وللناس قولان في
nindex.php?page=treesubj&link=31744_31764هذا العالم : هل هو مخلوق من مادة أم لا ؟ [ ص: 112 ] واختلفوا في أول هذا العالم ما هو ؟ وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ( هود : 7 ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964198قال أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئناك لنتفقه في الدين ، ولنسألك عن أول هذا الأمر ، فقال : " كان الله ولم يكن شيء قبله " ، وفي رواية : " ولم يكن شيء معه " ، وفي رواية " غيره " ، " وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، وخلق السماوات والأرض " ، وفي لفظ : " ثم خلق السماوات والأرض " . فقوله : " كتب في الذكر " ، يعني اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ( الأنبياء : 105 ) سمى ما يكتب في الذكر ذكرا ، كما يسمى ما يكتب في الكتاب كتابا .
والناس في هذا الحديث على قولين : منهم من قال : إن المقصود إخباره بأن الله كان موجودا وحده ولم يزل كذلك دائما ، ثم ابتدأ إحداث جميع الحوادث ، فجنسها وأعيانها مسبوقة بالعدم ، وأن جنس الزمان حادث لا في زمان ، وأن الله صار فاعلا بعد أن لم يكن يفعل شيئا من الأزل إلى حين ابتداء الفعل كان الفعل ممكنا .
[ ص: 113 ] والقول الثاني : المراد إخباره عن مبدأ خلق هذا العالم الموجود الذي خلقه الله في ستة أيام ثم استوى على العرش ، كما أخبر القرآن بذلك في غير موضع ، وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964199قدر الله تعالى مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن تقدير هذا العالم المخلوق في ستة أيام كان قبل خلقه السماوات بخمسين ألف سنة ، وأن عرش الرب تعالى كان حينئذ على الماء .
دليل صحة هذا القول الثاني من وجوه : أحدها : أن قول أهل
اليمن جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر ، وهو إشارة إلى حاضر مشهود موجود ، والأمر هنا بمعنى المأمور ، أي الذي كونه الله بأمره . وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم عن بدء هذا العالم الموجود ، لا عن جنس المخلوقات ، لأنهم لم يسألوه عنه ، وقد أخبرهم عن خلق السماوات والأرض حال كون عرشه على الماء ،
[ ص: 114 ] ولم يخبرهم عن خلق العرش ، وهو مخلوق قبل خلق السماوات والأرض . وأيضا فإنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964200كان الله ولم يكن شيء قبله . وقد روي ( معه ) ، وروي ( غيره ) ، والمجلس كان واحدا ، فعلم أنه قال أحد الألفاظ والآخران رويا بالمعنى ، ولفظ القبل ثبت عنه في غير هذا الحديث . ففي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964201أنه كان يقول في دعائه : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، الحديث . واللفظان الآخران لم يثبت واحد منهما في موضع آخر ، ولهذا كان كثير من أهل الحديث إنما يرويه بلفظ القبل ،
كالحميدي والبغوي nindex.php?page=showalam&ids=12569وابن الأثير . وإذا كان كذلك لم يكن في هذا اللفظ تعرض لابتداء الحوادث ، ولا لأول مخلوق .
[ ص: 115 ] وأيضا : فإنه يقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964200كان الله ولم يكن شيء قبله أو معه أو غيره ، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء . فأخبر عن هذه الثلاثة بالواو ، و
nindex.php?page=hadith&LINKID=964202خلق السماوات والأرض روي بالواو وبثم ، فظهر أن مقصوده إخباره إياهم ببدء خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام ، لا ابتداء خلق ما خلقه الله قبل ذلك ، وذكر السماوات والأرض بما يدل على خلقهما ، وذكر ما قبلهما بما يدل على كونه ووجوده ، ولم يتعرض لابتداء خلقه له . وأيضا : فإنه إذا كان الحديث قد ورد بهذا وهذا ، فلا يجزم بأحدهما إلا بدليل ، فإذا رجح أحدهما فمن جزم بأن الرسول أراد المعنى الآخر فهو مخطئ قطعا ، ولم يأت في الكتاب ولا في السنة ما يدل على المعنى الآخر ، فلا يجوز إثباته بما يظن أنه معنى الحديث ، ولم يرد ( كان الله ولا شيء معه ) مجردا ، وإنما ورد على السياق المذكور ، فلا يظن أن معناه الإخبار بتعطيل الرب تعالى دائما عن الفعل حتى خلق السماوات والأرض . وأيضا : فقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964203كان الله ولا شيء قبله ، أو معه ، أو غيره ، وكان عرشه على الماء ، لا يصح أن يكون المعنى أنه تعالى موجود وحده لا مخلوق معه أصلا ، لأن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964204وكان عرشه على الماء . يرد ذلك ، فإن هذه الجملة وهي : وكان عرشه على الماء إما حالية ، أو معطوفة ، وعلى كلا التقديرين فهو مخلوق موجود
[ ص: 116 ] في ذلك الوقت ، فعلم أن المراد ولم يكن شيء من هذا العالم المشهود .
قوله : ( له معنى الربوبية ولا مربوب ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ) .
ش : يعني أن
nindex.php?page=treesubj&link=31743الله تعالى موصوف بأنه الرب قبل أن يوجد مربوب ، وموصوف بأنه خالق قبل أن يوجد مخلوق . قال بعض المشايخ الشارحين : وإنما قال : له معنى الربوبية ومعنى الخالق دون الخالقية ، لأن الخالق هو المخرج للشيء من العدم إلى الوجود لا غير ، والرب يقتضي معاني كثيرة ، وهي : الملك والحفظ والتدبير والتربية وهي تبليغ الشيء كماله بالتدريج ، فلا جرم أتى بلفظ يشمل هذه المعاني ، وهي الربوبية . انتهى . وفيه نظر ، لأن الخلق يكون بمعنى التقدير أيضا .
قوله : ( وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم ، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم ) .
ش : يعني : أنه سبحانه وتعالى موصوف بأنه محيي الموتى قبل إحيائهم ، فكذلك يوصف بأنه خالق قبل خلقهم ، إلزاما
للمعتزلة ومن قال بقولهم ، كما حكينا عنهم فيما تقدم . وتقدم تقرير أنه تعالى لم يزل يفعل ما يشاء .
وَلِلنَّاسِ قَوْلَانِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31744_31764هَذَا الْعَالَمِ : هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَادَّةٍ أَمْ لَا ؟ [ ص: 112 ] وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ هَذَا الْعَالَمِ مَا هُوَ ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ( هُودٍ : 7 ) .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964198قَالَ أَهْلُ الْيَمَنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ ، فَقَالَ : " كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : " وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَعَهُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ " غَيْرُهُ " ، " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " ، وَفِي لَفْظِ : " ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " . فَقَوْلُهُ : " كَتَبَ فِي الذِّكْرِ " ، يَعْنِي اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ( الْأَنْبِيَاءِ : 105 ) سَمَّى مَا يُكْتَبُ فِي الذِّكْرِ ذِكْرًا ، كَمَا يُسَمَّى مَا يُكْتَبُ فِي الْكِتَابِ كِتَابًا .
وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمَقْصُودَ إِخْبَارُهُ بِأَنَّ اللَّهَ كَانَ مَوْجُودًا وَحْدَهُ وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ دَائِمًا ، ثُمَّ ابْتَدَأَ إِحْدَاثَ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ ، فَجِنْسُهَا وَأَعْيَانُهَا مَسْبُوقَةٌ بِالْعَدَمِ ، وَأَنَّ جِنْسَ الزَّمَانِ حَادِثٌ لَا فِي زَمَانٍ ، وَأَنَّ اللَّهَ صَارَ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنَ الْأَزَلِ إِلَى حِينِ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ كَانَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا .
[ ص: 113 ] وَالْقَوْلُ الثَّانِي : الْمُرَادُ إِخْبَارُهُ عَنْ مَبْدَأِ خَلْقِ هَذَا الْعَالَمِ الْمَوَجُودِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ، كَمَا أَخْبَرَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964199قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ . فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْعَالَمِ الْمَخْلُوقِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَأَنَّ عَرْشَ الرَّبِّ تَعَالَى كَانَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَاءِ .
دَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ
الْيَمَنِ جِئْنَاكَ لِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ مَشْهُودٍ مَوْجُودٍ ، وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ ، أَيِ الَّذِي كَوَّنَهُ اللَّهُ بِأَمْرِهِ . وَقَدْ أَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَدْءِ هَذَا الْعَالَمِ الْمَوْجُودِ ، لَا عَنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْهُ ، وَقَدْ أَخْبَرَهُمْ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَالَ كَوْنِ عَرْشِهِ عَلَى الْمَاءِ ،
[ ص: 114 ] وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ عَنْ خَلْقِ الْعَرْشِ ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964200كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ . وَقَدْ رُوِيَ ( مَعَهُ ) ، وَرُوِيَ ( غَيْرُهُ ) ، وَالْمَجْلِسُ كَانَ وَاحِدًا ، فَعُلِمَ أَنَّهُ قَالَ أَحَدَ الْأَلْفَاظِ وَالْآخَرَانِ رُوِيَا بِالْمَعْنَى ، وَلَفْظُ الْقَبْلِ ثَبَتَ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ . فَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964201أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، الْحَدِيثَ . وَاللَّفْظَانِ الْآخَرَانِ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِنَّمَا يَرْوِيهِ بِلَفْظِ الْقَبْلِ ،
كَالْحُمَيْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12569وَابْنِ الْأَثِيرِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا اللَّفْظِ تَعَرُّضٌ لِابْتِدَاءِ الْحَوَادِثِ ، وَلَا لِأَوَّلِ مَخْلُوقٍ .
[ ص: 115 ] وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ يُقَالُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964200كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ . فَأَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالْوَاوِ ، وَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=964202خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ رُوِيَ بِالْوَاوِ وَبِثُمَّ ، فَظَهَرَ أَنَّ مَقْصُودَهُ إِخْبَارُهُ إِيَّاهُمْ بِبَدْءِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَهِيَ الْمَخْلُوقَاتُ الَّتِي خُلِقَتْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، لَا ابْتِدَاءِ خَلْقِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى خَلْقِهِمَا ، وَذَكَرَ مَا قَبْلَهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ وَوُجُودِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِابْتِدَاءِ خَلْقِهِ لَهُ . وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ قَدْ وَرَدَ بِهَذَا وَهَذَا ، فَلَا يُجْزَمُ بِأَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ ، فَإِذَا رَجَحَ أَحَدُهُمَا فَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الرَّسُولَ أَرَادَ الْمَعْنَى الْآخَرَ فَهُوَ مُخْطِئٌ قَطْعًا ، وَلَمْ يَأْتِ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ ، فَلَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ ، وَلَمْ يَرِدْ ( كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ ) مُجَرَّدًا ، وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَى السِّيَاقِ الْمَذْكُورِ ، فَلَا يُظَنُّ أَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِتَعْطِيلِ الرَّبِّ تَعَالَى دَائِمًا عَنِ الْفِعْلِ حَتَّى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ . وَأَيْضًا : فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964203كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ ، أَوْ مَعَهُ ، أَوْ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ وَحْدَهُ لَا مَخْلُوقَ مَعَهُ أَصْلًا ، لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964204وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ . يَرُدُّ ذَلِكَ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَهِيَ : وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ إِمَّا حَالِيَّةٌ ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَوْجُودٌ
[ ص: 116 ] فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْمَشْهُودِ .
قَوْلُهُ : ( لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ ، وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ ) .
ش : يَعْنِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31743اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ الرَّبُّ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مَرْبُوبٌ ، وَمَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ خَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مَخْلُوقٌ . قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الشَّارِحِينَ : وَإِنَّمَا قَالَ : لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَمَعْنَى الْخَالِقِ دُونَ الْخَالِقِيَّةِ ، لِأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُخْرِجُ لِلشَّيْءِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ لَا غَيْرَ ، وَالرَّبُّ يَقْتَضِي مَعَانِيَ كَثِيرَةً ، وَهِيَ : الْمُلْكُ وَالْحِفْظُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّرْبِيَةُ وَهِيَ تَبْلِيغُ الشَّيْءِ كَمَالَهُ بِالتَّدْرِيجِ ، فَلَا جَرَمَ أَتَى بِلَفْظٍ يَشْمَلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ ، وَهِيَ الرُّبُوبِيَّةُ . انْتَهَى . وَفِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْخَلْقَ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ أَيْضًا .
قَوْلُهُ : ( وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى بَعْدَ مَا أَحْيَا اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ ، كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ ) .
ش : يَعْنِي : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ ، فَكَذَلِكَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ خَالِقٌ قَبْلَ خَلْقِهِمْ ، إِلْزَامًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ ، كَمَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ . وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ .