الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم قال - تعالى - : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) يقول - تعالى - للمؤمنين : إن هؤلاء الذين علمتم شأنهم مع أنبيائهم حسدة لا يلتفت إلى تكذيبهم ولا يبالى بعدوانهم ، ولا يضركم كفرهم وعنادهم ، فهم لحسدهم لا يودون أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم ، والقرآن أعظم الخيرات ؛ لأنه النظام الكامل ، والفضل الشامل ، والهداية العظمى ، والآية الكبرى ، جمع به شملكم ، ووصل حبلكم ، ووحد شعوبكم وقبائلكم ، وطهر عقولكم من نزغات الوثنية ، وزكى نفوسكم من أدران الجاهلية ، وأقامكم على سنن الفطرة ، وشرع لكم الحنيفية السمحة ، فكيف لا يحرق الحسد عليه أكبادهم ويخرج أضغانهم عليكم وأحقادهم ؟ .

                          ( أقول ) الود محبة الشيء ، وتمني وقوعه ، يطلق على كل منهما قصدا ، وعلى الآخر تبعا . ويكون مفعول الأول مفردا والثاني جملة ، ونفيه بمعنى الكراهة ، فالمعنى : ما يحب الذين كفروا من اليهود والنصارى ولا من المشركين أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم ، أما أهل الكتاب ولا سيما اليهود فلحسدهم للعرب أن يكون فيهم الكتاب والنبوة ، وهو ما كانوا يحتكرونه لأنفسهم ، وأما المشركون فلأن في التنزيل المرة بعد المرة من قوة الإسلام ورسوخه وانتشاره ما خيب آمالهم في تربصهم الدوائر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وانتهاء أمره .

                          ثم إن الله - تعالى - رد عليهم بما بين جهلهم وجهل جميع الحاسدين فقال : ( والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) ، أي أن الحاسد لغباوته وفساد طويته يكون ساخطا على الله - تعالى - ومعترضا عليه أن أنعم على المحسود بما أنعم ، ولا يضر الله - تعالى - سخط الساخطين ، ولا يحول مجاري نعمه حسد الحاسدين ، فالله يختص برحمته من يشاء من عباده ، والله ذو الفضل [ ص: 341 ] العظيم - أسند كلا من هذين الأمرين إلى اسم الذات الأعظم لبيان أنهما حقه لذاته ، فليس لأحد من عبيده أدنى تأثير في منحهما ولا في منعهما .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية