nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28978_30412_30440ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=45الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون
جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44ونادى أصحاب الجنة يجوز أن تكون معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا إلخ ، عطف القول على القول ، إذ حكي قولهم المنبئ عن بهجتهم بما هم فيه من النعيم ، ثم حكي ما يقولونه لأهل النار حينما يشاهدونهم .
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها عطف القصة على القصة بمناسبة الانتقال من ذكر نداء من قبل الله إلى ذكر مناداة أهل الآخرة بعضهم بعضا ، فعلى الوجهين يكون التعبير عنهم بأصحاب
[ ص: 136 ] الجنة دون ضميرهم توطئة لذكر نداء
nindex.php?page=treesubj&link=28766أصحاب الأعراف ونداء أصحاب النار ، ليعبر عن كل فريق بعنوانه وليكون منه محسن الطباق في مقابلته بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أصحاب النار ، وهذا النداء خطاب من أصحاب الجنة ، عبر عنه بالنداء كناية عن بلوغه إلى أسماع أصحاب النار من مسافة سحيقة البعد ، فإن سعة الجنة وسعة النار تقتضيان ذلك لا سيما مع قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=46وبينهما حجاب ) ، ووسيلة بلوغ هذا الخطاب من الجنة إلى أصحاب النار وسيلة عجيبة غير متعارفة .
وعلم الله وقدرته لا حد لمتعلقاتهما .
و أن في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أن قد وجدنا تفسيرية للنداء .
والخبر الذي هو
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا مستعمل في لازم معناه وهو الاغتباط بحالهم ، وتنغيص أعدائهم بعلمهم برفاهية حالهم ، والتورك على الأعداء إذ كانوا يحسبونهم قد ضلوا حين فارقوا دين آبائهم ، وأنهم حرموا أنفسهم طيبات الدنيا بالانكفاف عن المعاصي ، وهذه معان متعددة كلها من لوازم الإخبار ، والمعاني الكنائية لا يمتنع تعددها لأنها تبع للوازم العقلية ، وهذه الكناية جمع فيها بين المعنى الصريح والمعاني الكنائية ، ولكن المعاني الكنائية هي المقصودة إذ ليس القصد أن يعلم أهل النار بما حصل لأهل الجنة ولكن القصد ما يلزم عن ذلك . وأما المعاني الصريحة فمدلولة بالأصالة عند عدم القرينة المانعة .
والاستفهام في جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا مستعمل مجازا مرسلا بعلاقة اللزوم في توقيف المخاطبين على غلطهم ، وإثارة ندامتهم وغمهم على ما فرط منهم ، والشماتة بهم في عواقب عنادهم . والمعاني المجازية التي علاقتها اللزوم يجوز تعددها مثل الكناية ، وقرينة المجاز هي : ظهور أن أصحاب الجنة يعلمون أن أصحاب النار وجدوا وعده حقا .
والوجدان : إلفاء الشيء ولقيه ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فوجد فيها رجلين يقتتلان وفعله يتعدى إلى مفعول واحد ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39ووجد الله عنده ويغلب أن
[ ص: 137 ] يذكر مع المفعول حاله ، فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44وجدنا ما وعدنا ربنا حقا معناه ألفيناه حال كونه حقا لا تخلف في شيء منه ، فلا يدل قوله وجدنا على سبق بحث أو تطلب للمطابقة كما قد يتوهم ، وقد يستعمل الوجدان في الإدراك والظن مجازا ، وهو مجاز شائع .
و ما موصولة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44ما وعدنا ربنا و
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44ما وعد ربكم ودلت على أن الصلة معلومة عند المخاطبين . على تفاوت في الإجمال والتفصيل ، فقد كانوا يعلمون أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - وعد المؤمنين بنعيم عظيم ، وتوعد الكافرين بعذاب أليم ، سمع بعضهم تفاصيل ذلك كلها أو بعضها ، وسمع بعضهم إجمالها : مباشرة أو بالتناقل عن إخوانهم ، فكان للموصولية في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا إيجاز بديع ، والجواب بنعم تحقيق للمسئول عنه بهل : لأن السؤال بهل يتضمن ترجيح السائل وقوع المسئول عنه . فهو جواب المقر المتحسر المعترف ، وقد جاء الجواب صالحا لظاهر السؤال وخفيه ، فالمقصود من الجواب بها تحقيق ما أريد بالسؤال من المعاني حقيقة أو مجازا ، إذ ليست ( نعم ) خاصة بتحقيق المعاني الحقيقية .
وحذف مفعول وعد الثاني في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44ما وعد ربكم لمجرد الإيجاز لدلالة مقابله عليه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44ما وعدنا ربنا لأن المقصود من السؤال سؤالهم عما يخصهم . فالتقدير : فهل وجدتم ما وعدكم ربكم ، أي من العذاب لأن الوعد يستعمل في الخير والشر .
ودلت الفاء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44فأذن مؤذن على أن التأذين مسبب على المحاورة تحقيقا
nindex.php?page=treesubj&link=30412_30440لمقصد أهل الجنة من سؤال أهل النار من إظهار غلطهم وفساد معتقدهم .
والتأذين : رفع الصوت بالكلام رفعا يسمع البعيد بقدر الإمكان وهو مشتق من الأذن - بضم الهمزة - جارحة السمع المعروفة ، وهذا التأذين إخبار باللعن وهو الإبعاد عن الخير ، أي إعلام بأن أهل النار مبعدون عن
[ ص: 138 ] رحمة الله ، زيادة في التأييس لهم ، أو دعاء عليهم بزيادة البعد عن الرحمة بتضعيف العذاب أو تحقيق الخلود ، ووقوع هذا التأذين عقب المحاورة يعلم منه أن المراد بالظالمين ، وما تبعه من الصفات والأفعال ، هم أصحاب النار ، والمقصود من تلك الصفات تفظيع حالهم ، والنداء على خبث نفوسهم ، وفساد معتقدهم .
وقرأ
نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وقنبل عن
ابن كثير :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أن لعنة الله بتخفيف نون أن على أنها تفسيرية لفعل أذن ورفع لعنة على الابتداء والجملة تفسيرية ، وقرأه الباقون بتشديد النون وبنصب لعنة على أن الجملة مفعول أذن لتضمنه معنى القول ، والتقدير : قائلا أن لعنة الله على الظالمين .
والتعبير عنهم بالظالمين تعريف لهم بوصف جرى مجرى اللقب تعرف به جماعتهم ، كما يقال : المؤمنين ، لأهل الإسلام ، فلا ينافي أنهم حين وصفوا به لم يكونوا ظالمين ، لأنهم قد علموا بطلان الشرك حق العلم ، وشأن اسم الفاعل أن يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال ، ولا يكون للماضي ، وأما إجراء الصلة عليهم بالفعلين المضارعين في قوله يصدون وقوله ويبغونها وشأن المضارع الدلالة على حدث حاصل في زمن الحال ، وهم في زمن التأذين لم يكونوا متصفين بالصد عن سبيل الله ، ولا ببغي عوج السبيل ، فذلك لقصد ما يفيده المضارع من تكرر حصول الفعل تبعا لمعنى التجدد ، والمعنى وصفهم بتكرر ذلك منهم في الزمن الماضي ، وهو معنى قول علماء المعاني : استحضار الحالة ، كقوله تعالى في الحكاية عن
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38ويصنع الفلك مع أن زمن صنع الفلك مضى ، وإنما قصد استحضار حالة التجدد ، وكذلك وصفهم باسم الفاعل في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=45وهم بالآخرة كافرون فإن حقه الدلالة على زمن الحال . وقد استعمل هنا في الماضي : أي كافرون بالآخرة فيما مضى من حياتهم الدنيا ، وكل ذلك اعتماد على قرينة حال السامعين المانعة من إرادة المعنى الحقيقي من صيغة المضارع وصيغة اسم الفاعل ، إذ قد علم كل سامع أن المقصودين صاروا غير متلبسين بتلك الأحداث في وقت التأذين ، بل تلبسوا بنقائضها ، فإنهم
[ ص: 139 ] حينئذ قد علموا الحق وشاهدوه كما دل عليه قولهم نعم وإنما عرفوا بتلك الأحوال الماضية لأن النفوس البشرية تعرف بالأحوال التي كانت متلبسة بها في مدة الحياة الأولى ، فبالموت تنتهي أحوال الإنسان فيستقر اتصاف نفسه بما عاشت عليه ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341792يبعث كل عبد على ما مات عليه رواه
مسلم ، ويجوز أن تكون هذه اللعنة كانت الملائكة يلعنونهم بها في الدنيا ، فجهروا بها في الآخرة ، لأنها صارت كالشعار للكفرة ينادون بها ، وهذا كما جاء في الحديث :
يؤتى بالمؤذنين يوم القيامة يصرخون بالأذان مع أن في ألفاظ الأذان ما لا يقصد معناه يومئذ وهو : ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) ، وفي حكاية ذلك هنا إعلام لأصحاب هذه الصفات في الدنيا بأنهم محقوقون بلعنة الله تعالى .
والمراد بالظالمين : المشركون ، وبالصد عن سبيل الله : إما تعرض المشركين للراغبين في الإسلام بالأذى والصرف عن الدخول في الدين بوجوه مختلفة ، وسبيل الله ما به الوصول إلى مرضاته وهو الإسلام ، فيكون الصد مرادا به المتعدي إلى المفعول ، وإما إعراضهم عن سماع دعوة الإسلام وسماع القرآن ، فيكون الصد مرادا به القاصر ، الذي قيل : إن مضارعه بكسر الصاد ، أو إن حق مضارعه كسر الصاد . إذ قيل لم يسمع مكسور الصاد . وإن كان القياس كسر الصاد في اللازم وضمها في المتعدي .
والضمير المؤنث في قوله : ويبغونها عائد إلى سبيل الله ، لأن السبيل يذكر ويؤنث قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قل هذه سبيلي وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا .
والعوج : ضد الاستقامة ، وهو بفتح العين في الأجسام ، وبكسر العين في المعاني ، وأصله أن يجوز فيه الفتح والكسر ، ولكن الاستعمال خصص الحقيقة بأحد الوجهين والمجاز بالوجه الآخر ، وذلك من محاسن الاستعمال ، فالإخبار عن السبيل بـ عوج إخبار بالمصدر للمبالغة ، أي ويرومون ويحاولون
[ ص: 140 ] إظهار هذه السبيل عوجاء ، أي يختلقون لها نقائص يموهونها على الناس تنفيرا عن الإسلام كقولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أافترى على الله كذبا أم به جنة ، وتقدم تفسيره عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا في سورة آل عمران .
وورد وصفهم بالكفر بطريق الجملة الاسمية في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=45وهم بالآخرة كافرون للدلالة على ثبات الكفر فيهم وتمكنه منهم ، لأن الكفر من الاعتقادات العقلية التي لا يناسبها التكرر ، فلذلك خولف بينه وبين وصفهم بالصد عن سبيل الله وبغي إظهار العوج فيها ، لأن ذينك من الأفعال القابلة للتكرير ، بخلاف الكفر فإنه ليس من الأفعال ، ولكنه من الانفعالات ، ونظير ذلك قوله تعالى يرزق من يشاء وهو القوي العزيز .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28978_30412_30440وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=45الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ
جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا إِلَخْ ، عَطْفَ الْقَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ ، إِذْ حُكِيَ قَوْلُهُمْ الْمُنْبِئُ عَنْ بَهْجَتِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ ، ثُمَّ حُكِيَ مَا يَقُولُونَهُ لِأَهْلِ النَّارِ حِينَمَا يُشَاهِدُونَهُمْ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ بِمُنَاسَبَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ ذِكْرِ نِدَاءٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ إِلَى ذِكْرِ مُنَادَاةِ أَهْلِ الْآخِرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِأَصْحَابِ
[ ص: 136 ] الْجَنَّةِ دُونَ ضَمِيرِهِمْ تَوْطِئَةً لِذِكْرِ نِدَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=28766أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ وَنِدَاءِ أَصْحَابِ النَّارِ ، لِيُعَبِّرَ عَنْ كُلِّ فَرِيقٍ بِعُنْوَانِهِ وَلِيُكُونَ مِنْهُ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ فِي مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أَصْحَابَ النَّارِ ، وَهَذَا النِّدَاءُ خِطَابٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالنِّدَاءِ كِنَايَةً عَنْ بُلُوغِهِ إِلَى أَسْمَاعِ أَصْحَابِ النَّارِ مِنْ مَسَافَةٍ سَحِيقَةِ الْبُعْدِ ، فَإِنَّ سِعَةَ الْجَنَّةِ وَسِعَةَ النَّارِ تَقْتَضِيَانِ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=46وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) ، وَوَسِيلَةُ بُلُوغِ هَذَا الْخِطَابِ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى أَصْحَابِ النَّارِ وَسِيلَةٌ عَجِيبَةٌ غَيْرُ مُتَعَارَفَةٍ .
وَعِلْمُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ لَا حَدَّ لِمُتَعَلَّقَاتِهِمَا .
وَ أَنْ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أَنْ قَدْ وَجَدْنَا تَفْسِيرِيَّةٌ لِلنِّدَاءِ .
وَالْخَبَرُ الَّذِي هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الِاغْتِبَاطُ بِحَالِهِمْ ، وَتَنْغِيصُ أَعْدَائِهِمْ بِعِلْمِهِمْ بِرَفَاهِيَةِ حَالِهِمْ ، وَالتَّوَرُّكُ عَلَى الْأَعْدَاءِ إِذْ كَانُوا يَحْسَبُونَهُمْ قَدْ ضَلُّوا حِينَ فَارَقُوا دِينَ آبَائِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا بِالِانْكِفَافِ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَهَذِهِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ كُلُّهَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِخْبَارِ ، وَالْمَعَانِي الْكِنَائِيَّةُ لَا يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُهَا لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلَّوَازِمِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَهَذِهِ الْكِنَايَةُ جُمِعَ فِيهَا بَيْنَ الْمَعْنَى الصَّرِيحِ وَالْمَعَانِي الْكِنَائِيَّةِ ، وَلَكِنَّ الْمَعَانِي الْكِنَائِيَّةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ إِذْ لَيْسَ الْقَصْدُ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُ النَّارِ بِمَا حَصَلَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَكِنَّ الْقَصْدَ مَا يَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا الْمَعَانِي الصَّرِيحَةُ فَمَدْلُولَةٌ بِالْأَصَالَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ فِي تَوْقِيفِ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى غَلَطِهِمْ ، وَإِثَارَةِ نَدَامَتِهِمْ وَغَمِّهِمْ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ ، وَالشَّمَاتَةِ بِهِمْ فِي عَوَاقِبِ عِنَادِهِمْ . وَالْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ الَّتِي عَلَاقَتُهَا اللُّزُومُ يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا مِثْلُ الْكِنَايَةِ ، وَقَرِينَةُ الْمَجَازِ هِيَ : ظُهُورُ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ وَجَدُوا وَعْدَهُ حَقًّا .
وَالْوُجْدَانُ : إِلْفَاءُ الشَّيْءِ وَلُقِيُّهُ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ وَفِعْلُهُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ وَيَغْلِبُ أَنْ
[ ص: 137 ] يُذْكَرُ مَعَ الْمَفْعُولِ حَالُهُ ، فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا مَعْنَاهُ أَلْفَيْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ حَقًّا لَا تَخَلُّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ، فَلَا يَدُلُّ قَوْلُهُ وَجَدْنَا عَلَى سَبْقِ بَحَثٍ أَوْ تَطَلُّبٍ لِلْمُطَابَقَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْوُجْدَانُ فِي الْإِدْرَاكِ وَالظَّنِّ مَجَازًا ، وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ .
وَ مَا مَوْصُولَةٌ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصِّلَةَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ . عَلَى تَفَاوُتٍ فِي الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ ، فَقَدْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَعِيمٍ عَظِيمٍ ، وَتَوَعَّدَ الْكَافِرِينَ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، سَمِعَ بَعْضُهُمْ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا ، وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ إِجْمَالَهَا : مُبَاشَرَةً أَوْ بِالتَّنَاقُلِ عَنْ إِخْوَانِهِمْ ، فَكَانَ لِلْمَوْصُولِيَّةِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا إِيجَازٌ بَدِيعٌ ، وَالْجَوَابُ بِنَعَمْ تَحْقِيقٌ لِلْمَسْئُولِ عَنْهُ بِهَلْ : لِأَنَّ السُّؤَالَ بِهَلْ يَتَضَمَّنُ تَرْجِيحَ السَّائِلِ وُقُوعَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ . فَهُوَ جَوَابُ الْمُقِرِّ الْمُتَحَسِّرِ الْمُعْتَرِفِ ، وَقَدْ جَاءَ الْجَوَابُ صَالِحًا لِظَاهِرِ السُّؤَالِ وَخَفِيِّهِ ، فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْجَوَابِ بِهَا تَحْقِيقُ مَا أُرِيدَ بِالسُّؤَالِ مِنَ الْمَعَانِي حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ، إِذْ لَيْسَتْ ( نَعَمْ ) خَاصَّةً بِتَحْقِيقِ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ .
وَحَذْفُ مَفْعُولِ وَعَدَ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ لِمُجَرَّدِ الْإِيجَازِ لِدَلَالَةِ مُقَابِلِهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ السُّؤَالِ سُؤَالُهُمْ عَمَّا يَخُصُّهُمْ . فَالتَّقْدِيرُ : فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ ، أَيْ مِنَ الْعَذَابِ لِأَنَّ الْوَعْدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ .
وَدَلَّتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ عَلَى أَنَّ التَّأْذِينَ مُسَبَّبٌ عَلَى الْمُحَاوَرَةِ تَحْقِيقًا
nindex.php?page=treesubj&link=30412_30440لِمَقْصِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ سُؤَالِ أَهْلِ النَّارِ مِنْ إِظْهَارِ غَلَطِهِمْ وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ .
وَالتَّأْذِينُ : رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ رَفْعًا يُسْمِعُ الْبَعِيدَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُذُنِ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - جَارِحَةِ السَّمْعِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَهَذَا التَّأْذِينُ إِخْبَارٌ بِاللَّعْنِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ عَنِ الْخَيْرِ ، أَيْ إِعْلَامٌ بِأَنَّ أَهْلَ النَّارِ مُبْعَدُونَ عَنْ
[ ص: 138 ] رَحْمَةِ اللَّهِ ، زِيَادَةً فِي التَّأْيِيسِ لَهُمْ ، أَوْ دُعَاءً عَلَيْهِمْ بِزِيَادَةِ الْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ بِتَضْعِيفِ الْعَذَابِ أَوْ تَحْقِيقِ الْخُلُودِ ، وَوُقُوعُ هَذَا التَّأْذِينِ عَقِبَ الْمُحَاوَرَةِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّالِمِينَ ، وَمَا تَبِعَهُ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ ، هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ تَفْظِيعُ حَالِهِمْ ، وَالنِّدَاءُ عَلَى خُبْثِ نُفُوسِهِمْ ، وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَعَاصِمٌ ، وَقُنْبُلٌ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ بِتَخْفِيفِ نُونِ أَنَّ عَلَى أَنَّهَا تَفْسِيرِيَّةٌ لِفِعْلِ أَذَّنَ وَرَفْعِ لَعْنَةُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ تَفْسِيرِيَّةٌ ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِنَصْبِ لَعْنَةُ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ مَفْعُولُ أَذَّنَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْقَوْلِ ، وَالتَّقْدِيرُ : قَائِلًا أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ .
وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ بِالظَّالِمِينَ تَعْرِيفٌ لَهُمْ بِوَصْفٍ جَرَى مَجْرَى اللَّقَبِ تُعْرَفُ بِهِ جَمَاعَتُهُمْ ، كَمَا يُقَالُ : الْمُؤْمِنِينَ ، لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ حِينَ وُصِفُوا بِهِ لَمْ يَكُونُوا ظَالِمِينَ ، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بُطْلَانَ الشِّرْكِ حَقَّ الْعِلْمِ ، وَشَأْنُ اسْمِ الْفَاعِلِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ مَجَازًا فِي الِاسْتِقْبَالِ ، وَلَا يَكُونُ لِلْمَاضِي ، وَأَمَّا إِجْرَاءُ الصِّلَةِ عَلَيْهِمْ بِالْفِعْلَيْنِ الْمُضَارِعَيْنِ فِي قَوْلِهِ يَصُدُّونَ وَقَوْلِهِ وَيَبْغُونَهَا وَشَأْنُ الْمُضَارِعِ الدَّلَالَةُ عَلَى حَدَثٍ حَاصِلٍ فِي زَمَنِ الْحَالِ ، وَهُمْ فِي زَمَنِ التَّأْذِينِ لَمْ يَكُونُوا مُتَّصِفِينَ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَا بِبَغْيِ عِوَجِ السَّبِيلِ ، فَذَلِكَ لِقَصْدِ مَا يُفِيدُهُ الْمُضَارِعُ مِنْ تَكَرُّرِ حُصُولِ الْفِعْلِ تَبَعًا لِمَعْنَى التَّجَدُّدِ ، وَالْمَعْنَى وَصْفُهُمْ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي : اسْتِحْضَارُ الْحَالَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِكَايَةِ عَنْ
نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ مَعَ أَنَّ زَمَنَ صُنْعِ الْفُلْكِ مَضَى ، وَإِنَّمَا قُصِدَ اسْتِحْضَارُ حَالَةِ التَّجَدُّدِ ، وَكَذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=45وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ فَإِنَّ حَقَّهُ الدَّلَالَةُ عَلَى زَمَنِ الْحَالِ . وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْمَاضِي : أَيْ كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ فِيمَا مَضَى مِنْ حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا ، وَكُلُّ ذَلِكَ اعْتِمَادٌ عَلَى قَرِينَةِ حَالِ السَّامِعِينَ الْمَانِعَةِ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مِنْ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ ، إِذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ سَامِعٍ أَنَّ الْمَقْصُودِينَ صَارُوا غَيْرَ مُتَلَبِّسِينَ بِتِلْكَ الْأَحْدَاثِ فِي وَقْتِ التَّأْذِينِ ، بَلْ تَلَبَّسُوا بِنَقَائِضِهَا ، فَإِنَّهُمْ
[ ص: 139 ] حِينَئِذٍ قَدْ عَلِمُوا الْحَقَّ وَشَاهَدُوهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ نَعَمْ وَإِنَّمَا عُرِّفُوا بِتِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّ النُّفُوسَ الْبَشَرِيَّةَ تُعْرَفُ بِالْأَحْوَالِ الَّتِي كَانَتْ مُتَلَبِّسَةً بِهَا فِي مُدَّةِ الْحَيَاةِ الْأُولَى ، فَبِالْمَوْتِ تَنْتَهِي أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ فَيَسْتَقِرُّ اتِّصَافُ نَفْسِهِ بِمَا عَاشَتْ عَلَيْهِ ، وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341792يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّعْنَةُ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ يَلْعَنُونَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، فَجَهَرُوا بِهَا فِي الْآخِرَةِ ، لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالشِّعَارِ لِلْكَفَرَةِ يُنَادُونَ بِهَا ، وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
يُؤْتَى بِالْمُؤَذِّنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَصْرُخُونَ بِالْأَذَانِ مَعَ أَنَّ فِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ مَا لَا يُقْصَدُ مَعْنَاهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ : ( حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ ) ، وَفِي حِكَايَةِ ذَلِكَ هُنَا إِعْلَامٌ لِأَصْحَابِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي الدُّنْيَا بِأَنَّهُمْ مَحْقُوقُونَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ : الْمُشْرِكُونَ ، وَبِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ : إِمَّا تَعَرُّضُ الْمُشْرِكِينَ لِلرَّاغِبِينَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْأَذَى وَالصَّرْفِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الدِّينِ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَسَبِيلُ اللَّهِ مَا بِهِ الْوُصُولُ إِلَى مَرْضَاتِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ ، فَيَكُونُ الصَّدُّ مُرَادًا بِهِ الْمُتَعَدِّي إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَإِمَّا إِعْرَاضُهُمْ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ ، فَيَكُونُ الصَّدُّ مُرَادًا بِهِ الْقَاصِرُ ، الَّذِي قِيلَ : إِنَّ مُضَارِعَهُ بِكَسْرِ الصَّادِ ، أَوْ إِنَّ حَقَّ مُضَارِعِهِ كَسْرُ الصَّادِ . إِذْ قِيلَ لَمْ يُسْمَعْ مَكْسُورُ الصَّادِ . وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ كَسْرُ الصَّادِ فِي اللَّازِمِ وَضَمُّهَا فِي الْمُتَعَدِّي .
وَالضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ فِي قَوْلِهِ : وَيَبْغُونَهَا عَائِدٌ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ ، لِأَنَّ السَّبِيلَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا .
وَالْعِوَجُ : ضِدُّ الِاسْتِقَامَةِ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَجْسَامِ ، وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَعَانِي ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِعْمَالَ خَصَّصَ الْحَقِيقَةَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْمَجَازَ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَالْإِخْبَارُ عَنِ السَّبِيلِ بِـ عِوَجٍ إِخْبَارٌ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ ، أَيْ وَيَرُومُونَ وَيُحَاوِلُونَ
[ ص: 140 ] إِظْهَارَ هَذِهِ السَّبِيلِ عَوْجَاءَ ، أَيْ يَخْتَلِقُونَ لَهَا نَقَائِصَ يُمَوِّهُونَهَا عَلَى النَّاسِ تَنْفِيرًا عَنِ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=99يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَوَرَدَ وَصْفُهُمْ بِالْكُفْرِ بِطَرِيقِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=45وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْكُفْرِ فِيهِمْ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُمْ ، لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا يُنَاسِبُهَا التَّكَرُّرُ ، فَلِذَلِكَ خُولِفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَصْفِهِمْ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَبَغْيِ إِظْهَارِ الْعِوَجِ فِيهَا ، لِأَنَّ ذَيْنَكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَابِلَةِ لِلتَّكْرِيرِ ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَفْعَالِ ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الِانْفِعَالَاتِ ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ .