَاللِّبَاسُ اسْمٌ لِمَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ أَيْ يَسْتُرُ بِهِ جُزْءًا مِنْ جَسَدِهِ ، فَالْقَمِيصُ لِبَاسٌ ، وَالْإِزَارُ لِبَاسٌ ، وَالْعِمَامَةُ لِبَاسٌ ، وَيُقَالُ لَبِسَ التَّاجَ وَلَبِسَ الْخَاتَمَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=12وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَمَصْدَرُ لَبِسَ اللُّبْسُ - بِضَمِّ اللَّامِ - .
وَجُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26يُوَارِي سَوْآتِكُمْ صِفَةٌ لِـ لِبَاسًا ، وَهُوَ صِنْفُ اللِّبَاسِ اللَّازِمِ ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ مَدْحِ اللِّبَاسِ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ اللِّبَاسِ لَيْسَ لِمُوَارَاةِ السَّوْآتِ مِثْلَ الْعِمَامَةِ وَالْبُرْدِ وَالْقَبَاءِ وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ ، وَهِيَ السَّوْأَةُ ، وَأَمَّا سَتْرُ مَا عَدَاهَا مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُهُ بِالسُّنَّةِ ، وَبَعْضُهُ بِالْقِيَاسِ وَالْخَوْضِ فِي تَفَاصِيلِهَا وَعِلَلِهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ .
[ ص: 75 ] وَالرِّيشُ لِبَاسُ الزِّينَةِ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ رِيشِ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ زِينَتُهُ ، وَيُقَالُ لِلِبَاسِ الزِّينَةِ رِيَاشٌ .
وَعَطْفُ رِيشًا عَلَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ عَطْفُ صِنْفٍ عَلَى صِنْفٍ ، وَالْمَعْنَى يَسَّرْنَا لَكُمْ لِبَاسًا يَسْتُرُكُمْ وَلِبَاسًا تَتَزَيَّنُونَ بِهِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26وَلِبَاسَ التَّقْوَى قَرَأَهُ
نَافِعٌ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ : بِالنَّصْبِ ، عَطْفًا عَلَى لِبَاسًا فَيَكُونُ مِنَ اللِّبَاسِ الْمُنَزَّلِ أَيِ الْمُلْهَمِ ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لِبَاسُ حَقِيقَةٍ أَيْ شَيْءٌ يُلْبَسُ ، وَالتَّقْوَى ، عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ، مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْوِقَايَةِ ، فَالْمُرَادُ : لَبُوسُ الْحَرْبِ ، مِنَ الدُّرُوعِ وَالْجَوَاشِنِ وَالْمَغَافِرِ . فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ . وَالْإِشَارَةُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُفْرَدِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ ، وَهُوَ اللِّبَاسُ بِأَصْنَافِهِ الثَّلَاثَةِ ، أَيْ خَيْرٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ بَنِي
آدَمَ ، فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ حَالٌ مِنْ لِبَاسًا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ .
وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَعَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَيَعْقُوبُ ، وَخَلَفٌ : بِرَفْعِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لِبَاسُ التَّقْوَى عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِلِبَاسِ التَّقْوَى مِثْلَ مَا يَرِدُ بِهِ فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى تَقْوَى اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا اللِّبَاسُ إِمَّا بِتَخْيِيلِ التَّقْوَى بِلِبَاسٍ يُلْبَسُ ، وَإِمَّا بِتَشْبِيهِ مُلَازَمَةِ تَقْوَى اللَّهِ بِمُلَازَمَةِ اللَّابِسِ لِبَاسَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ مَعَ مَا يُحَسِّنُ هَذَا الْإِطْلَاقَ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الرَّفْعُ أَلْيَقُ بِهِ . وَيَكُونُ اسْتِطْرَادًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ ، فَإِنَّهَا خَيْرٌ لِلنَّاسِ مِنْ مَنَافِعِ الزِّينَةِ ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِتَعْظِيمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ .
وَجُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ اسْتِئْنَافٌ ثَانٍ عَلَى قِرَاءَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26وَلِبَاسَ التَّقْوَى بِالنَّصْبِ بِأَنِ اسْتَأْنَفَ بَعْدَ الِامْتِنَانِ بِأَصْنَافِ اللِّبَاسِ ، اسْتِئْنَافَيْنِ يُؤْذِنَانِ بِعَظِيمِ النِّعْمَةِ : الْأَوَّلُ بِأَنَّ اللِّبَاسَ خَيْرٌ لِلنَّاسِ ، وَالثَّانِي بِأَنَّ اللِّبَاسَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ وَلُطْفِهِ ، وَتَدُلُّ عَلَى
[ ص: 76 ] وُجُودِهِ ، وَفِيهَا آيَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ سَتَكُونَ أُمَّةٌ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الضَّلَالُ فَيَكُونُونَ فِي حَجِّهِمْ عُرَاةً ، فَلِذَلِكَ أَكَّدَ الْوِصَايَةَ بِهِ . وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ ، عَيْنُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي فِي الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى وَلِلِاهْتِمَامِ بِكِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ جُعِلَتِ الثَّانِيَةُ مُسْتَقِلَّةً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ .
وَعَلَى قِرَاءَةِ رَفْعِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26وَلِبَاسَ التَّقْوَى تَكُونُ جُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ اسْتِئْنَافًا وَاحِدًا ، وَالْإِشَارَةُ الَّتِي فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عَائِدَةٌ إِلَى الْمَذْكُورِ قَبْلُ مِنْ أَصْنَافِ اللِّبَاسِ حَتَّى الْمَجَازِيِّ عَلَى تَفْسِيرِ لِبَاسِ التَّقْوَى بِالْمَجَازِيِّ .
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الْتِفَاتٌ ، أَيْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ آيَةً لَعَلَّكُمْ تَتَذَكَّرُونَ عَظِيمَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَاللُّطْفِ ، وَفِي هَذَا الِالْتِفَاتِ تَعْرِيضٌ بِمَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ مِنْ بَنِي
آدَمَ فَكَأَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ حَضْرَةِ الْخِطَابِ ، عَلَى أَنَّ ضَمَائِرَ الْغَيْبَةِ ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ فِي الْقُرْآنِ ، كَثِيرًا مَا يُقْصَدُ بِهَا مُشْرِكُو الْعَرَبِ .