الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 614 ] 346 - الحديث السابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { اقتتلت امرأتان من هذيل . فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن دية جنينها غرة - عبد ، أو وليدة - وقضى بدية المرأة على عاقلتها ، وورثها ولدها ومن معهم ، فقام حمل بن النابغة الهذلي ، فقال : يا رسول الله ، كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهل ، فمثل ذلك يطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هو من إخوان الكهان } من أجل سجعه الذي سجع .

                                        التالي السابق


                                        قوله : " فقتلتها وجنينها " ليس فيه ما يشعر بانفصال الجنين ولعله لا يفهم منه ، بخلاف حديث عمر الماضي . فإنه صرح بالانفصال . والشافعية شرطوا في وجوب الغرة : الانفصال ميتا ، بسبب الجناية . فلو ماتت الأم ولم ينفصل جنين : لم يجب شيء . قالوا : لأنا لا نتيقن وجود الجنين فلا نوجب شيئا بالشك ، وعلى هذا : هل المعتبر نفس الانفصال ، أو أن ينكشف ، ويتحقق حصول الجنين ؟ فيه وجوه أصحهما : الثاني . وينبني على هذا : ما إذا قدت بنصفين ، وشوهد الجنين في بطنها ولم ينفصل . وما إذا خرج رأس الجنين بعد ما ضرب وماتت الأم لذلك ، ولم ينفصل . وبمقتضى هذا : يحتاجون إلى تأويل هذه الرواية ، وحملها [ ص: 615 ] على أنه انفصل ، وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه .

                                        مسألة أخرى : الحديث علق الحكم بلفظ " الجنين " والشافعية : فسروه بما ظهر فيه صورة الآدمي ، من يد أو إصبع أو غيرهما ، ولو لم يظهر شيء من ذلك ، وشهدت البينة بأن الصورة خفية ، يختص أهل الخبرة بمعرفتها وجبت الغرة أيضا ، وإن قالت البينة : ليست فيه صورة خفية ، ولكنه أصل الآدمي : ففي ذلك اختلاف والظاهر عند الشافعية : أنه لا تجب الغرة وإن شكت البينة في كونه أصل الآدمي لم تجب بلا خلاف . وحظ الحديث : أن الحكم مرتب على اسم " الجنين " فما تخلق فهو داخل فيه وما كان دون ذلك فلا يدخل تحته إلا من حيث الوضع اللغوي فإنه مأخوذ من الاجتنان . وهو الاختفاء فإن خالفه العرف العام فهو أولى منه وإلا اعتبر الوضع . وفي الحديث : دليل على أنه لا فرق في الغرة بين الذكر والأنثى ويجبر المستحق على قبول الرقيق من أي نوع كان ، وتعتبر فيه السلامة من العيوب المثبتة للرد في البيع واستدل بعضهم على ذلك بأنه ورد في الخبر لفظ " الغرة " قال : وهي الخيار . وليس المعيب من الخيار ، وفيه أيضا من الإطلاق في العبد والأمة أنه لا يتقدر للغرة قيمة وهو وجه للشافعية والأظهر عندهم : أنه ينبغي أن تبلغ قيمتها نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل وقيل : إن ذلك يروى عن عمر وزيد بن ثابت وفيه دليل على أنه إذا وجدت الغرة بالصفات المعتبرة أنه لا يلزم المستحق قبول غيرها ، لتعيين حقه في ذلك في الحديث . وأما إذا عدمت فليس في الحديث ما يشعر بحكمه وقد اختلفوا فيه فقيل : الواجب خمس من الإبل وقيل : يعدل إلى القيمة عند الفقد وقد قدمنا الإشارة إلى أن الحديث بإطلاقه لا يقتضي تخصيص سن دون سن والشافعية قالوا : لا يجبر على قبول ما لم يبلغ سبعا ، لحاجته إلى التعهد ، وعدم استقلاله وأما في طرف الكبر ، فقيل : إنه لا يؤخذ الغلام بعد خمس عشرة سنة ، ولا الجارية بعد عشرين سنة وجعل بعضهم الحد : عشرين والأظهر : أنهما يؤخذان ، وإن جاوزا الستين ، ما لم يضعفا ويخرجا عن الاستقلال بالهرم [ ص: 616 ] لأن من أتى بما دل الحديث عليه ومسماه فقد أتى بما وجب فلزم قبوله ، إلا أن يدل دليل على خلافه . وقد أشرنا إلى أن التقييد بالسن ليس من مقتضى لفظ الحديث .



                                        مسألة أخرى : الحديث ورد في جنين حرة وهذا الحديث الثاني ليس فيه عموم يدخل تحته جنين الأمة بل هو حكم وارد في جنين الحرة من غير لفظ عام . وأما حديث عمر السابق - وإن كان في لفظ الاستشارة ما يقتضي العموم ، لقوله " في إملاص المرأة " لكن لفظ الراوي يقتضي أنه شهد واقعة مخصوصة ، فعلى هذا ينبغي أن يؤخذ حكم جنين الأمة من محل آخر ، وعند الشافعي : الواجب في جنين الرقيق عشر قيمة الأم ، ذكرا كان أو أنثى ، وكذلك نقول : إن الحديث وارد في جنين محكوم بإسلامه ولا يتعرض لجنين محكوم له بالتهود أو التنصر تبعا ، ومن الفقهاء من قاسه على الجنين المحكوم بإسلامه تبعا ، وهذا مأخوذ من القياس ، لا من الحديث . وقوله " قضى بدية المرأة على عاقلتها " إجراء لهذا القتل مجرى غير العمد و " حمل " بفتح الحاء المهملة والميم معا " وطل " دم القتيل : إذا أهدر ، ولم يؤخذ فيه شيء وقوله عليه السلام " إنما هو من إخوان الكهان إلخ " فيه إشارة إلى ذم السجع وهو محمول على السجع المتكلف لإبطال حق ، أو تحقيق باطل أو لمجرد التكلف ، بدليل أنه قد ورد السجع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم

                                        وفي كلام غيره من السلف ويدل على ما ذكرناه : أنه شبهه بسجع الكهان ; لأنهم كانوا يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين فيستميلون بها القلوب ، ويستصغون إليها الأسماع قال بعضهم : فأما إذا كان وضع السجع في مواضعه من الكلام فلا ذم فيه .




                                        الخدمات العلمية