الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وأما nindex.php?page=treesubj&link=3902_3879_3884_3375_27748_3867_3871_3307الذي يتحلل به بغير ذبح الهدي فكل محصر منع عن المضي في موجب الإحرام شرعا لحق العبد ، كالمرأة والعبد الممنوعين شرعا لحق الزوج ، والمولى بأن أحرمت المرأة بغير إذن زوجها ، أو أحرم العبد بغير إذن مولاه ، فللزوج والمولى أن يحللهما في الحال من غير ذبح الهدي ، فيقع الكلام في هذا في موضعين .
أحدهما : في جواز هذا النوع من التحلل ، والثاني : في بيان ما يتحلل به أما الجواز ; فلأن منافع بضع المرأة حق الزوج وملكه عليها فيحتاج إلى استيفاء حقه ، ولا يمكنه ذلك مع قيام الإحرام فيحتاج إلى التحلل ، ولا سبيل إلى توقيفه على ذبح الهدي في الحرم لما فيه من إبطال حقه للحال فكان له أن يحللها للحال .
وعلى المرأة أن تبعث الهدي ، أو ثمنه إلى الحرم ليذبح عنها ، لأنها تحللت بغير طواف ، وعليها حجة وعمرة كما على الرجل المحصر إذا تحلل بالهدي بخلاف ما إذا أحرمت بحجة الإسلام ولا زوج لها ، ولا محرم ، أو كان لها زوج أو محرم فمات أنها لا تتحلل إلا بالهدي ; لأن المنع هناك لحق الله تعالى لا لحق العبد ، فكان تحللها جائزا لا حقا مستحقا عليها لأحد ، ألا ترى لها أن تبقى على إحرامها ما لم تجد محرما ، أو زوجا ، فكان تحللها بما هو الموضوع للتحلل في الأصل وهو : ذبح الهدي فهو الفرق .
وكذا العبد بمنافعه ملك المولى فيحتاج إلى تصريفه في وجوه مصالحه ، ولا يمكنه ذلك مع قيام الإحرام ، فيحتاج إلى التحلل في الحال لما فيه من التوقيف على ذبح الهدي في الحرم من تعطيل مصالحه فيحلله المولى للحال ، وعلى العبد إذا عتق هدي الإحصار ، وقضاء حجة وعمرة ; لأن الحج وجب عليه بالشروع لكونه مخاطبا أهلا ، إلا أنه تعذر عليه المضي لحق المولى ، فإذا عتق زال حقه ، وتجب عليه العمرة لفوات الحج في عامه ذلك .
ولو كان أحرم العبد بإذن مولاه يكره للمولى أن يحلله بعد ذلك ; لأنه رجوع عما وعد وخلف في الوعد ، فيكره .
ولو حلله جاز ; لأن العبد بمنافعه ملك المولى ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر أن المولى إذا أذن للعبد في الحج ليس له أن يحلله ; لأنه لما أذن له فقد أسقط حقه بالإذن ، فأشبه الحر والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن المحلل بعد الإذن قائم وهو الملك ، إلا أنه يكره لما قلنا .
وإذا حلله لا هدي عليه ; لأن المولى لا يجب عليه لعبده شيء .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=3869_25620أحصر العبد بعد ما أحرم بإذن المولى ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في شرحه مختصر الكرخي : أنه لا يلزم المولى إنفاذ هدي ; لأنه لو لزمه للزمه لحق العبد ولا يجب للعبد على مولاه حق ، فإن أعتقه وجب عليه أن يبعث الهدي ; لأنه إذا أعتق صار ممن يثبت له عليه حق ، فصار كالحر إذا حج عن غيره فأحصر أنه يجب على المحجوج عنه أن يبعث الهدي .
وذكر القاضي في شرحه مختصر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : أن على المولى أن يذبح عنه هديا في الحرم فيحل ; لأن هذا الدم وجب لبلية ابتلي بها العبد بإذن المولى فصار بمنزلة النفقة ، والنفقة على المولى .
وكذا دم الإحصار ، ولهذا كان دم الإحصار في مال الميت إذا أحصر الحاج عن الميت لا عليه كذا هذا .
ولو أحرم العبد ، أو الأمة بإذن المولى ، ثم باعهما يجوز البيع ، وللمشتري أن يمنعهما ويحللهما في قول أصحابنا الثلاثة .
وفي قول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : ليس له ذلك ، وله أن يردهما بالعيب ، وعلى هذا الخلاف المرأة إذا أحرمت بحجة التطوع ثم تزوجت فللزوج أن يحللها .
وعند nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ليس له ذلك ، كذا حكى القاضي الخلاف في شرحه مختصر nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري في شرحه مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي الخلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر .
وجه قول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر : أن الذي انتقل إلى المشتري هو ما كان للبائع ، ولم يكن للبائع أن يحلله عنده ، لما ذكرنا أنه أسقط حق نفسه بالإذن كذا المشتري .
ولنا أن الإحرام لم يقع بإذن المشتري فصار كأنه أحرم في ملكه ابتداء بغير إذنه .
ولو كان كذلك كان له أن يحلله ، كذا هذا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : إذا nindex.php?page=treesubj&link=3867_3307أذن الرجل لعبده في الحج ثم باعه لا أكره للمشتري أن يحلله ; لأن الكراهة في حق البائع ، لما فيه من خلف الوعد ولم يوجد ذلك من المشتري ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في nindex.php?page=treesubj&link=3867_3375أمة لها زوج أذن لها مولاها في الحج فأحرمت ليس لزوجها أن يحللها ; لأن التحلل إنما ثبت للزوج بمنعها من السفر ليستوفي حقه منها .
ومنع الأمة من السفر إلى مولاها دون الزوج ، ألا ترى أن المولى [ ص: 182 ] لو سافر بها لم يكن للزوج منعها ، فكذا إذا أذن لها في السفر .
وأما بيان ما يتحلل به ، فالتحلل عن هذا النوع من الإحصار يقع بفعل الزوج والمولى أدنى محظورات الإحرام من قص ظفرهما أو تطييبهما ، أو بفعلهما ذلك بأمر الزوج والمولى ، أو بامتشاط الزوجة رأسها بأمر الزوج ، أو تقبيلها ، أو معانقتها فتحل بذلك ، والأصل فيه ما روي { nindex.php?page=hadith&LINKID=5955أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في العمرة : امتشطي وارفضي عنك العمرة } ولأن التحلل صار حقا عليهما للزوج والمولى ، فجاز بمباشرتهما أدنى ما يحظره الإحرام ، ولا يكون التحلل بقوله : حللتك ; لأن هذا تحليل من الإحرام فلا يقع بالقول ، كالرجل الحر إذا أحصر فقال : حللت نفسي .