[ ص: 86 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28978_29688_19775قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون
بعد أن أبطل زعمهم أن الله أمرهم بما يفعلونه من الفواحش إبطالا عاما بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28قل إن الله لا يأمر بالفحشاء استأنف استئنافا استطراديا بما فيه جماع مقومات الدين الحق الذي يجمعه معنى القسط أي العدل تعليما لهم بنقيض جهلهم ، وتنويها بجلال الله تعالى ، بأن يعلموا ما شأنه أن يأمر الله به . ولأهمية هذا الغرض ، ولمضادته لمدعاهم المنفي في جملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28قل إن الله لا يأمر بالفحشاء فصلت هذه الجملة عن التي قبلها ، ولم يعطف القول على القول ولا المقول على المقول : لأن في إعادة فعل القول وفي ترك عطفه على نظيره لفتا للأذهان إليه .
والقسط : العدل وهو هنا العدل بمعناه الأعم ، أي الفعل الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط في الأشياء ، وهو الفضيلة من كل فعل ، فالله أمر بالفضائل وبما تشهد العقول السليمة أنه صلاح محض وأنه حسن مستقيم ، نظير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وكان بين ذلك قواما فالتوحيد عدل بين الإشراك والتعطيل ، والقصاص من القاتل عدل بين إطلال الدماء وبين قتل الجماعة من قبيلة القاتل لأجل جناية واحد من القبيلة لم يقدر عليه . وأمر الله بالإحسان ، وهو عدل بين الشح والإسراف ، فالقسط صفة للفعل في ذاته بأن يكون ملائما للصلاح عاجلا وآجلا ، أي سالما من عواقب الفساد ، وقد نقل عن ابن عباس أن القسط قول لا إله إلا هو ، وإنما يعني بذلك أن التوحيد من أعظم القسط ، وهذا إبطال للفواحش التي زعموا أن الله أمرهم بها لأن شيئا من تلك الفواحش ليس
[ ص: 87 ] بقسط ، وكذلك اللباس فإن التعري تفريط ، والمبالغة في وضع اللباس إفراط ، والعدل هو اللباس الذي يستر العورة ويدفع أذى القر أو الحر ، وكذلك الطعام فتحريم بعضه غلو ، والاسترسال فيه نهامة ، والوسط هو الاعتدال ، فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29أمر ربي بالقسط كلام جامع لإبطال كل ما يزعمون أن الله أمرهم به مما ليس من قبيل القسط .
ثم أعقبه بأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول لهم عن الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد فجملة : وأقيموا عطف على جملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29أمر ربي بالقسط أي قل لأولئك المخاطبين أقيموا وجوهكم . والقصد الأول منه إبطال بعض مما زعموا أن الله أمرهم به بطريق أمرهم بضد ما زعموه ليحصل أمرهم بما يرضي الله بالتصريح ، وإبطال شيء زعموا أن الله أمرهم به بالالتزام ، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، وإن شئت قلت لأن من يريد النهي عن شيء وفعل ضده يأمر بضده فيحصل الغرضان من أمره .
وإقامة الوجوه تمثيل لكمال الإقبال على عبادة الله تعالى ، في مواضع عبادته ، بحال المتهيئ لمشاهدة أمر مهم حين يوجه وجهه إلى صوبه ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة ، فذلك التوجه المحض يطلق عليه إقامة لأنه جعل الوجه قائما ، أي غير متغاض ولا متوان في التوجه ، وهو في إطلاق القيام على القوة في الفعل كما يقال : قامت السوق ، وقامت الصلاة ، وقد تقدم في أول سورة البقرة عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ويقيمون الصلاة ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا فالمعنى أن الله أمر بإقامة الوجوه عند المساجد ، لأن ذلك هو تعظيم المعبود ومكان العبادة . ولم يأمر بتعظيمه ولا تعظيم مساجده بما سوى ذلك مثل التعري ، وإشراك الله بغيره في العبادة مناف لها أيضا ، وهذا كما ورد في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341786المصلي يناجي ربه فلا يبصقن قبل وجهه فالنهي عن التعري
[ ص: 88 ] مقصود هنا لشمول اللفظ إياه ، ولدلالة السياق عليه بتكرير الامتنان والأمر باللباس : ابتداء من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما إلى هنا .
ومعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29عند كل مسجد عند كل مكان متخذ لعبادة الله تعالى ، واسم المسجد منقول في الإسلام للمكان المعين المحدود المتخذ للصلاة وتقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام في سورة العقود ، فالشعائر التي يوقعون فيها أعمالا من الحج كلها مساجد ، ولم يكن لهم مساجد غير شعائر الحج ، فذكر المساجد في الآية يعين أن المراد إقامة الوجوه عند التوجه إلى الله في الحج بأن لا يشركوا مع الله في ذلك غيره من أصنامهم بالنية ، كما كانوا وضعوا هبل على سطح الكعبة ليكون الطواف بالكعبة لله ولهبل ، ووضعوا إسافا ونائلة على الصفا والمروة ليكون السعي لله ولهما . وكان فريق منهم يهلون إلى مناة عند المشلل ، فالأمر بإقامة الوجوه عند المساجد كلها أمر بالتزام التوحيد وكمال الحال في شعائر الحج كلها ، فهذه مناسبة عطف قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد عقب إنكار أن يأمر الله بالفحشاء من أحوالهم ، وإثبات أنه أمر بالقسط مما يضادها .
وهذا الأمر وإن كان المقصود به المشركين لأنهم المتصفون بضده ، فللمؤمنين منه حظ الدوام عليه ، كما كان للمشركين حظ الإعراض عنه والتفريط فيه .
والدعاء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29وادعوه مخلصين له الدين بمعنى العبادة أي اعبدوه كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=194إن الذين تدعون من دون الله .
والإخلاص تمحيض الشيء من مخالطة غيره .
والدين بمعنى الطاعة من قولهم دنت لفلان أي أطعته .
[ ص: 89 ] ومنه سمي الله تعالى : الديان ، أي القهار المذلل المطوع لسائر الموجودات ونظير هذه الآية قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، والمقصد منها إبطال الشرك في عبادة الله تعالى ، وفي إبطاله تحقيق لمعنى القسط الذي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قل أمر ربي بالقسط كما قدمناه هنالك ، و مخلصين حال من الضمير في ادعوه .
وجملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=30337كما بدأكم تعودون في موضع الحال من الضمير المستتر في قوله مخلصين وهي حال مقدرة أي : مقدرين عودكم إليه وأن عودكم كبدئكم ، وهذا إنذار بأنهم مؤاخذون على عدم الإخلاص في العبادة ، فالمقصود منه هو قوله : تعودون أي إليه ، وأدمج فيه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29كما بدأكم تذكيرا بإمكان البعث الذي أحالوه ; فكان هذا إنذار لهم بأنهم عائدون إليه فمجازون عن إشراكهم في عبادته ، وهو أيضا احتجاج عليهم على عدم جدوى عبادتهم غير الله ، وإثبات للبعث الذي أنكروه بدفع موجب استبعادهم إياه ، حين يقولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ويقولون
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=10أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة ونحو ذلك ، بأن ذلك الخلق ليس بأعجب من خلقهم الأول كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد وكما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه أي بنقيض تقدير استبعادهم الخلق الثاني ، وتذكير لهم بأن الله منفرد بخلقهم الثاني ، كما انفرد بخلقهم الأول ، فهو منفرد بالجزاء فلا يغني عنهم آلهتهم شيئا .
فالكاف في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29كما بدأكم تعودون لتشبيه عود خلقهم ببدئه و " ما " مصدرية والتقدير : تعودون عودا جديدا كبدئه إياكم ، فقدم المتعلق الدال على التشبيه ، على فعله ، وهو تعودون ، للاهتمام به ، وقد فسرت الآية في بعض الأقوال بمعان هي بعيدة عن سياقها ونظمها .
[ ص: 90 ] و فريقا الأول والثاني منصوبان على الحال : إما من الضمير المرفوع في تعودون أي ترجعون إلى الله فريقين ، فاكتفي عن إجمال الفريقين ثم تفصيلهما بالتفصيل الدال على الإجمال تعجيلا بذكر التفصيل لأن المقام مقام ترغيب وترهيب ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30فريقا هدى : أن فريقا هداهم الله في الدنيا " وفريقا حق عليهم الضلالة " ، أي في الدنيا ، كما دل عليه التعليل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ، وإما من الضمير المستتر في قوله : مخلصين أي ادعوه مخلصين حال كونكم فريقين : فريقا هداه الله للإخلاص ونبذ الشرك ، وفريقا دام على الضلال ولازم الشرك .
وجملة : هدى في موضع الصفة لـ " فريقا " الأول ، وقد حذف الرابط المنصوب : أي هداهم الله ، وجملة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30حق عليهم الضلالة صفة " فريقا " الثاني .
وهذا كله إنذار من الوقوع في الضلال ،
nindex.php?page=treesubj&link=28798وتحذير من اتباع الشيطان ، وتحريض على توخي الاهتداء الذي هو من الله تعالى ، كما دل عليه إسناده إلى ضمير الجلالة في قوله : هدى فيعلم السامعون أنهم إذا رجعوا إليه فريقين كان الفريق المفلح هو الفريق الذين هداهم الله تعالى كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون وأن الفريق الخاسر هم الذين حقت عليهم الضلالة واتخذوا الشياطين أولياء من دون الله كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=19أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون . وتقديم " فريقا " الأول والثاني على عامليهما للاهتمام بالتفصيل .
ومعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30حق عليهم الضلالة ثبتت لهم الضلالة ولزموها . ولم يقلعوا عنها ، وذلك أن المخاطبين كانوا مشركين كلهم ، فلما أمروا بأن يعبدوا الله مخلصين افترقوا فريقين : فريقا هداه الله إلى التوحيد ، وفريقا لازم الشرك والضلالة ، فلم يطرأ عليهم حال جديد . وبذلك يظهر حسن موقع لفظ " حق " هنا دون أن يقال أضله الله ، لأن ضلالهم قديم مستمر اكتسبوه لأنفسهم ، كما قال تعالى في نظيره :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل ،
[ ص: 91 ] فليس تغيير الأسلوب بين :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30فريقا هدى وبين :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30وفريقا حق عليهم الضلالة تحاشيا عن إسناد الإضلال إلى الله ، كما توهمه صاحب الكشاف ، لأنه قد أسند الإضلال إلى الله في نظير هذه الآية كما علمت وفي آيات كثيرة ، ولكن اختلاف الأسلوب لاختلاف الأحوال .
وجرد فعل " حق " عن علامة التأنيث لأن فاعله غير حقيقي التأنيث ، وقد أظهرت علامة التأنيث في نظيره في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ومنهم من حقت عليه الضلالة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله استئناف مراد به التعليل لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36حقت عليه الضلالة ، وهذا شأن إن إذا وقعت في صدر جملة عقب جملة أخرى أن تكون للربط والتعليل وتغني غناء الفاء ، كما تقدم غير مرة .
والمعنى أن هذا الفريق ، الذي حقت عليهم الضلالة ، لما سمعوا الدعوة إلى التوحيد والإسلام ، لم يطلبوا النجاة ولم يتفكروا في ضلال الشرك البين ، ولكنهم استوحوا شياطينهم ، وطابت نفوسهم بوسوستهم ، وائتمروا بأمرهم ، واتخذوهم أولياء ، فلا جرم أن يدوموا على ضلالهم لأجل اتخاذهم الشياطين أولياء من دون الله .
وعطف جملة : ويحسبون على جملة : اتخذوا فكان ضلالهم ضلالا مركبا ، إذ هم قد ضلوا في الائتمار بأمر أيمة الكفر وأولياء الشياطين ، ولما سمعوا داعي الهدى لم يتفكروا ، وأهملوا النظر ، لأنهم يحسبون أنهم مهتدون لا يتطرق إليهم شك في أنهم مهتدون ، فلذلك لم تخطر ببالهم الحاجة إلى النظر في صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
والحسبان الظن ، وهو هنا ظن مجرد عن دليل ، وذلك أغلب ما يراد بالظن وما يرادفه في القرآن .
[ ص: 92 ] وعطف هذه الجملة على التي قبلها ، واعتبارهما سواء في الإخبار عن الفريق الذين حقت عليهم الضلالة ، لقصد الدلالة على أن ضلالهم حاصل في كل واحد من الخبرين ،
nindex.php?page=treesubj&link=28806فولاية الشياطين ضلالة ، وحسبانهم ضلالهم هدى ضلالة أيضا ، سواء كان ذلك كله عن خطأ أو عن عناد ، إذ لا عذر للضال في ضلاله بالخطأ ، لأن الله نصب الأدلة على الحق وعلى التمييز بين الحق والباطل .
[ ص: 86 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28978_29688_19775قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
بَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ زَعْمَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ إِبْطَالًا عَامًّا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ اسْتَأْنَفَ اسْتِئْنَافًا اسْتِطْرَادِيًّا بِمَا فِيهِ جُمَّاعُ مُقَوِّمَاتِ الدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي يَجْمَعُهُ مَعْنَى الْقِسْطِ أَيِ الْعَدْلِ تَعْلِيمًا لَهُمْ بِنَقِيضِ جَهْلِهِمْ ، وَتَنْوِيهًا بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى ، بِأَنْ يَعْلَمُوا مَا شَأْنُهُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ بِهِ . وَلِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْغَرَضِ ، وَلِمُضَادَّتِهِ لِمُدَّعَاهُمُ الْمَنْفِيِّ فِي جُمْلَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ فُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَلَمْ يُعْطَفِ الْقَوْلُ عَلَى الْقَوْلِ وَلَا الْمَقُولُ عَلَى الْمَقُولِ : لِأَنَّ فِي إِعَادَةِ فِعْلِ الْقَوْلِ وَفِي تَرْكِ عَطْفِهِ عَلَى نَظِيرِهِ لَفْتًا لِلْأَذْهَانِ إِلَيْهِ .
وَالْقِسْطُ : الْعَدْلُ وَهُوَ هُنَا الْعَدْلُ بِمَعْنَاهُ الْأَعَمِّ ، أَيِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ وَسَطٌ بَيْنِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الْأَشْيَاءِ ، وَهُوَ الْفَضِيلَةُ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ ، فَاللَّهُ أَمَرَ بِالْفَضَائِلِ وَبِمَا تَشْهَدُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ أَنَّهُ صَلَاحٌ مَحْضٌ وَأَنَّهُ حَسَنٌ مُسْتَقِيمٌ ، نَظِيرُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا فَالتَّوْحِيدُ عَدْلٌ بَيْنَ الْإِشْرَاكِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَالْقِصَاصُ مِنَ الْقَاتِلِ عَدْلٌ بَيْنَ إِطْلَالِ الدِّمَاءِ وَبَيْنَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ قَبِيلَةِ الْقَاتِلِ لِأَجْلِ جِنَايَةِ وَاحِدٍ مِنَ الْقَبِيلَةِ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ . وَأَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ ، وَهُوَ عَدْلٌ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْإِسْرَافِ ، فَالْقِسْطُ صِفَةٌ لِلْفِعْلِ فِي ذَاتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُلَائِمًا لِلصَّلَاحِ عَاجِلًا وَآجِلًا ، أَيْ سَالِمًا مِنْ عَوَاقِبِ الْفَسَادِ ، وَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْقِسْطَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ التَّوْحِيدَ مِنْ أَعْظَمِ الْقِسْطِ ، وَهَذَا إِبْطَالٌ لِلْفَوَاحِشِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهَا لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْفَوَاحِشِ لَيْسَ
[ ص: 87 ] بِقِسْطٍ ، وَكَذَلِكَ اللِّبَاسُ فَإِنَّ التَّعَرِّيَ تَفْرِيطٌ ، وَالْمُبَالَغَةَ فِي وَضْعِ اللِّبَاسِ إِفْرَاطٌ ، وَالْعَدْلُ هُوَ اللِّبَاسُ الَّذِي يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَدْفَعُ أَذَى الْقَرِّ أَوِ الْحَرِّ ، وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ فَتَحْرِيمُ بَعْضِهِ غُلُوٌّ ، وَالِاسْتِرْسَالُ فِيهِ نَهَامَةٌ ، وَالْوَسَطُ هُوَ الِاعْتِدَالُ ، فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ كَلَامٌ جَامِعٌ لِإِبْطَالِ كُلِّ مَا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْقِسْطِ .
ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِأَمْرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ عَنِ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فَجُمْلَةُ : وَأَقِيمُوا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ أَيْ قُلْ لِأُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ . وَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ مِنْهُ إِبْطَالُ بَعْضٍ مِمَّا زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهِ بِطَرِيقِ أَمْرِهِمْ بِضِدِّ مَا زَعَمُوهُ لِيَحْصُلَ أَمْرُهُمْ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ بِالتَّصْرِيحِ ، وَإِبْطَالُ شَيْءٍ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهِ بِالِالْتِزَامِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ لِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ النَّهْيَ عَنْ شَيْءٍ وَفَعَلَ ضِدَّهُ يَأْمُرُ بِضِدِّهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضَانِ مِنْ أَمْرِهِ .
وَإِقَامَةُ الْوُجُوهِ تَمْثِيلٌ لِكَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فِي مَوَاضِعِ عِبَادَتِهِ ، بِحَالِ الْمُتَهَيِّئِ لِمُشَاهَدَةِ أَمْرٍ مُهِمٍّ حِينَ يُوَجِّهُ وَجْهَهُ إِلَى صَوْبِهِ ، لَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةَ ، فَذَلِكَ التَّوَجُّهُ الْمَحْضُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ إِقَامَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَجْهَ قَائِمًا ، أَيْ غَيْرَ مُتَغَاضٍ وَلَا مُتَوَانٍ فِي التَّوَجُّهِ ، وَهُوَ فِي إِطْلَاقِ الْقِيَامِ عَلَى الْقُوَّةِ فِي الْفِعْلِ كَمَا يُقَالُ : قَامَتِ السُّوقُ ، وَقَامَتِ الصَّلَاةُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْمَسَاجِدِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ تَعْظِيمُ الْمَعْبُودِ وَمَكَانُ الْعِبَادَةِ . وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَعْظِيمِهِ وَلَا تَعْظِيمِ مَسَاجِدِهِ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِثْلَ التَّعَرِّي ، وَإِشْرَاكُ اللَّهِ بِغَيْرِهِ فِي الْعِبَادَةِ مُنَافٍ لَهَا أَيْضًا ، وَهَذَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341786الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ فَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَرِّي
[ ص: 88 ] مَقْصُودٌ هُنَا لِشُمُولِ اللَّفْظِ إِيَّاهُ ، وَلِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ بِتَكْرِيرِ الِامْتِنَانِ وَالْأَمْرِ بِاللِّبَاسِ : ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا إِلَى هُنَا .
وَمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ عِنْدَ كُلِّ مَكَانٍ مُتَّخَذٍ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاسْمُ الْمَسْجِدِ مَنْقُولٌ فِي الْإِسْلَامِ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ الْمَحْدُودِ الْمُتَّخَذِ لِلصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ ، فَالشَّعَائِرُ الَّتِي يُوقِعُونَ فِيهَا أَعْمَالًا مِنَ الْحَجِّ كُلُّهَا مَسَاجِدُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَسَاجِدُ غَيْرَ شَعَائِرِ الْحَجِّ ، فَذِكْرُ الْمَسَاجِدِ فِي الْآيَةِ يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ إِقَامَةُ الْوُجُوهِ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ فِي الْحَجِّ بِأَنْ لَا يُشْرِكُوا مَعَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْنَامِهِمْ بِالنِّيَّةِ ، كَمَا كَانُوا وَضَعُوا هُبَلَ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ لِيَكُونَ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ لِلَّهِ وَلِهُبَلَ ، وَوَضَعُوا إِسَافًا وَنَائِلَةَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَكُونَ السَّعْيُ لِلَّهِ وَلَهُمَا . وَكَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يُهِلُّونَ إِلَى مَنَاةَ عِنْدَ الْمُشَلَّلِ ، فَالْأَمْرُ بِإِقَامَةِ الْوُجُوهِ عِنْدَ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا أَمْرٌ بِالْتِزَامِ التَّوْحِيدِ وَكَمَالِ الْحَالِ فِي شَعَائِرِ الْحَجِّ كُلِّهَا ، فَهَذِهِ مُنَاسَبَةُ عَطْفِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ عَقِبَ إِنْكَارِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ بِالْفَحْشَاءِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ ، وَإِثْبَاتِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقِسْطِ مِمَّا يُضَادُّهَا .
وَهَذَا الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمُ الْمُتَّصِفُونَ بِضِدِّهِ ، فَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ حَظُّ الدَّوَامِ عَلَيْهِ ، كَمَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ حَظُّ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالتَّفْرِيطِ فِيهِ .
وَالدُّعَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ أَيِ اعْبُدُوهُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=194إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وَالْإِخْلَاصُ تَمْحِيضُ الشَّيْءِ مِنْ مُخَالَطَةِ غَيْرِهِ .
وَالدِّينُ بِمَعْنَى الطَّاعَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ دِنْتُ لِفُلَانٍ أَيْ أَطَعْتُهُ .
[ ص: 89 ] وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّهُ تَعَالَى : الدَّيَّانُ ، أَيِ الْقَهَّارُ الْمُذَلِّلُ الْمُطَوِّعُ لِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وَالْمَقْصِدُ مِنْهَا إِبْطَالُ الشِّرْكِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي إِبْطَالِهِ تَحْقِيقٌ لِمَعْنَى الْقِسْطِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَالِكَ ، وَ مُخْلِصِينَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي ادْعُوهُ .
وَجُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=30337كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي قَوْلِهِ مُخْلِصِينَ وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ أَيْ : مُقَدِّرِينَ عَوْدَكُمْ إِلَيْهِ وَأَنَّ عَوْدَكُمْ كَبَدْئِكُمْ ، وَهَذَا إِنْذَارٌ بِأَنَّهُمْ مُؤَاخَذُونَ عَلَى عَدَمِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُوَ قَوْلُهُ : تَعُودُونَ أَيْ إِلَيْهِ ، وَأُدْمِجَ فِيهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29كَمَا بَدَأَكُمْ تَذْكِيرًا بِإِمْكَانِ الْبَعْثِ الَّذِي أَحَالُوهُ ; فَكَانَ هَذَا إِنْذَارٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَائِدُونَ إِلَيْهِ فَمُجَازُونَ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ فِي عِبَادَتِهِ ، وَهُوَ أَيْضًا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَمِ جَدْوَى عِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ ، وَإِثْبَاتٌ لِلْبَعْثِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ بِدَفْعِ مُوجِبِ اسْتِبْعَادِهِمْ إِيَّاهُ ، حِينَ يَقُولُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَيَقُولُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=10أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ ، بِأَنَّ ذَلِكَ الْخَلْقَ لَيْسَ بِأَعْجَبِ مِنْ خَلْقِهِمُ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وَكَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَيْ بِنَقِيضِ تَقْدِيرِ اسْتِبْعَادِهِمُ الْخَلْقَ الثَّانِيَ ، وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مُنْفَرِدٌ بِخَلْقِهِمُ الثَّانِي ، كَمَا انْفَرَدَ بِخَلْقِهِمُ الْأَوَّلِ ، فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِالْجَزَاءِ فَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ شَيْئًا .
فَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ لِتَشْبِيهِ عَوْدِ خَلْقِهِمْ بِبَدْئِهِ وَ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ : تَعُودُونَ عَوْدًا جَدِيدًا كَبَدْئِهِ إِيَّاكُمْ ، فَقُدِّمَ الْمُتَعَلِّقُ الدَّالُّ عَلَى التَّشْبِيهِ ، عَلَى فِعْلِهِ ، وَهُوَ تَعُودُونَ ، لِلِاهْتِمَامِ بِهِ ، وَقَدْ فُسِّرَتِ الْآيَةُ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ بِمَعَانٍ هِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ سِيَاقِهَا وَنَظْمِهَا .
[ ص: 90 ] وَ فَرِيقًا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ : إِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي تَعُودُونَ أَيْ تَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ فَرِيقَيْنِ ، فَاكْتُفِيَ عَنْ إِجْمَالِ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ تَفْصِيلِهِمَا بِالتَّفْصِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْإِجْمَالِ تَعْجِيلًا بِذِكْرِ التَّفْصِيلِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30فَرِيقًا هَدَى : أَنَّ فَرِيقًا هَدَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا " وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ " ، أَيْ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَإِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي قَوْلِهِ : مُخْلِصِينَ أَيِ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ حَالَ كَوْنِكُمْ فَرِيقَيْنِ : فَرِيقًا هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِخْلَاصِ وَنَبْذِ الشِّرْكِ ، وَفَرِيقًا دَامَ عَلَى الضَّلَالِ وَلَازَمَ الشِّرْكَ .
وَجُمْلَةُ : هَدَى فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ " فَرِيقًا " الْأَوَّلِ ، وَقَدْ حُذِفَ الرَّابِطُ الْمَنْصُوبُ : أَيْ هَدَاهُمُ اللَّهُ ، وَجُمْلَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ صِفَةُ " فَرِيقًا " الثَّانِي .
وَهَذَا كُلُّهُ إِنْذَارٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الضَّلَالِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28798وَتَحْذِيرٌ مِنَ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ ، وَتَحْرِيضٌ عَلَى تَوَخِّي الِاهْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إِسْنَادُهُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ : هَدَى فَيَعْلَمُ السَّامِعُونَ أَنَّهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِ فَرِيقَيْنِ كَانَ الْفَرِيقُ الْمُفْلِحُ هُوَ الْفَرِيقُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَأَنَّ الْفَرِيقَ الْخَاسِرَ هُمُ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ وَاتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=19أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ . وَتَقْدِيمُ " فَرِيقًا " الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى عَامِلَيْهِمَا لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّفْصِيلِ .
وَمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ثَبَتَتْ لَهُمُ الضَّلَالَةُ وَلَزِمُوهَا . وَلَمْ يُقْلِعُوا عَنْهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ كُلَّهُمْ ، فَلَمَّا أُمِرُوا بِأَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ افْتَرَقُوا فَرِيقَيْنِ : فَرِيقًا هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَفَرِيقًا لَازَمَ الشِّرْكَ وَالضَّلَالَةَ ، فَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِمْ حَالٌ جَدِيدٌ . وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ حُسْنُ مَوْقِعِ لَفْظِ " حَقَّ " هُنَا دُونَ أَنْ يُقَالَ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، لِأَنَّ ضَلَالَهُمْ قَدِيمٌ مُسْتَمِرٌّ اكْتَسَبُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ،
[ ص: 91 ] فَلَيْسَ تَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ بَيْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30فَرِيقًا هَدَى وَبَيْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ تَحَاشِيًا عَنْ إِسْنَادِ الْإِضْلَالِ إِلَى اللَّهِ ، كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَ الْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا عُلِمَتْ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، وَلَكِنَّ اخْتِلَافَ الْأُسْلُوبِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ .
وَجُرِّدَ فِعْلُ " حَقَّ " عَنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ حَقِيقِيِّ التَّأْنِيثِ ، وَقَدْ أُظْهِرَتْ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ فِي نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=30إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اسْتِئْنَافٌ مُرَادٌ بِهِ التَّعْلِيلُ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ، وَهَذَا شَأْنُ إِنَّ إِذَا وَقَعَتْ فِي صَدْرِ جُمْلَةٍ عَقِبَ جُمْلَةٍ أُخْرَى أَنْ تَكُونَ لِلرَّبْطِ وَالتَّعْلِيلِ وَتُغْنِي غَنَاءَ الْفَاءِ ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ .
وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْفَرِيقَ ، الَّذِي حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ، لَمَّا سَمِعُوا الدَّعْوَةَ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ ، لَمْ يَطْلُبُوا النَّجَاةَ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي ضَلَالِ الشِّرْكِ الْبَيِّنِ ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَوْحَوْا شَيَاطِينَهُمْ ، وَطَابَتْ نُفُوسُهُمْ بِوَسْوَسَتِهِمْ ، وَائْتَمَرُوا بِأَمْرِهِمْ ، وَاتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَدُومُوا عَلَى ضَلَالِهِمْ لِأَجْلِ اتِّخَاذِهِمُ الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وَعَطَفَ جُمْلَةَ : وَيَحْسَبُونَ عَلَى جُمْلَةِ : اتَّخَذُوا فَكَانَ ضَلَالُهُمْ ضَلَالًا مُرَكَّبًا ، إِذْ هُمْ قَدْ ضَلُّوا فِي الِائْتِمَارِ بِأَمْرِ أَيِّمَةِ الْكُفْرِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ ، وَلَمَّا سَمِعُوا دَاعِيَ الْهُدَى لَمْ يَتَفَكَّرُوا ، وَأَهْمَلُوا النَّظَرَ ، لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمْ شَكٌّ فِي أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَى النَّظَرِ فِي صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَالْحُسْبَانُ الظَّنُّ ، وَهُوَ هُنَا ظَنٌّ مُجَرَّدٌ عَنْ دَلِيلٍ ، وَذَلِكَ أَغْلَبُ مَا يُرَادُ بِالظَّنِّ وَمَا يُرَادِفُهُ فِي الْقُرْآنِ .
[ ص: 92 ] وَعَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا ، وَاعْتِبَارُهُمَا سَوَاءً فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْفَرِيقِ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ، لِقَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ضَلَالَهُمْ حَاصِلٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَبَرَيْنِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28806فَوِلَايَةُ الشَّيَاطِينِ ضَلَالَةٌ ، وَحُسْبَانُهُمْ ضَلَالَهُمْ هُدًى ضَلَالَةٌ أَيْضًا ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ عَنْ عِنَادٍ ، إِذْ لَا عُذْرَ لِلضَّالِّ فِي ضَلَالِهِ بِالْخَطَأِ ، لِأَنَّ اللَّهَ نَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى الْحَقِّ وَعَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ .