nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28978_29468_19047_28738إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين
استئناف ابتدائي مسوق لتحقيق خلود الفريقين في النار ، الواقع في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=36والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون فأخبر الله بأنه حرمهم أسباب النجاة ، فسد عليهم أبواب الخير والصلاح ، وبأنه حرمهم من دخول الجنة .
وأكد الخبر بـ ( إن ) لتأييسهم من دخول الجنة ، لدفع توهم أن يكون المراد من الخلود المتقدم ذكره الكناية عن طول مدة البقاء في النار فإنه ورد في مواضع كثيرة مرادا به هذا المعنى .
[ ص: 126 ] ووقع الإظهار في مقام الإضمار لدفع احتمال أن يكون الضمير عائدا إلى إحدى الطائفتين المتحاورتين في النار ، واختير من طرق الإظهار طريق التعريف بالموصول إيذانا بما تومئ إليه الصلة من وجه بناء الخبر ، أي : إن ذلك لأجل تكذيبهم بآيات الله واستكبارهم عنها ، كما تقدم في نظيرها السابق آنفا .
والسماء أطلقت في القرآن على معان ، والأكثر أن يراد بها العوالم العليا غير الأرضية ، فالسماء مجموع العوالم العليا وهي مراتب وفيها عوالم القدس الإلهية من الملائكة والروحانيات الصالحة النافعة ، ومصدر إفاضة الخيرات الروحية والجثمانية على العالم الأرضي ، ومصدر المقادير المقدرة قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22وفي السماء رزقكم وما توعدون ، فالسماء هنا مراد بها عالم القدس .
وأبواب السماء أسباب أمور عظيمة أطلق عليها اسم الأبواب لتقريب حقائقها إلى الأذهان فمنها قبول الأعمال ، ومسالك وصول الأمور الخيرية الصادرة من أهل الأرض ، وطرق قبولها ، وهو تمثيل لأسباب التزكية ، قال تعالى : والعمل الصالح يرفعه ، وما يعلم حقائقها بالتفصيل إلا الله تعالى ، لأنها محجوبة عنا ، فكما أن العفاة والشفعاء إذا وردوا المكان قد يقبلون ويرضى عنهم فتفتح لهم أبواب القصور والقباب ويدخلون مكرمين ، وقد يردون ويسخطون فتوصد في وجوههم الأبواب ، مثل إقصاء المكذبين المستكبرين وعدم الرضا عنهم في سائر الأحوال ، بحال من لا تفتح له أبواب المنازل ، وأضيفت الأبواب إلى السماء ليظهر أن هذا تمثيل لحرمانهم من وسائل الخيرات الإلهية الروحية ، فيشمل ذلك عدم استجابة الدعاء ، وعدم قبول الأعمال والعبادات ، وحرمان أرواحهم بعد الموت مشاهدة مناظر الجنة ومقاعد المؤمنين منها . فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا تفتح لهم أبواب السماء كلمة جامعة لمعنى الحرمان من الخيرات الإلهية المحضة ، وإن كانوا ينالون من نعم
[ ص: 127 ] الله الجثمانية ما يناله غيرهم ، فيغاثون بالمطر ، ويأتيهم الرزق من الله ، وهذا بيان لحال خذلانهم في الدنيا الحائل بينهم وبين وسائل دخول الجنة ، كما قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341790كل ميسر لما خلق له وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فأما من أعطى واتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=6وصدق بالحسنى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=7فسنيسره لليسرى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=8وأما من بخل واستغنى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=9وكذب بالحسنى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=10فسنيسره للعسرى .
وقرأ
نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب : ( لا تفتح ) بضم التاء الأولى وفتح الفاء والتاء الثانية مشددة وهو مبالغة في فتح ، فيفيد تحقيق نفي الفتح لهم . أو أشير بتلك المبالغة إلى أن المنفي فتح مخصوص وهو الفتح الذي يفتح للمؤمنين ، وهو فتح قوي ، فتكون تلك الإشارة زيادة في نكايتهم .
وقرأ
أبو عمرو بضم التاء الأولى وسكون الفاء وفتح التاء الثانية مخففة . وقرأ
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف " لا يفتح " بمثناة تحتية في أوله مع تخفيف المثناة الفوقية مفتوحة على اعتبار تذكير الفعل لأجل كون الفاعل جمعا لمذكر .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40ولا يدخلون الجنة ) إخبار عن حالهم في الآخرة وتحقيق لخلودهم في النار .
وبعد أن حقق ذلك بتأكيد الخبر كله بحرف التوكيد ، زيد تأكيدا بطريق تأكيد الشيء بما يشبه ضده ، المشتهر عند أهل البيان بتأكيد المدح بما يشبه الذم ، وذلك بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40حتى يلج الجمل في سم الخياط فقد جعل لانتفاء دخولهم الجنة امتدادا مستمرا ، إذ جعل غايته شيئا مستحيلا ، وهو أن يلج الجمل في سم الخياط ، أي لو كانت لانتفاء دخولهم الجنة غاية لكانت غايته ولوج الجمل - وهو البعير - في سم الخياط ، وهو أمر لا يكون أبدا .
والجمل : البعير المعروف للعرب ، ضرب به المثل لأنه أشهر الأجسام في الضخامة في عرف العرب . والخياط هو المخيط - بكسر الميم - وهو
[ ص: 128 ] آلة الخياطة المسمى بالإبرة ، والفعال ورد اسما مرادفا للمفعل في الدلالة على آلة الشيء كقولهم حزام ومحزم ، وإزار ومئزر ، ولحاف وملحف ، وقناع ومقنع .
والسم : الخرت الذي في الإبرة يدخل فيه خيط الخائط ، وهو ثقب ضيق ، وهو بفتح السين في الآية بلغة
قريش وتضم السين في لغة
أهل العالية . وهي ما بين
نجد وبين حدود أرض
مكة .
والقرآن أحال على ما هو معروف عند الناس من حقيقة الجمل وحقيقة الخياط ، ليعلم أن دخول الجمل في خرت الإبرة محال متعذر ما داما على حاليهما المتعارفين .
والإشارة في قوله : " وكذلك " إشارة إلى عدم تفتح أبواب السماء الذي تضمنه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة أي ، ومثل ذلك الانتفاء ، أي الحرمان نجزي المجرمين لأنهم بإجرامهم ، الذي هو التكذيب والإعراض ، جعلوا أنفسهم غير مكترثين بوسائل الخير والنجاة ، فلم يتوخوها ولا تطلبوها ، فلذلك جزاهم الله عن استكبارهم أن أعرض عنهم ، وسد عليهم أبواب الخيرات .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وكذلك نجزي المجرمين تذييل يؤذن بأن الإجرام هو الذي أوقعهم في ذلك الجزاء ، فهم قد دخلوا في عموم المجرمين الذين يجزون بمثل ذلك الجزاء ، وهم المقصود الأول منهم ، لأن عقاب المجرمين قد شبه بعقاب هؤلاء ، فعلم أنهم مجرمون ، وأنهم في الرعيل الأول من المجرمين ، حتى شبه عقاب عموم المجرمين بعقاب هؤلاء وكانوا مثلا لذلك العموم .
والإجرام : فعل الجرم - بضم الجيم - وهو الذنب ، وأصل : أجرم صار ذا جرم ، كما يقال : ألبن وأتمر وأخصب .
والمهاد - بكسر الميم - ما يمهد أي يفرش ، وغواش : جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان ، أي يغطيه كاللحاف ، شبه ما هو تحتهم من النار
[ ص: 129 ] بالمهاد ، وما هو فوقهم منها بالغواشي ، وذلك كناية عن انتفاء الراحة لهم في جهنم ، فإن المرء يحتاج إلى المهاد والغاشية عند اضطجاعه للراحة ، فإذا كان مهادهم وغاشيتهم النار ، فقد انتفت راحتهم ، وهذا ذكر لعذابهم السوء بعد أن ذكر حرمانهم من الخير .
وقوله : ( غواش ) وصف لمقدر دل عليه قوله : من جهنم ، أي ومن فوقهم نيران كالغواشي .
وذيله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41وكذلك نجزي الظالمين ليدل على أن سبب ذلك الجزاء بالعقاب : هو الظلم ، وهو الشرك ، ولما كان جزاء الظالمين قد شبه بجزاء الذين كذبوا بالآيات واستكبروا عنها ، علم أن هؤلاء المكذبين من جملة الظالمين ، وهم المقصود الأول من هذا التشبيه ، بحيث صاروا مثلا لعموم الظالمين ، وبهذين العمومين كان الجملتان تذييلتين .
وليس في هذه الجملة الثانية وضع الظاهر موضع المضمر : لأن الوصفين ، وإن كانا صادقين معا على المكذبين المشبه عقاب أصحاب الوصفين بعقابهم . فوصف المجرمين أعم مفهوما من وصف الظالمين ، لأن الإجرام يشمل التعطيل والمجوسية بخلاف الإشراك ، وحقيقة وضع المظهر موقع المضمر إنما تتقوم حيث لا يكون للاسم الظاهر المذكور معنى زائد على معنى الضمير .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=28978_29468_19047_28738إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ مَسُوقٌ لِتَحْقِيقِ خُلُودِ الْفَرِيقَيْنِ فِي النَّارِ ، الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=36وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ حَرَمَهُمْ أَسْبَابَ النَّجَاةِ ، فَسَدَّ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ ، وَبِأَنَّهُ حَرَمَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ .
وَأَكَّدَ الْخَبَرَ بِـ ( إِنَّ ) لِتَأْيِيسِهِمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْخُلُودِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ الْكِنَايَةَ عَنْ طُولِ مُدَّةِ الْبَقَاءِ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى .
[ ص: 126 ] وَوَقَعَ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِدَفْعِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَحَاوِرَتَيْنِ فِي النَّارِ ، وَاخْتِيرَ مِنْ طُرُقِ الْإِظْهَارِ طَرِيقُ التَّعْرِيفِ بِالْمَوْصُولِ إِيذَانًا بِمَا تُومِئُ إِلَيْهِ الصِّلَةُ مِنْ وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ ، أَيْ : إِنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاسْتِكْبَارِهِمْ عَنْهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهَا السَّابِقِ آنِفًا .
وَالسَّمَاءُ أُطْلِقَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَعَانٍ ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْعَوَالِمُ الْعُلْيَا غَيْرُ الْأَرْضِيَّةِ ، فَالسَّمَاءُ مَجْمُوعُ الْعَوَالِمِ الْعُلْيَا وَهِيَ مَرَاتِبُ وَفِيهَا عَوَالِمُ الْقُدْسِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحَانِيَّاتِ الصَّالِحَةِ النَّافِعَةِ ، وَمَصْدَرُ إِفَاضَةِ الْخَيْرَاتِ الرُّوحِيَّةِ وَالْجُثْمَانِيَّةِ عَلَى الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ ، وَمَصْدَرُ الْمَقَادِيرِ الْمُقَدَّرَةِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=22وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ، فَالسَّمَاءُ هَنَا مُرَادٌ بِهَا عَالَمُ الْقُدْسِ .
وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ أَسْبَابُ أُمُورٍ عَظِيمَةٍ أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْأَبْوَابِ لِتَقْرِيبِ حَقَائِقِهَا إِلَى الْأَذْهَانِ فَمِنْهَا قَبُولُ الْأَعْمَالِ ، وَمَسَالِكُ وُصُولِ الْأُمُورِ الْخَيْرِيَّةِ الصَّادِرَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَطُرُقِ قَبُولِهَا ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِأَسْبَابِ التَّزْكِيَةِ ، قَالَ تَعَالَى : وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ، وَمَا يَعْلَمُ حَقَائِقَهَا بِالتَّفْصِيلِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، لِأَنَّهَا مَحْجُوبَةٌ عَنَّا ، فَكَمَا أَنَّ الْعُفَاةَ وَالشُّفَعَاءَ إِذَا وَرَدُوا الْمَكَانَ قَدْ يُقْبَلُونَ وَيُرْضَى عَنْهُمْ فَتُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْقُصُورِ وَالْقِبَابِ وَيَدْخُلُونَ مُكَرَّمِينَ ، وَقَدْ يُرَدُّونَ وَيُسْخَطُونَ فَتُوصَدُ فِي وُجُوهِهِمُ الْأَبْوَابُ ، مَثَّلَ إِقْصَاءَ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَعَدَمَ الرِّضَا عَنْهُمْ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ ، بِحَالِ مَنْ لَا تُفَتَّحُ لَهُ أَبْوَابُ الْمَنَازِلِ ، وَأُضِيفَتِ الْأَبْوَابُ إِلَى السَّمَاءِ لِيَظْهَرَ أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِحِرْمَانِهِمْ مِنْ وَسَائِلِ الْخَيْرَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ ، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ عَدَمَ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ ، وَعَدَمَ قَبُولِ الْأَعْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ ، وَحِرْمَانَ أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ مُشَاهَدَةَ مَنَاظِرِ الْجَنَّةِ وَمَقَاعِدِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا . فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِمَعْنَى الْحِرْمَانِ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَحْضَةِ ، وَإِنْ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ نِعَمِ
[ ص: 127 ] اللَّهِ الْجُثْمَانِيَّةِ مَا يَنَالُهُ غَيْرُهُمْ ، فَيُغَاثُونَ بِالْمَطَرِ ، وَيَأْتِيهِمُ الرِّزْقُ مِنَ اللَّهِ ، وَهَذَا بَيَانٌ لِحَالِ خُذْلَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَائِلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ وَسَائِلِ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341790كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=5فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=6وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=7فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=8وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=9وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=10فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَعَاصِمٌ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ، وَيَعْقُوبُ : ( لَا تُفَتَّحُ ) بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالتَّاءُ الثَّانِيَةُ مُشَدَّدَةٌ وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي فَتْحٍ ، فَيُفِيدُ تَحْقِيقَ نَفْيِ الْفَتْحِ لَهُمْ . أَوْ أُشِيرَ بِتِلْكَ الْمُبَالَغَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ فَتْحٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الْفَتْحُ الَّذِي يُفْتَحُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ فَتْحٌ قَوِيٌّ ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْإِشَارَةُ زِيَادَةً فِي نِكَايَتِهِمْ .
وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ مُخَفَّفَةً . وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ " لَا يَفْتَحُ " بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِ مَعَ تَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ مَفْتُوحَةً عَلَى اعْتِبَارِ تَذْكِيرِ الْفِعْلِ لِأَجْلِ كَوْنِ الْفَاعِلِ جَمْعًا لِمُذَكَّرٍ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَتَحْقِيقٌ لِخُلُودِهِمْ فِي النَّارِ .
وَبَعْدَ أَنْ حَقَّقَ ذَلِكَ بِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ كُلِّهِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ ، زِيدَ تَأْكِيدًا بِطَرِيقِ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ ، الْمُشْتَهَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيَانِ بِتَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ ، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَقَدْ جَعَلَ لِانْتِفَاءِ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ امْتِدَادًا مُسْتَمِرًّا ، إِذْ جَعَلَ غَايَتَهُ شَيْئًا مُسْتَحِيلًا ، وَهُوَ أَنْ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، أَيْ لَوْ كَانَتْ لِانْتِفَاءِ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ غَايَةٌ لَكَانَتْ غَايَتُهُ وُلُوجَ الْجَمَلِ - وَهُوَ الْبَعِيرُ - فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا يَكُونُ أَبَدًا .
وَالْجَمَلُ : الْبَعِيرُ الْمَعْرُوفُ لِلْعَرَبِ ، ضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ الْأَجْسَامِ فِي الضَّخَامَةِ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ . وَالْخِيَاطُ هُوَ الْمِخْيَطُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - وَهُوَ
[ ص: 128 ] آلَةُ الْخِيَاطَةِ الْمُسَمَّى بِالْإِبْرَةِ ، وَالْفِعَالُ وَرَدَ اسْمًا مُرَادِفًا لِلْمِفْعَلِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى آلَةِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِمْ حِزَامٌ وَمِحْزَمٌ ، وَإِزَارٌ وَمِئْزَرٌ ، وَلِحَافٌ وَمِلْحَفٌ ، وَقِنَاعٌ وَمِقْنَعٌ .
وَالسَّمُّ : الْخَرْتُ الَّذِي فِي الْإِبْرَةِ يُدْخَلُ فِيهِ خَيْطُ الْخَائِطِ ، وَهُوَ ثُقْبٌ ضَيِّقٌ ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ فِي الْآيَةِ بِلُغَةِ
قُرَيْشٍ وَتُضَمُّ السِّينُ فِي لُغَةِ
أَهْلِ الْعَالِيَةِ . وَهِيَ مَا بَيْنَ
نَجْدٍ وَبَيْنَ حُدُودِ أَرْضِ
مَكَّةَ .
وَالْقُرْآنُ أَحَالَ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ حَقِيقَةِ الْجَمَلِ وَحَقِيقَةِ الْخِيَاطِ ، لِيُعْلَمَ أَنَّ دُخُولَ الْجَمَلِ فِي خَرْتِ الْإِبْرَةِ مُحَالٌ مُتَعَذَّرٌ مَا دَامَا عَلَى حَالَيْهِمَا الْمُتَعَارَفَيْنِ .
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ : " وَكَذَلِكَ " إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ تَفَتُّحِ أَبْوَابِ السَّمَاءِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَيْ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الِانْتِفَاءِ ، أَيِ الْحِرْمَانِ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ لِأَنَّهُمْ بِإِجْرَامِهِمُ ، الَّذِي هُوَ التَّكْذِيبُ وَالْإِعْرَاضُ ، جَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ غَيْرَ مُكْتَرِثِينَ بِوَسَائِلِ الْخَيْرِ وَالنَّجَاةِ ، فَلَمْ يَتَوَخَّوْهَا وَلَا تَطَلَّبُوهَا ، فَلِذَلِكَ جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنِ اسْتِكْبَارِهِمْ أَنْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ، وَسَدَّ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ تَذْيِيلٌ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِجْرَامَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجَزَاءِ ، فَهُمْ قَدْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ يُجْزَوْنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ ، وَهُمُ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ ، لِأَنَّ عِقَابَ الْمُجْرِمِينَ قَدْ شُبِّهَ بِعِقَابِ هَؤُلَاءِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مُجْرِمُونَ ، وَأَنَّهُمْ فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ ، حَتَّى شَبَّهَ عِقَابَ عُمُومِ الْمُجْرِمِينَ بِعِقَابِ هَؤُلَاءِ وَكَانُوا مَثَلًا لِذَلِكَ الْعُمُومِ .
وَالْإِجْرَامُ : فِعْلُ الْجُرْمِ - بِضَمِّ الْجِيمِ - وَهُوَ الذَّنْبُ ، وَأَصْلُ : أَجْرَمَ صَارَ ذَا جُرْمٍ ، كَمَا يُقَالُ : أَلْبَنَ وَأَتْمَرَ وَأَخْصَبَ .
وَالْمِهَادُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - مَا يُمَهَّدُ أَيْ يُفْرَشُ ، وَغَوَاشٌ : جَمْعُ غَاشِيَةٍ وَهِيَ مَا يَغْشَى الْإِنْسَانَ ، أَيْ يُغَطِّيهِ كَالِلْحَافِّ ، شَبَّهَ مَا هُوَ تَحْتَهُمْ مِنَ النَّارِ
[ ص: 129 ] بِالْمِهَادِ ، وَمَا هُوَ فَوْقَهُمْ مِنْهَا بِالْغَوَاشِي ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ الرَّاحَةِ لَهُمْ فِي جَهَنَّمَ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمِهَادِ وَالْغَاشِيَةِ عِنْدَ اضْطِجَاعِهِ لِلرَّاحَةِ ، فَإِذَا كَانَ مِهَادُهُمْ وَغَاشِيَتُهُمْ النَّارَ ، فَقَدِ انْتَفَتْ رَاحَتُهُمْ ، وَهَذَا ذِكْرٌ لِعَذَابِهِمُ السُّوءِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حِرْمَانَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ .
وَقَوْلُهُ : ( غَوَاشٌ ) وَصْفٌ لِمُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : مِنْ جَهَنَّمَ ، أَيْ وَمِنْ فَوْقِهِمْ نِيرَانٌ كَالْغَوَاشِي .
وَذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الْجَزَاءِ بِالْعِقَابِ : هُوَ الظُّلْمُ ، وَهُوَ الشِّرْكُ ، وَلَمَّا كَانَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ قَدْ شُبِّهَ بِجَزَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا ، عُلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ جُمْلَةِ الظَّالِمِينَ ، وَهُمُ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ ، بِحَيْثُ صَارُوا مَثَلًا لِعُمُومِ الظَّالِمِينَ ، وَبِهَذَيْنِ الْعُمُومَيْنِ كَانَ الْجُمْلَتَانِ تَذْيِيلَتَيْنِ .
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ : لِأَنَّ الْوَصْفَيْنِ ، وَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ مَعًا عَلَى الْمُكَذِّبِينَ الْمُشَبَّهِ عِقَابُ أَصْحَابِ الْوَصْفَيْنِ بِعِقَابِهِمْ . فَوَصْفُ الْمُجْرِمِينَ أَعَمُّ مَفْهُومًا مِنْ وَصْفِ الظَّالِمِينَ ، لِأَنَّ الْإِجْرَامَ يَشْمَلُ التَّعْطِيلَ وَالْمَجُوسِيَّةَ بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ ، وَحَقِيقَةُ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْقِعَ الْمُضْمَرِ إِنَّمَا تَتَقَوَّمُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلِاسْمِ الظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى مَعْنَى الضَّمِيرِ .