الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تجوز هبة الثمر والزرع قبل الصلاح وما تلد أمتك ، أو غنمك ، أو ما في ضروعها ، أو على ظهورها من صوف ، وحوزه بحوز الأصول والأمة والأرض وعليك تسليم ذلك إليه والسقي عليه لتسلمه ماله ، وحوز الخدمة بحوز العبد ، والسكنى بحوز الدار ، وبحوز ثمرة النخل عشرين سنة ، وما تلد أمتك ، ويكفي حوز الأصل لأنه الممكن ، أو يحوزه أجنبي ، ومنع ( ش ) وأحمد هبة المجهول ، ووافقنا على الوصية ؛ لنا القياس عليها .

                                                                                                                ‌‌‌ قاعدة : العقود منها مشتمل على المعاوضة كالبيع والإجارة ، وغير مشتمل [ ص: 244 ] عليها كالوصية والهبة والإبراء ، ومتردد بين الفئتين كالنكاح ، فإنه تشترط فيه المالية وهي غير مقصودة في المواصلة ، والمكارمة والمكارمة ، فحصل الشبهان ، وورد الشرع بالنهي عن بيع الغرر والمجهول صونا للمالية عن الضياع في أحد العوضين ، أو في كليهما ; لأن مقصوده تنمية الأموال وهما محلان لذلك ، فناقضا العقد ، فلذلك نهي عنهما وما لا معاوضة فيه في غاية البعد عن قصد التنمية ، بل هو ممحقة للمال فلا يناقضه الغرر والجهالة ، فلذلك جوزناهما في ذلك ، فإن قاس الخصم على البيع ، فالفرق عقيم كما ترى ، فيتعين فيتعين أن الحق معنا ، ولهذا السر جوزنا الغرر والجهالة في الخلع مطلقا ، وجوزنا في صداق النكاح ، وما خف منهما لتوسطه بين القسمين وسطناه فيهما ، فعلى هذه القاعدة تتخرج فروع المذهب وتظهر منها الفروق بين الأبواب ، ويظهر أن الحق قول مالك - رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                                                                                نظائر : قال العبدي : يجوز الغرر في خمس مسائل : الهبة ، والحمالة ، والرهن عند ابن القاسم إلا في الجنين كرهه في المدونة وأجازه مالك ، والخلع عند ابن القاسم ، وقيل يكره ، وقيل يفسخ ، وله خلع المثل ، والصلح في العمد مختلف فيه ، ومنعه ابن القاسم ، قال ابن يونس : وافق أشهب في الحوز المتقدم إلا ما في بطون الأمهات ، فإنه جوز الهبة فيه ولا بد من قبض الموهوب ; لأن العتق فيه لا يتم حتى يخرج ، فكذلك الهبة ، وقد تباع الأم قبل ذلك في دين يحدث ، ويجوز بيع الأصول وتبقى له الثمرة ولا يبقى له الجنين ، قال محمد : وهو الصواب ، وإن وهبك أرضا فحوزها بأن تكريها أو تحرثها وتغلق عليها غلقا ، فإن أمكنك شيء من ذلك فلم تفعله حتى مات المعطي فلا شيء لك ، وإن كانت يتعذر فيها ذلك كله ومات فهي نافذة وحوزها بالإشهاد ، ولو كانت الدار حاضرة أو غائبة فلم يحزها حتى مات بطلت ، وإن لم يفرط ; لأن لها وجها تحاز به ، وإذا قلت في الأرض الغاصبة قبلت وحزت لم يكن ذلك حوزا ; لأن الإخبار عن الطهارة لا يقوم مقام [ ص: 245 ] الطهارة ، وهو كالشهادة على الإقرار كما قاله في الكتاب ، وفي التنبيهات في كون حوز الرقاب حوزا للهبة أربعة أقوال : حوز ، وليس بحوز ؛ وقاله ابن حبيب ، وحوز إن كان فيها ثمر وفي الأمهات حمل وإلا فلا ؛ قاله عبد الملك ، وتفرقة أشهب المتقدمة .

                                                                                                                فرع : ،

                                                                                                                قال ابن يونس : لا يكفي الإقرار بالحوز ولا الإشهاد عليه لما تقدم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ويكفي قولك قبلت فيما في يدك ، وإن لم تقل قبلت حتى مات بطلت ، وقال غيره ذلك حوز ، وقال ( ش ) لا بد بعد القبول من زمان يتأتى فيه القبض ، وقال ابن حنبل يكفي القبول .

                                                                                                                تمهيد : القبض إنما اشترط عندنا لنفي التهمة لئلا ينتفع ينتفع الإنسان بماله عمره ويخرجه عن ورثته عند الموت ، فلذلك كفى الإشهاد في بعض الصور وحوز الأجنبي ، واستغني عنه في المودع والغاصب ونحوهما لحصول المقصود بدونه ، وعند الشافعي هو سبب انتقال الملك وتوجه الحجة للموهوب ، لنا القياس على البيع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا وهب عبدا لابنه الصغير وأجنبي ، فلم يقبض الأجنبي حتى مات الواهب بطلت كما لو حبس على ولده الصغير والكبير ومات قبل قبض الكبير بخلاف ما حبس عليهم وهم صغار كلهم ; لأنه يحوز لهم ، وعن مالك إذا تصدق على ولده الصغير مع الكبير ، أو أجنبي يصح نصيب الصغير بحوز والده ويبطل ما سواه لعدم الحوز ، وفي الحبس يبطل الجميع لتعذر القسمة .

                                                                                                                [ ص: 246 ] قال صاحب التنبيهات ، قيل : الخلاف في الصدقة والحبس مبني على الخلاف في حوز المتصدق عليه مع المتصدق فيما بينهما فيه شركة ، فعلى القول بالصحة يصح ها هنا للصغير والكبير وعلى القول بالبطلان يبطل ، وعنه التسوية بين الحبس والصدقة في جواز حصة الصغير إذا ميزه الأب ومنع نفسه من منافعه ، قال التونسي : إذا سكن دار ابنه الصغير فلم يخرج منها حتى باعها ولم يقبضها المشتري حتى مات الواهب ، الثمن للولد ، ونفذت الهبة ; لأنه مات في دار المشتري ، وسواء باعها باسم ابنه ، أو جهل ذلك ، ولو تصدق على ولده الصغير على أنه يحوز غيره وبقيت في يده حتى مات بطلت ; لأنه لم يحوزها ، ولو جعلها على يد غيره ثم ارتجعها ، بطلت إلا أن يشهد أني لم أرتجعها إلا لأحوزها لولدي وفعل ذلك ; لأنه أولى بالحوز من غيره ، أو ليس ذلك إلا أن يطرأ ما يوجب إزالة يد الأجنبي نفيا للبس في الحوز قولان ، وأصوب الأقوال إن كانت مما يحوزها الأب ليست دنانير ولا طعاما أنه حوز ، وإن كانت دنانير ، أو ما لا يحوزه الأب لولده لم يكن حوزا ، ولو قال خدمة عبدي لولدي ورقبته لفلان وحازه الأب لولده ثم مات الأب لم تصح لفلان رقبته لبقاء يد الأب عليها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال التونسي : إذا تصدق على ولده الصغير بدار وأشهد ، ثم مات فقال الكبار : كان ساكنا فيها ، وقال الصغير : لم يسكن ، فهي على الحوز حتى يثبت خلافه ; لأن أصل التصرفات حملها على الصحة ; ولأن ظاهر حال الأب - في شفقته - تحصيل مصلحة الولد ، فإن وجد بيد الكبار بعد الموت شيء وقامت البينة على صدقته وجهل وقت حوزهم قال عبد الملك : لا بد من البينة على حوزهم قبل الموت والفلس ; لأن الأصل عدم تقدم الحوز ، وقيل لا ; لأن اليد دليل الملك ، وقد قيل : إذا ثبت بالبينة أن زوجها أعطاها عبدا في صداقها وثبت أنه أعتقه وجهل التاريخ فهي أولى إن كان في يدها وإلا عتق ، قال : ويشبه أن تملك نصفه ويعتق نصفه ، كما لو ثبت أنه أوصى بعتقه وأثبت الآخر أنه أوصى له [ ص: 247 ] به وجهل تاريخ الإشهاد ، قيل يعتق بالقيمة لضرورة تساوي الدعاوي .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وإذا تصدق بالعبد على ولده الصغير فكان يخدم الأب ، وربما خدم الابن ، جعله ابن القاسم محوزا ، ومنع أشهب ، قال وهو أشبه ; لأن جل المنافع إذا بقيت للأب لم يكن حوزا إلا أن يريد ابن القاسم أنه ممن يؤجر فتكون الأجرة للابن وخدمة الأب كانت يسيرة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا تصدق أحد الزوجين على الآخر بفرش البيت ، أو بخادم جاز إذا أشهد على ذلك ؛ قاله ابن القاسم وأشهب ، قال ابن القاسم : وليس المسكن كذلك بل إن تصدقت به عليه كان حوزا له ; لأن عليه إسكانها بخلافه ; لأنه باق في يديه ، وعن مالك في الخادم والفرش أنه ضعيف ، قال والحق التسوية ; لأنه يجب عليه إخدامها وما يصلحها فإذا منع في صدقته عليها لأجل الحوز في الدار فكذلك غيره إلا أن الصحة في الخادم والفرش إنما تكون لضرورة بقائه في يد الواهب كما قيل في هدية المسافر والأضاحي وغيرها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو وهب لحاضر وغائب فحاز الحاضر الجميع لهما صح لارتفاع يد الواهب ، ولو قسم نصفه فحازه الحاضر وأبقى نصيب الغائب لم يحز حتى مات الواهب ، بطل نصيب الغائب لعدم الحوز .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا وهب أحد الشركاء في الأرض جهة معينة قسمت الأرض على مذهب ابن القاسم ، فإن صار للواهب ما وهب سلمه ، أو غيره بطلت الهبة لعدم مصادفة العقد ملكا ، وقيل يعوض عنه ; لأن العقد اقتضى ذلك الحوز وهو عاوض عنه في القسمة فيعطيه ذلك العوض وإذا فرعنا على أن القسمة بيع [ ص: 248 ] اتجه هذا ، أو تمييز حق اتجه قول ابن القاسم ; لأن الغيب انكشف على أن حقه هذا الذي لم يهبه .

                                                                                                                فرع : ،

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا أعطى امرأته النصرانية داره على أن تسلم فأسلمت ، هو كالبيع لا يحتاج إلى حوز ، وقال أصبغ : عطية تحتاج إلى الحوز ; لأن الإسلام لا يكون ثمنا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا وهب لغائب وجعله على يد من يحوز له كان حوزا ; لأن أحباس السلف كان يحوزها الحاضر للغائب ، وكذلك يدفع لمن يحوز للصغير حتى يبلغ ، وإن كان له أب ، أو وصي حاضر ; لأن الواهب أخرج الجميع من يده على هذه الصفة ، ولو كان كبيرا رشيدا حرا وأمرت ألا تدفع إليه ولو إلى أجل بطل الحوز إن لم يقبضها حتى مت لوجود أهلية الحوز ، فلا ضرورة حينئذ ، وليس لك فيه غرض صحيح بخلاف الصغير يتوقع صلاح حاله ، أو نتهم الأب عليه إلا أن تحبس على الكبير غلة نخل وتجعلها على يد من يحوزها عليه صح ; لأن الأحباس ما زالت كذلك في السلف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لا يعتبر حوز الأم في هبتها لصغار بنيها ولا لابنتها البكر البالغ ، وإن أشهدت لعدم ولايتها على حفظ المال إلا أن تكون وصية الوالد أو الوصي بخلاف الأب ، وإن بلغ الابن حالة يصح حوزه فلم يجز حتى مات الأب بطلت لعدم الحوز مع إمكانه ، قال اللخمي : يصح حوز الأب لولده العقار والعروض والعبيد [ ص: 249 ] ونحوها ، قال مالك : ولا يحوز الدنانير والدراهم إلا أن يصنعها على يد غيره لعدم تعيينها خلافا ل ( ش ) و ( ح ) فيهما ; لأنها تتعين عندهما ، قال محمد : إن أشهد على طابعه ، وعن مالك إذا أشهد فهو حوز ، وهذا إذا بقيت عينا فإن اشترى بها سلعة وأشهد صح الحوز ، وإن كانت الصدقة عرضا فأشهد وباعه بالعين نفذت لصحة الحوز أولا ، وقال محمد : إن وهبه دينا على رجل فمات قبل القبض نفذ ولو قبضه ثم مات وهو في يديه ، أو تسلفه نفذ ، وجعل الدين كالعرض ، والطوق والسوار كالعرض والتبر والنقر واللؤلؤ والزمرد والحديد والنحاس والكتان ، وكل ما يكال أو يوزن يختلف فيه كالعين ، قال : والجواز في الجميع أحسن ، وإن وهبت الأم ما لم يستغل لم يصح حوزها ، فإن وهبت غلاما فكان يخدم الولد ، أو ثوبا ، أو حليا فكان يلبسه قال مالك صح ، ومنعه ابن القاسم وأشهب إلا أن تكون وصية ، ويصح حوز الصبي لما وهبه ليتيمه كحوز الأب له ، قال ابن يونس : عند ابن القاسم وأشهب إذا وهبت الأم حاز السلطان ، وإن أخرجتها من يدها وحوزتها غيرها صح لولايتها على مالها ، وهذا تصرف فيه لا في مال الولد ، وقال عبد الملك : حيازة الأم لليتيم الصغير جائزة فيما وهبته ، أو أجنبي ، وكذلك من ولي يتيما حسبة إن تقدمت الولاية قبل الصدقة كما يشتري له طعامه وإلا فلا للتهمة ، ومنعه ابن القاسم إلا أن تكون وصية ، والأجداد كالأب والجدات كالأم إذا كان في حجر أحدهما ، وغيرهم لا يحوز لكن يجعل ذلك لغيره ، ووافقا الأئمة في اختصاص ولاية الحوز بها ولاء غير أن ( ش ) اشترط أن يقول الأب قبلت ; لأن القبول باللفظ ركن عنده ، وألحق ( ح ) الأم والأجنبي بالأب في ولاية الحوز إذا كان في حجرهما ، وجوز قبض الصبي لنفسه ; لأن الناس ما زالوا يتصدقون على الصبيان في سائر الأعصار ، وخالفه ( ش ) وأحمد ، ومنع ( ش ) أن يوكل الواهب من يقبض للغائب ; لأنه وكيل للواهب لا للموهوب .

                                                                                                                [ ص: 250 ] فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : في البكر يحوز لها أبوها ، وإن عنست لثبوت الحجر عليها ، وعنه إلا أن تكون عنست وهو على الخلاف في ارتفاع الحجر عليها بالتعنيس ، وقال ابن عبد الحكم : إلا أن تبلغ خمسين سنة فلا يحوز لها إلا برضاها ، فإن فعل بغير رضاها أجزته .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : لا يخرج الغلام من الولاية بمجرد الاحتلام ، بل إن جاز له بحدثان احتلامه فهو حوز .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يحوز الأب لابنه الصغير الرقيق ; لأن سيده يحوز ماله ، وولاية السيد مقدمة ، فإن جعل الأب هبة على يد أجنبي جاز وإن كره السيد كالشرط في الوقف هو موكول للواقف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لا يحوز الزوج لامرأته ، وله أن يحوز ذلك عند غيره ، ولا يحوز واهب للموهوب إلا الأب ، أو الوصي ، أو من يجوز أمره .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : أم الولد كالحرة في الحوز تحوز ما لا يزايلها حيث انتقل بها سيدها بالإشهاد والإعلان لعجزها عن غير ذلك ، وأما الدار والأرض والشجر المباين لها فبخروج السيد من الدار وبزراعة الأرض وبقبض خراج السيد وبلبس الحلي وغيره وكل ما يدل على القبض ، وإن لم تفعل ذلك فلا شيء لها ولو ادعت متاع البيت كلفت البينة ، وإن كان متاع النساء بخلاف الحرة ; لأن العادة أن الشوار للحرائر دون الإماء ، وتصدق فيما عليها من حلي وغيره ; لأن اليد [ ص: 251 ] دليل الملك ; ولأن الغالب في لباسها أنه وهب لها ، قال عبد الملك : إذا وهبها مالا يشبه عطيتها رد ما زاد ; لأنه يتهم في إزواء ماله من الورثة كانت العطية مرة ومرات ، وقال أصبغ : إن كان في مرة ردت العطية كلها كزيادة ذات الزوج على الثلث ، أو مرارا أنفذ ما لا يصرف فيه ورد ما يتهم فيه ، قال صاحب المنتقى : أم أم الولد كالحرة في صدقة سيدها عليها ؛ قاله ابن القاسم ، وقال ابن العطار : يحوز سيدها لها صدقته عليها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية