الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        352 - الحديث الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال { أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد - فناداه : يا رسول الله ، إني زنيت ، فأعرض عنه . فتنحى تلقاء وجهه فقال : يا رسول الله ، إني زنيت ، فأعرض عنه ، حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات . فلما شهد على نفسه أربع شهادات : دعاه رسول الله ، فقال : أبك جنون ؟ قال : لا . قال : فهل أحصنت ؟ قال : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبوا به فارجموه } . قال ابن شهاب : فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن . سمع جابر بن عبد الله يقول " كنت فيمن رجمه ، فرجمناه بالمصلي ، فلما [ ص: 625 ] أذلقته الحجارة هرب ، فأدركناه بالحرة ، فرجمناه " .

                                        التالي السابق


                                        " الرجل " هو ماعز بن مالك . روى قصته جابر بن سمرة ، وعبد الله بن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وبريدة بن الحصيب الأسلمي . ذهب الحنفية إلى أن تكرار الإقرار بالزنا أربعا شرط لوجوب إقامة الحد ، ورأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث - إنما أخر الحد إلى تمام الأربع ; لأنه لم يجب قبل ذلك . وقالوا : لو وجب بالإقرار مرة لما أخر الرسول صلى الله عليه وسلم الواجب ، وفي قول الراوي " فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله " إلخ إشعار بأن الشهادة أربعا هي العلة في الحكم ، ومذهب الشافعي ومالك ومن تبعهما أن الإقرار مرة واحدة موجب للحد ، قياسا على سائر الحقوق فكأنهم لم يروا أن تأخير الحد إلى تمام الإقرار أربعا لما ذكره الحنفية وكأنه من باب الاستثبات والتحقيق لوجود السبب ; لأن مبنى الحد على الاحتياط في تركه ودرئه بالشبهات . وفي الحديث دليل على سؤال الحاكم في الواقعة عما يحتاج إليه في الحكم وذلك من الواجبات ، كسؤاله عليه السلام عن الجنون ليتبين العقل ، وعن الإحصان ليثبت الرجم ، ولم يكن بد من ذلك فإن الحد متردد بين الجلد والرجم : ولا يمكن الإقدام على أحدهما إلا بعد تبين سببه . وقوله عليه السلام " أبك جنون " ويمكن أن يسأل عنه ، فيقال : إن إقرار المجنون غير معتبر فلو كان مجنونا لم يفد قوله : إنه ليس به جنون فما وجه الحكمة في سؤاله عن ذلك ؟ بل سؤال غيره ممن يعرفه هو المؤثر . وجوابه : أنه قد ورد أنه سأل غيره عن ذلك . وعلى تقدير أن لا يكون وقع سؤال غيره ، فيمكن أن يكون سؤاله ليتبين بمخاطبته ومراجعته تثبته وعقله ، فيبني [ ص: 626 ] الأمر عليه ، لا على مجرد إقراره بعدم الجنون . وفي الحديث : دليل على تفويض الإمام الرجم إلى غيره ولفظه يشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضره .

                                        فيؤخذ منه : عدم حضور الإمام الرجم ، وإن كان الفقهاء قد استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار ، ويبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة ، وكأن الإمام لما كان عليه التثبت والاحتياط قيل له : ابدأ ، ليكون ذلك زاجرا عن التساهل في الحكم بالحدود ، وداعيا إلى غاية التثبت وأما في الشهود : فظاهر ; لأن قتله بقولهم . وقوله " فلما أذلقته الحجارة " أي بلغت منه الجهد ، وقيل : عضته ، وأوجعته ، وأوهنته . وقوله " هرب " فيه دليل على عدم الحفر له .




                                        الخدمات العلمية