[ ص: 470 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=42ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون
معطوف على جميع ما تقدم من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم إلى هنا لأن هاته الجمل كلها لم يقصد أن الواحدة منها معطوفة على التي قبلها خاصة بل على جميع ما تقدمها لا سيما قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=42ولا تلبسوا فإنه مبدأ انتقال من غرض التحذير من الضلال إلى غرض التحذير من الإضلال بعد أن وسط بينهما قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41ولا تشتروا بآياتي كما تقدم .
وإن شئت أن تجعل كلا معطوفا على الذي قبله فهو معطوف على الذي قبله بعد اعتبار كون ما قبله معطوفا على ما قبله كذلك ، وهذا شأن الجمل المتعاطفة إلا إذا أريد عطف جملة على جملة معينة لكون الثانية أعلق بالتي والتها دون البقية وذلك كعطف
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=42وتكتموا الحق على ولا تلبسوا فإنها متعينة للعطف على تلبسوا لا محالة إن كانت معطوفة وهو الظاهر فإن كلا الأمرين منهي عنه والتغليظ في النهي عن الجمع بينهما واضح بالأولى .
وجوزوا أن يكون وتكتموا الحق منصوبا بأن مضمرة بعد واو المعية ويكون مناط النهي الجمع بين الأمرين وهو بعيد لأن كليهما منهي عنه والتفريق في المنهي يفيد النهي عن الجمع بالأولى بخلاف العكس اللهم إلا أن يقال إنما نهوا عن الأمرين معا على وجه الجمع تعريضا بهم بأنهم لا يرجى منهم أكثر من هذا الترك للبس وهو ترك اللبس المقارن لكتم الحق فإن كونه جريمة في الدين أمر ظاهر . أما ترك اللبس الذي هو بمعنى التحريف في التأويل فلا يرجى منهم تركه إذ لا طماعية في صلاحهم العاجل والحق الأمر الثابت من حق إذا ثبت ووجب وهو ما تعترف به سائر النفوس بقطع النظر عن شهواتها .
والباطل في كلامهم ضد الحق فإنه الأمر الزائل الضائع يقال بطل بطلا وبطولا وبطلانا إذا ذهب ضياعا وخسر وذهب دمه بطلا أي هدرا .
والمراد به هنا ما تتبرأ منه النفوس وتزيله مادامت خلية عن غرض أو هوى وسمي باطلا لأنه فعل يذهب ضياعا وخسارا على صاحبه . واللبس خلط بين متشابهات في الصفات يعسر معه التمييز أو يتعذر وهو يتعدى إلى الذي اختلط عليه بعدة حروف مثل على واللام والباء على اختلاف السياق الذي يقتضي معنى بعض تلك الحروف .
وقد يعلق به ظرف عند وقد يجرد عن التعليق بالحرف . ويطلق على اختلاط المعاني وهو الغالب وظاهر كلام الراغب في مفردات القرآن أنه
[ ص: 471 ] هو المعنى الحقيقي ، ويقال في الأمر لبسة بضم اللام أي اشتباه ، وفي حديث شق الصدر فخفت أن يكون قد التبس بي أي حصل اختلاط في عقلي بحيث لا يميز بين الرؤية والخيال ، وفعله من باب ضرب وأما فعل لبس الثياب فمن باب سمع .
فلبس الحق بالباطل ترويج الباطل في صورة الحق . وهذا اللبس هو مبدأ التضليل والإلحاد في الأمور المشهورة فإن المزاولين لذلك لا يروج عليهم قصد إبطالها فشأن من يريد إبطالها أن يعمد إلى خلط الحق بالباطل حتى يوهم أنه يريد الحق قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=137وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم لأنهم أوهموهم أن ذلك قربة إلى الأصنام . وأكثر أنواع الضلال الذي أدخل في الإسلام هو من قبيل لبس الحق بالباطل ، فقد قال الذين ارتدوا من العرب ومنعوا الزكاة أننا كنا نعطي الزكاة للرسول ونطيعه فليس علينا طاعة لأحد بعده وهذا نقض لجامعة الملة في صورة الأنفة من الطاعة لغير الله ، وقد قال شاعرهم وهو
الخطيل بن أوس :
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا فيالعباد الله ما لأبي بكر
وقد فعل ذلك الناقمون على
عثمان - رضي الله عنه - فلبسوا بأمور زينوها للعامة كقولهم رقي إلى مجلس النبيء - صلى الله عليه وسلم - في المنبر وذلك استخفاف لأن الخليفتين قبله نزل كل منهما عن الدرجة التي كان يجلس عليها سلفه . وسقط من يده خاتم النبيء - صلى الله عليه وسلم - وذلك رمز على سقوط خلافته . وقد قالت
الخوارج لا حكم إلا لله فقال
علي - رضي الله عنه - كلمة حق أريد بها باطل .
nindex.php?page=treesubj&link=29575وحرف أقوام آيات بالتأويل البعيد ثم سموا ذلك بالباطن وزعموا أن للقرآن ظاهرا وباطنا فكان من ذلك لبس كثير ، ثم نشأت عن ذلك نحلة
الباطنية . ثم تأويلات المتفلسفين في الشريعة كأصحاب الرسائل الملقبين بإخوان الصفاء .
ثم نشأ تلبيس الواعظين والمرغبين
والمرجئة ؛ فأخذوا بعض الآيات فأشاعوها وكتموا ما يقيدها ويعارضها نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله فأوهموا الناس أن المغفرة عامة لكل ذنب وكل مذنب ولو لم يتب وأغضوا عن آيات الوعيد وآيات التوبة . وللتفادي من هذا الوصف الذي ذمه الله تعالى قال علماء أصول الفقه : إن
nindex.php?page=treesubj&link=21304التأويل لا يصح إلا إذا دل عليه دليل قوي ، أما إذا وقع التأويل لما يظن أنه دليل فهو
[ ص: 472 ] تأويل باطل ؛ فإن وقع بلا دليل أصلا فهو لعب لا تأويل ولهذا نهى الفقهاء عن اقتباس القرآن في غير المعنى الذي جاء له كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12734ابن الرومي :
لئن أخطأت في مدي حك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22وأنتم تعلمون حال وهو أبلغ في النهي لأن صدور ذلك من العالم أشد فمفعول تعلمون محذوف دل عليه ما تقدم ، أي وأنتم تعلمون ذلك أي لبسكم الحق بالباطل .
قال
الطيبي عند قوله تعالى الآتي أفلا تعقلون إن قوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22وأنتم تعلمون " غير منزل منزلة اللازم لأنه إذا نزل منزلة اللازم دل على أنهم موصوفون بالعلم الذي هو وصف كمال وذلك ينافي قوله الآتي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أفلا تعقلون إذ نفى عنهم وصف العقل فكيف يثبت لهم هنا وصف العلم على الإطلاق .
[ ص: 470 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=42وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
مَعْطُوفٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=40اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ إِلَى هُنَا لِأَنَّ هَاتِهِ الْجُمَلَ كُلَّهَا لَمْ يُقْصَدْ أَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا خَاصَّةً بَلْ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهَا لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=42وَلَا تَلْبِسُوا فَإِنَّهُ مَبْدَأُ انْتِقَالٍ مِنْ غَرَضِ التَّحْذِيرِ مِنَ الضَّلَالِ إِلَى غَرَضِ التَّحْذِيرِ مِنَ الْإِضْلَالِ بَعْدَ أَنْ وَسَّطَ بَيْنَهُمَا قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=41وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي كَمَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَ كُلًّا مَعْطُوفًا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ اعْتِبَارِ كَوْنِ مَا قَبْلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَذَلِكَ ، وَهَذَا شَأْنُ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ أَعْلَقَ بِالَّتِي وَالَتْهَا دُونَ الْبَقِيَّةِ وَذَلِكَ كَعَطْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=42وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ عَلَى وَلَا تَلْبَسُوا فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِلْعَطْفِ عَلَى تَلْبِسُوا لَا مَحَالَةَ إِنْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّغْلِيظُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِالْأَوْلَى .
وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ مَنْصُوبًا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ وَيَكُونَ مَنَاطُ النَّهْيِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْمَنْهِيِّ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بِالْأَوْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا نُهُوا عَنِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ تَعْرِيضًا بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُرْجَى مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا التَّرْكِ لِلَّبْسِ وَهُوَ تَرْكُ اللَّبْسِ الْمُقَارَنِ لِكَتْمِ الْحَقِّ فَإِنَّ كَوْنَهُ جَرِيمَةً فِي الدِّينِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ . أَمَّا تَرْكُ اللَّبْسِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّحْرِيفِ فِي التَّأْوِيلِ فَلَا يُرْجَى مِنْهُمْ تَرْكُهُ إِذْ لَا طَمَاعِيَةَ فِي صَلَاحِهِمُ الْعَاجِلِ وَالْحَقُّ الْأَمْرُ الثَّابِتُ مِنْ حَقٍّ إِذَا ثَبَتَ وَوَجَبَ وَهُوَ مَا تَعْتَرِفُ بِهِ سَائِرُ النُّفُوسِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَهَوَاتِهَا .
وَالْبَاطِلُ فِي كَلَامِهِمْ ضِدُّ الْحَقِّ فَإِنَّهُ الْأَمْرُ الزَّائِلُ الضَّائِعُ يُقَالُ بَطَلَ بَطْلًا وَبُطُولًا وَبُطْلَانًا إِذَا ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخَسِرَ وَذَهَبَ دَمُهُ بُطْلًا أَيْ هَدْرًا .
وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا تَتَبَرَّأُ مِنْهُ النُّفُوسُ وَتُزِيلُهُ مَادَامَتْ خَلِيَّةً عَنْ غَرَضٍ أَوْ هَوًى وَسُمِّيَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَذْهَبُ ضَيَاعًا وَخَسَارًا عَلَى صَاحِبِهِ . وَاللَّبْسُ خَلْطٌ بَيْنَ مُتَشَابِهَاتٍ فِي الصِّفَاتِ يَعْسُرُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ أَوْ يَتَعَذَّرُ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى الَّذِي اخْتَلَطَ عَلَيْهِ بِعِدَّةِ حُرُوفٍ مِثْلَ عَلَى وَاللَّامِ وَالْبَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ السِّيَاقِ الَّذِي يَقْتَضِي مَعْنَى بَعْضِ تِلْكَ الْحُرُوفِ .
وَقَدْ يُعَلَّقُ بِهِ ظَرْفُ عِنْدَ وَقَدْ يُجَرَّدُ عَنِ التَّعْلِيقِ بِالْحَرْفِ . وَيُطْلَقُ عَلَى اخْتِلَاطِ الْمَعَانِي وَهُوَ الْغَالِبُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّاغِبِ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ
[ ص: 471 ] هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ ، وَيُقَالُ فِي الْأَمْرِ لُبْسَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ أَيِ اشْتِبَاهٌ ، وَفِي حَدِيثِ شَقِّ الصَّدْرِ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتَبَسَ بِي أَيْ حَصَلَ اخْتِلَاطٌ فِي عَقْلِي بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالْخَيَالِ ، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَأَمَّا فِعْلُ لَبِسَ الثِّيَابَ فَمِنْ بَابِ سَمِعَ .
فَلَبْسُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ تَرْوِيجُ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ . وَهَذَا اللَّبْسُ هُوَ مَبْدَأُ التَّضْلِيلِ وَالْإِلْحَادِ فِي الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّ الْمُزَاوِلِينَ لِذَلِكَ لَا يُرَوَّجُ عَلَيْهِمْ قَصْدُ إِبْطَالِهَا فَشَأْنُ مَنْ يُرِيدُ إِبْطَالَهَا أَنْ يَعْمِدَ إِلَى خَلْطِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْحَقَّ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=137وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوهُمْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ إِلَى الْأَصْنَامِ . وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِ الضَّلَالِ الَّذِي أُدْخِلَ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ ، فَقَدْ قَالَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنَ الْعَرَبِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ أَنَّنَا كُنَّا نُعْطِي الزَّكَاةَ لِلرَّسُولِ وَنُطِيعُهُ فَلَيْسَ عَلَيْنَا طَاعَةٌ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَهَذَا نَقْضٌ لِجَامِعَةِ الْمِلَّةِ فِي صُورَةِ الْأَنَفَةِ مِنَ الطَّاعَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ شَاعِرُهُمْ وَهُوَ
الْخُطَيْلُ بْنُ أَوْسٍ :
أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إِذْ كَانَ بَيْنَنَا فَيَالِعِبَادِ اللَّهِ مَا لِأَبِي بَكْرِ
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّاقِمُونَ عَلَى
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَبَّسُوا بِأُمُورٍ زَيَّنُوهَا لِلْعَامَّةِ كَقَوْلِهِمْ رَقِيَ إِلَى مَجْلِسِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ لِأَنَّ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَهُ نَزَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الدَّرَجَةِ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا سَلَفُهُ . وَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَاتَمُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ رَمْزٌ عَلَى سُقُوطِ خِلَافَتِهِ . وَقَدْ قَالَتِ
الْخَوَارِجُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ فَقَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=29575وَحَرَّفَ أَقْوَامٌ آيَاتٍ بِالتَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ ثُمَّ سَمَّوْا ذَلِكَ بِالْبَاطِنِ وَزَعَمُوا أَنَّ لِلْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ لَبْسٌ كَثِيرٌ ، ثُمَّ نَشَأَتْ عَنْ ذَلِكَ نِحْلَةُ
الْبَاطِنِيَّةِ . ثُمَّ تَأْوِيلَاتُ الْمُتَفَلْسِفِينَ فِي الشَّرِيعَةِ كَأَصْحَابِ الرَّسَائِلِ الْمُلَقَّبِينَ بِإِخْوَانِ الصَّفَاءِ .
ثُمَّ نَشَأَ تَلْبِيسُ الْوَاعِظِينَ وَالْمُرَغِّبِينَ
وَالْمُرْجِئَةِ ؛ فَأَخَذُوا بَعْضَ الْآيَاتِ فَأَشَاعُوهَا وَكَتَمُوا مَا يُقَيِّدُهَا وَيُعَارِضُهَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَأَوْهَمُوا النَّاسَ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ وَكُلِّ مُذْنِبٍ وَلَوْ لَمْ يَتُبْ وَأَغَضُّوا عَنْ آيَاتِ الْوَعِيدِ وَآيَاتِ التَّوْبَةِ . وَلِلتَّفَادِي مِنْ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ عُلَمَاءُ أُصُولِ الْفِقْهِ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21304التَّأْوِيلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ ، أَمَّا إِذَا وَقَعَ التَّأْوِيلُ لِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ دَلِيلٌ فَهُوَ
[ ص: 472 ] تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ؛ فَإِنْ وَقَعَ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا فَهُوَ لَعِبٌ لَا تَأْوِيلٌ وَلِهَذَا نَهَى الْفُقَهَاءُ عَنِ اقْتِبَاسِ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَ لَهُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12734ابْنُ الرُّومِيِّ :
لَئِنْ أَخْطَأْتُ فِي مَدِي حِكَ مَا أَخْطَأْتَ فِي مَنْعِي
لَقَدْ أَنْزَلْتُ حَاجَاتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعِ
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حَالٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ لِأَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ مِنَ الْعَالِمِ أَشَدُّ فَمَفْعُولُ تَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ ، أَيْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَيْ لَبْسَكُمُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ .
قَالَ
الطَّيِّبِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " غَيْرُ مُنَزَّلٍ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِأَنَّهُ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ وَصْفُ كَمَالٍ وَذَلِكَ يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أَفَلَا تَعْقِلُونَ إِذْ نَفَى عَنْهُمْ وَصْفَ الْعَقْلِ فَكَيْفَ يُثْبِتُ لَهُمْ هُنَا وَصْفَ الْعِلْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ .