الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل يا قوم أمر له صلى الله تعالى عليه وسلم أن يواجه الكفار بتشديد التهديد وتكرير الوعيد ويظهر لهم ما هو عليه من غاية التصلب في الدين ونهاية الوثوق بأمره وعدم المبالاة بهم أصلا إثر ما بين لهم حالهم ومآلهم أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار اعملوا على مكانتكم أي على غاية تمكنكم واستطاعتكم على أن المكانة مصدر مكن إذ تمكن أبلغ التمكن وجوز أن يكون ظرفا بمعنى المكان كالمقام والمقامة ومن هنا فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما رواه ابن المنذر عنه بالناحية وتجوز به عن ذلك من فسره بالحالة أي اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو بكر عن عاصم ( مكاناتكم ) على الجمع في كل القرآن وزعم الواحدي أن الوجه الإفراد وفيه نظر والمعنى اثبتوا على كفركم ومعاداتكم لي إني عامل على مكانتي أي ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 31 ] والأمر بالتهديد وإيراده بصيغة الأمر كما قال غير واحد مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عازما عليه فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن يتفصى عنه وجعل العلامة الثاني ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية تشبيها لذلك المعنى بالمعنى المأمور به الواجب الذي لا بد أن يكون ممن ضربت عليه الشقوة فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار أي إنكم لتعلمون ذلك لا محالة فسوف لتأكيد مضمون الجملة والعلم عرفاني فيتعدى إلى واحد ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء والجملة بعدها خبرها ومجموعهما ساد مسد مفعول العلم .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بالدار الدنيا لا دار السلام كما قيل وبالعاقبة العاقبة الحسنى أي عاقبة الخير لأنها الأصل فإنه تعالى جعل الدنيا مزرعة الآخرة وقنطرة المجاز إليها وأراد من عباده أعمال الخير لينالوا حسن الخاتمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما عاقبة الشر فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تحريف الفجار أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها ويجوز أن تكون ما موصولة فمحلها النصب على أنها مفعول تعلمون أي فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار وفيه مع الإنذار المستفاد من التهديد إنصاف في المقال وتنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره وقرأ حمزة والكسائي ( يكون ) بالتحتية لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي إنه أي الشأن لا يفلح الظالمون (135) أي لا يظفروا بمطلوبهم وإنما وضع الظلم موضع الكفر لأنه أعم منه وهو أكثر فائدة لأنه إذا لم يفلح الظالم فكيف الكافر المتصف بأعظم أفراد الظلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية