الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          مباحث في الأيمان .

                          1 ( لا يجوز في الإسلام الحلف بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته ) .

                          قال صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " ورواه الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عمر ، ورويا عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " وروى أحمد والنسائي وصححه وابن ماجه عن قتيلة بنت صيفي " أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تنددون ( أي تتخذون لله أندادا ) وإنكم تشركون وتقولون : ما شاء الله [ ص: 35 ] وشئت ، وتقولون : والكعبة ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : ورب الكعبة ، ويقول أحدهم : ما شاء الله ثم شئت ، أي لبيان أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب ، وكان ذلك من عادة بعض الناس في الخطاب وليس المراد أنه كان مشروع ثم نهى عنه لقول اليهودي .

                          وروى أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه من حديث ابن عمر مرفوعا : " من حلف بغير الله فقد كفر " ورواه أحمد بلفظ " فقد أشرك " وروى بهما وروى أحمد والبخاري وأصحاب السنن عن ابن عمر قال : " كان أكثر ما يحلف به النبي صلى الله عليه وسلم يحلف : " لا ومقلب القلوب " وثبت في الصحيحين الحلف بعزة الله تعالى ، فإذن لا فرق بين صفات الذات وصفات الأفعال .

                          وحكى الحافظ ابن عبد البر الإجماع على عدم جواز الحلف بغير الله تعالى ، قالوا ومراده به ما يشمل القول بالكراهة ، إذ اختلف الفقهاء في حكمه فقيل : حرام ، وقيل : مكروه تحريما ، بل هو الذي يصح أن يحمل عليه حديث " فقد كفر " كالذين يحلفون بمن يعتقدون عظمتهم من الصالحين ويلتزمون البر بقسمهم بهم ويخالفون عاقبة الحنث ، ومن هؤلاء من يحلف بالله كاذبا ولا يحلف بالبدوي ولا بالمتولي وأمثالهما كاذبا ، والثاني حرام ، والثالث منه المكروه وهو ما فيه شبه تعظيم ديني ، ومنه المباح وهو ما ليس فيه ذلك وقد سئلنا عن حكم الحلف بغير الله فأفتينا بما نصه ( ص858 من مجلد المنار السادس عشر ) .

                          صح في الأحاديث المتفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف بغير الله ، ونقل الحافظ ابن عبد البر الإجماع على عدم جوازه ، قال بعضهم : أراد بعدم الجواز ما يشمل التحريم والكراهة ، فإن بعض العلماء قال : إن النهي للتحريم ، وبعضهم قال : إنه للكراهة وبعضهم فصل فقالوا : إذا تضمن الحلف تعظيم المحلوف به كما يعظم الله تعالى كان حراما وإلا كان مكروها ، أقول : وكان الأظهر أن يقال إن المحرم أن يحلف بغير الله حلفا يلتزم به فعل ما حلف عليه والبر به ، لأن الشرع جعل هذا الالتزام خاصا بالحلف به أي بأسمائه وصفاته ، فمن خالفه كان شارعا لشيء لم يأذن به الله ، وبهذا يفرق بين اليمين الحقيقي وبين ما يجيء بصيغة القسم من تأكيد الكلام وهو من أساليب اللغة ، وقد قالوا بمثل هذه التفرقة في الجواب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي " أفلح وأبيه إن صدق " فقد ذكروا له عدة أجوبة منها نحو ما ذكرناه ، فقال البيهقي : إن ذلك كان يقع من العرب ويحتوي على ألسنتهم من دون قصد للقسم ، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف ، قال النووي في هذا : [ ص: 36 ] الجواب : إنه هو الجواب المرضي ، وأجاب بعضهم بقوله : إن القسم كان يجري في كلامهم على وجهين : للتعظيم والتأكيد ، والنهي إنما وقع عن الأول وأقول : إن هذا عندي بمعنى قول البيهقي ، وقيل : إنه نسخ ، وقيل : إنه خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم وقد ردوهما والظاهر أن ما كان من حلف قريش بآبائهم كان يقصد به التعظيم والتزام ما حلف عليه ، ولذلك كان من أسباب النهي ، وإلا فلأنهم مشركون غالبا .

                          روى أحمد والشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ، وفي لفظ " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " فكانت قريش تحلف بآبائها فقال : " لا تحلفوا بآبائكم " رواه مسلم والنسائي ، وروى الشيخان ، عنه أيضا " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حصر ، وفي معناه حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن حبان والبيهقي مرفوعا : " لا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون " .

                          فهذه الأحاديث الصحيحة ولا سيما ما ورد بصيغة الحصر منها صريحة في حظر الحلف بغير الله تعالى ، ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم " غير الله تعالى " والكعبة وسائر ما هو معظم شرعا تعظيما يليق به ، ولا يجوز أن يعظم شيء كما يعظم الله عز وجل ولا سيما التعظيم الذي يترتب عليه أحكام شرعية ، ولقد كان غلو الناس في أنبيائهم والصالحين منهم سببا لهدم الدين من أساسه واستبدال الوثنية به ، ونسأل الله الاعتدال في جميع الأقوال والأفعال .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية