الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ذكر أقوال طبقة أخرى في صفة العلو .

      عن نوح الجامع قال : كنت عند أبي حنيفة أول ما ظهر جهم ، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما ، فدخلت الكوفة فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف نفس ، فقيل لها : إن هاهنا رجلا نظر في المعقول ، يقال له أبو حنيفة ، فأتيه ، فأتته فقالت : أنت الذي تعلم الناس المسائل ، وقد تركت دينك ، أين إلهك الذي تعبده ؟ فسكت عنها ، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها ، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا : إن الله - عز وجل - في السماء دون الأرض ، فقال له رجل : أرأيت قول الله عز وجل : ( وهو معكم ) ؟ قال : هو كما تكتب إلى الرجل أني معك ، وأنت غائب عنه . رواه البيهقي ، ثم قال : لقد أصاب أبو حنيفة - رحمه الله - فيما نفى عن الله - عز وجل - من الكون في الأرض ، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية ، وتبع مطلق السمع بأن الله - تعالى - في السماء ، قلت : وإنما أراد بقوله هو كما تكتب إلى الرجل . . . إلخ نفي الحلول ، وإلا فربنا - تبارك وتعالى - سواء عنده الغيب والشهادة ، والسر والعلانية .

      وعن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي قال : سألت أبا حنيفة عمن يقول : لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض . قال : إذا أنكر أنه في السماء أو في الأرض ، فقال : قد كفر ; لأن الله - تعالى - يقول : ( الرحمن على العرش استوى ) [ ص: 185 ] ، وعرشه فوق سماواته ، فقلت : إنه يقول : أقول على العرش استوى ، ولكن قال : لا يدري العرش في السماء أو في الأرض . قال : إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر . رواه شيخ الإسلام الأنصاري في الفاروق ، وروى المقدسي عنه - رحمه الله تعالى - أنه قال : من أنكر الله - عز وجل - في السماء ، فقد كفر .

      وعن أبي جريج - رحمه الله تعالى - قال : كان عرشه على الماء قبل أن يخلق الخلق . وروى الحاكم ، عن الأوزاعي - رحمه الله تعالى - قال : كنا والتابعون متوافرون ، نقول : إن الله - عز وجل - فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت السنة من صفاته . وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات . وللثعلبي عنه في قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) قال : هو على عرشه كما وصف نفسه . وسئل - رحمه الله تعالى - عن أحاديث الصفات ، فقال : أمرها كما جاءت .

      وعن مقاتل بن حيان في قوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) قال : هو على عرشه ، وعلمه معهم . رواه عبد الله بن أحمد في السنة .

      وللبيهقي عنه قال : بلغنا والله أعلم في قوله تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) : هو الأول قبل كل شيء ، والآخر بعد كل شيء ، والظاهر فوق كل شيء ، والباطن أقرب من كل شيء ، وإنما قربه بعلمه ، وهو فوق عرشه . وعن سفيان الثوري في قوله : ( وهو معكم أين ما ) قال : علمه . وقال في جميع أحاديث الصفات : أمروها كما جاءت .

      [ ص: 186 ] وعن الإمام مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - قال : الله في السماء ، وعلمه في كل مكان ، لا يخلو منه شيء . وسأله رجل فقال : يا أبا عبد الله ، ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ فأطرق مالك ، وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه ، فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يقال كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت صاحب بدعة ، أخرجوه . وفي رواية قال : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالا ، وأمر به فأخرج .

      وقال سلام بن أبي مطيع : ويلكم ، ما تنكرون هذا الأمر ، والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن ما هو أثبت منه ، قول الله تعالى : ( إن الله سميع بصير - ويحذركم الله نفسه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك - ثم استوى على العرش - والسماوات مطويات بيمينه - ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي - وكلم الله موسى تكليما - ياموسى إني أنا الله ) ، فما زال في ذلك من العصر إلى المغرب .

      وصح عن ابن الماجشون أنه سئل عما جحدت به الجهمية ، فقال : أما بعد ، فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعته الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، فلم تجد العقول مساغا ، فرجعت خاسئة حسيرة ، وإنما أمروا بالنظر والتفكير فيما خلق ، وإنما يقال كيف لما لم يكن مرة ثم كان ، أما من لا يحول ولا يزول ، ولم يزل وليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو . وساق فصلا طويلا في هذا المعنى ، وذكر [ ص: 187 ] جملة من نصوص الصفات - رحمه الله .

      وقال حماد بن زيد : إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله - يعني الجهمية . رواه ابن أبي حاتم الرازي ، وقال محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي : كان الله - تعالى - كما وصف نفسه ، إذ ليس إلا الماء عليه العرش ، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام ، الظاهر في علوه على خلقه ، فليس شيء فوقه ، الباطن لإحاطته بخلقه ، فليس شيء دونه ، الدائم الذي لا يبيد ، وكان أول ما خلق النور والظلمة ، ثم السماوات السبع من دخان ، ثم دحا الأرض ، ثم استوى إلى السماء فحبكهن وأكمل خلقهن في يومين ، ففرغ من خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية