الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
5082 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت عن nindex.php?page=showalam&ids=11973أبي حازم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=654978أن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم فكان يأكل أكلا قليلا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال nindex.php?page=treesubj&link=33243إن المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء
قوله ( عن nindex.php?page=showalam&ids=11973أبي حازم ) هو سلمان بسكون اللام الأشجعي وليس هو سلمة بن دينار الزاهد فإنه أصغر من الأشجعي ولم يدرك nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هـريرة .
قوله ( إن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم ) وقع في رواية مسلم من طريق أبي صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " nindex.php?page=hadith&LINKID=846075أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها " الحديث وهذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري ، فأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني من طريقه nindex.php?page=hadith&LINKID=846076أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام ، فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ، فلما سلم قال : ليأخذ كل رجل بيد جليسه ، فلم يبق غيري ، فكنت رجلا عظيما طويلا لا يقدم علي أحد ، فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليه ثم حلب لي آخر حتى حلب سبعة أعنز فأتيت عليها ، ثم أتيت بصنيع برمة فأتيت عليها ، فقالت أم أيمن : أجاع الله من أجاع رسول الله ، فقال : مه يا أم أيمن ، أكل رزقه ، ورزقنا على الله . فلما كانت الليلة الثانية وصلينا المغرب صنع ما صنع في التي قبلها فحلب لي عنزا ورويت وشبعت ، فقالت أم أيمن : أليس هذا ضيفنا ؟ قال : إنه أكل في معى واحد الليلة وهو مؤمن ، وأكل قبل ذلك [ ص: 449 ] في سبعة أمعاء ، الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد " وفي إسناد الجميع موسى بن عبيدة وهو ضعيف . وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمر وقال nindex.php?page=hadith&LINKID=846077جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال ، فأخذ كل رجل من الصحابة رجلا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ، فقال له ما اسمك ؟ قال : أبو غزوان . قال فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك يا أبا غزوان أن تسلم ؟ قال : نعم . فأسلم ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها ، فقال : ما لك يا أبا غزوان ؟ قال : والذي بعثك نبيا لقد رويت . قال : إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معى واحد وهذه الطريق أقوى من طريق جهجاه ، ويحتمل أن تكون تلك كنيته ، لكن يقوي التعدد أن أحمد أخرج من حديث أبي بصرة الغفاري قال nindex.php?page=hadith&LINKID=846078أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هـاجرت قبل أن أسلم ، فحلب لي شويهة كان يحلبها لأهله فشربتها ، فلما أصبحت أسلمت حلب لي فشربت منها فرويت ، فقال : أرويت ؟ قلت : قد رويت ما لا رويت قبل اليوم الحديث ، وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب وإن كان المعنى واحدا ، لكن ليس في قصته خصوص العدد . nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد أيضا nindex.php?page=showalam&ids=15061ولأبي مسلم الكجي وقاسم بن ثابت في " الدلائل " والبغوي في " الصحابة " من طريق محمد بن معن بن نضلة الغفاري " حدثني جدي نضلة بن عمرو قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=846079أقبلت في لقاح لي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم أخذت علبة فحلبت فيها فشربها فقلت : يا رسول الله إن كنت لأشربها مرارا لا أمتلئ " وفي لفظ " إن كنت لأشرب السبعة ، فما أمتلئ " فذكر الحديث . وهذا أيضا لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث الباب لاختلاف السياق . ووقع في كلام النووي تبعا لعياض أنه نضرة بن نضرة الغفاري ، وذكر ابن إسحاق في السيرة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال أنه لما أسر ثم أسلم وقعت له قصة تشبه قصة جهجاه ، فيجوز أن يفسر به ، وبه صدر المازري كلامه .
واختلف في معنى الحديث فقيل : ليس المراد به ظاهره وإنما هـو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها ، فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معى واحد ، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء ، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل وإنما المراد nindex.php?page=treesubj&link=27209_29498التقلل من الدنيا والاستكثار منها ، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك بالأمعاء ، ووجه العلاقة ظاهر ، وقيل المعنى أن nindex.php?page=treesubj&link=18617المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام ، والحلال أقل من الحرام في الوجود نقله ابن التين ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران فقال : حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلا أي يرغب فيها ويحرص عليها ، فمعنى المؤمن يأكل في معى واحد أي يزهد فيها فلا يتناول منها إلا قليلا ، والكافر في سبعة أي يرغب فيها فيستكثر منها . وقيل المراد nindex.php?page=treesubj&link=18336حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر ، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر ، ويدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=18336_33245كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=12والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام وقيل بل هو على ظاهره . ثم اختلفوا في ذلك على أقوال :
أحدها : أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية ، جزم بذلك nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر فقال : لا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه ، فكم من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه ، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله ، قال : وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه ، ولذلك عقب به مالك الحديث المطلق ، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، فكأنه قال : هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر اهـ . وقد سبقه إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في " مشكل الآثار " فقال : قيل إن هذا [ ص: 450 ] الحديث كان في كافر مخصوص وهو الذي شرب حلاب السبع شياه ، قال : وليس للحديث عندنا محمل غير هذا الوجه ، والسابق إلى ذلك أولا أبو عبيدة ، وقد تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا من الدخول عليه واحتج بالحديث . ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح بتعدد الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك .
القول الثاني : أن الحديث خرج مخرج الغالب ، وليست حقيقة العدد مرادة ، قالوا تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27والبحر يمده من بعده سبعة أبحر والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن nindex.php?page=treesubj&link=18336مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ، ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك ، والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع ، بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام ، فصار أكل المؤمن - لما ذكرته - إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه ، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر ، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك ، ويكون في الكفار من يأكل قليلا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء ، وإما للرياضة على رأي الرهبان ، وإما لعارض كضعف المعدة .
قال الطيبي : ومحصل القول أن من nindex.php?page=treesubj&link=24626شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة ، بخلاف الكافر ، فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث . ومن هذا قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة الآية ، وقد يوجد من الزاني نكاح الحرة ومن الزانية نكاح الحر .
القول الثالث : أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان ، لأن nindex.php?page=treesubj&link=29674_19792من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته ، كما ورد في حديث لأبي أمامة رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=846080من كثر تفكره قل طعمه ، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح " nindex.php?page=hadith&LINKID=846081إن هذا المال حلوة خضرة ، فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع " فدل على أن المراد بالمؤمن ، من يقتصد في مطعمه ، وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية ، وقد رد هذا nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي وقال : قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير ، فلم يكن ذلك نقصا في إيمانهم .
الرابع : أن المراد أن nindex.php?page=treesubj&link=18361_18328المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل ، والكافر لا يسمي فيشركه الشيطان كما تقدم تقريره قبل ، ، وفي صحيحمسلم في حديث مرفوع nindex.php?page=hadith&LINKID=846082 " إن الشيطان يستحل الطعام إن لم يذكر اسم الله تعالى عليه " .
الخامس : أن nindex.php?page=treesubj&link=18336_33244المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفي مأكله فيشبع من القليل ، والكافر طامح البصر إلى المأكل كالأنعام فلا يشبعه القليل ، وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله ويجعلان جوابا واحدا مركبا .
السادس : قال النووي المختار أن المراد أن nindex.php?page=treesubj&link=33245_33244بعض المؤمنين يأكل في معى واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء ، ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معى المؤمن اهـ ، ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن nindex.php?page=treesubj&link=28661أمعاء الإنسان سبعة : المعدة ، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها : البواب ، ثم الصائم . ثم الرقيق والثلاثة رقاق ، ثم الأعور ، والقولون ، والمستقيم وكلها غلاظ . فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشراهة لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة ، والمؤمن يشبعه ملء معى واحد . ونقل الكرماني عن الأطباء في تسمية الأمعاء السبعة أنها المعدة ، ثم ثلاثة متصلة بها رقاق وهي الاثنا عشري ، والصائم ، والقولون ، ثم ثلاثة غلاظ وهي الفانفي بنون وفاءين أو قافين ، والمستقيم ، والأعور .
السابع : قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في [ ص: 451 ] الكافر صفات هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن ، وبالواحد في المؤمن سد خلته .
الثامن : قال القرطبي : شهوات الطعام سبع . شهوة الطبع ، وشهوة النفس ، وشهوة العين ، وشهوة الفم ، وشهوة الأذن ، وشهوة الأنف ، وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن ، وأما الكافر فيأكل بالجميع . ثم رأيت أصل ما ذكره في كلام nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبي بكر بن العربي ملخصا وهو أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة ، قال العلماء يؤخذ من الحديث الحض على nindex.php?page=treesubj&link=27209التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها ، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل ويذمون كثرة الأكل كما تقدم في حديث أم زرع أنها قالت في معرض المدح لابن أبي زرع " ويشبعه ذراع الجفرة " وقال حاتم الطائي : فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه . وقال ابن التين : قيل إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات : طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة وهذا فعل أهل الجهل ، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب ، وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق اهـ ملخصا . وهو صحيح ، لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه وهو لائق بالقول الثاني .