الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع عشر : في تشريف الله - تعالى - بما سماه من أسمائه الحسنى ، ووصفه به من صفاته العلى

          قال القاضي أبو الفضل - وفقه الله - - تعالى - : ما أحرى هذا الفصل بفصول الباب الأول ، لانخراطه في سلك مضمونها ، وامتزاجه بعذب معينها ، لكن لم يشرح الله الصدر للهداية إلى استنباطه ، ولا أنار الفكر لاستخراج جوهره ، والتقاطه إلا عند الخوض في الفصل الذي قبله ، فرأينا أن نضيفه إليه ، ونجمع به شمله .

          فاعلم أن الله - تعالى - خص كثيرا من الأنبياء بكرامة خلعها [ ص: 264 ] عليهم من أسمائه ، كتسمية إسحاق ، وإسماعيل بعليم ، وحليم ، وإبراهيم بحليم ، ونوح بشكور ، وعيسى ، ويحيى ببر ، وموسى بكريم ، وقوي ، ويوسف بحفيظ عليم ، وأيوب بصابر ، وإسماعيل بصادق الوعد ، كما نطق بذلك الكتاب العزيز من مواضع ذكرهم .

          وفضل محمدا - صلى الله عليه وسلم - : بأن حلاه منها في كتابه العزيز ، وعلى ألسنة أنبيائه بعدة كثيرة اجتمع لنا منها جملة بعد إعمال الفكر ، وإحضار الذكر ، إذ لم نجد من جمع منها فوق اسمين ، ولا من تفرغ فيها لتأليف فصلين .

          وحررنا منها في هذا الفصل نحو ثلاثين اسما ، ولعل الله - تعالى - كما ألهم إلى ما علم منها ، وحققه يتم النعمة بإبانة ما لم يظهره لنا الآن ويفتح غلقه .

          فمن أسمائه - تعالى - : الحميد ، ومعناه المحمود ، لأنه حمد نفسه ، وحمده عباده ، ويكون أيضا بمعنى الحامد لنفسه ، ولأعمال الطاعات .

          وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - محمدا ، وأحمد ، فمحمد بمعنى محمود ، وكذا وقع اسمه في زبور داود .

          وأحمد بمعنى أكبر من حمد ، وأجل من حمد ، وأشار إلى نحو هذا حسان بقوله :


          وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود ، وهذا محمد

          ومن أسمائه : الرءوف الرحيم ، وهما بمعنى متقارب .

          وقد سماه في كتابه بذلك ، فقال : بالمؤمنين رءوف رحيم .

          ومن أسمائه - تعالى - الحق المبين . ومعنى الحق : الموجود ، والمتحقق أمره ، وكذلك المبين ، أي البين أمره ، وإلهيته .

          بان وأبان بمعنى واحد . ويكون بمعنى المبين لعباده أمر دينهم ، ومعادهم .

          وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في كتابه ، فقال : حتى جاءهم الحق ورسول مبين [ الزخرف : 29 ] .

          وقال - تعالى - : وقل إني أنا النذير المبين [ الحجر : 89 ] .

          وقال : جاءكم الحق [ يونس : 108 ] .

          وقال : فقد كذبوا بالحق لما جاءهم [ الأنعام : 5 ] ، قيل : محمد ، وقيل القرآن . ومعناه هنا ضد الباطل ، والمتحقق صدقه ، وأمره ، وهو بمعنى الأول .

          والمبين : البين أمره ، ورسالته ، أو المبين عن الله ما بعثه به ، كما قال - تعالى - : لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] .

          ومن أسمائه - تعالى - : النور ، ومعناه ذو النور ، أي خالقه ، أو منور السماوات ، والأرض بالأنوار ، ومنور قلوب المؤمنين بالهداية .

          وسماه نورا ، فقال : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [ المائدة : 15 ] ، قيل محمد ، وقيل القرآن .

          وقال فيه : وسراجا منيرا [ الأحزاب : 46 ] ، سمي بذلك لوضوح أمره ، وبيان نبوته ، وتنوير قلوب المؤمنين العارفين بما جاء به .

          ومن أسمائه - تعالى - : الشهيد ، ومعناه العالم ، وقيل : الشاهد على عباده يوم القيامة .

          وسماه شهيدا [ ص: 265 ] وشاهدا ، فقال : إنا أرسلناك شاهدا [ الفتح : 8 ] .

          وقال : ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] ، وهو بمعنى الأول .

          ومن أسمائه - تعالى - : الكريم ، ومعناه الكثير الخير .

          وقيل : المفضل ، وقيل العفو ، وقيل : العلي .

          وفي الحديث المروي في أسمائه - تعالى - : الأكرم .

          وسماه - تعالى - كريما بقوله : إنه لقول رسول كريم [ الحاقة : 40 ] ، قيل : محمد ، وقيل : جبريل .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا أكرم ولد آدم . ومعاني الاسم صحيحة في حقه - صلى الله عليه وسلم - .

          ومن أسمائه - تعالى - : العظيم ، ومعناه الجليل الشأن الذي كل شيء دونه .

          وقال في النبي - صلى الله عليه وسلم - : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] .

          ووقع في أول سفر من التوراة عن إسماعيل : وستلد عظيما لأمة عظيمة ، فهو عظيم ، وعلى خلق عظيم .

          ومن أسمائه - تعالى - : الجبار ، ومعناه المصلح ، وقيل القاهر ، وقيل العلي العظيم الشأن وقيل المتكبر .

          وسمي النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتاب داود بجبار ، فقال : تقلد أيها الجبار سيفك ، فإن ناموسك ، وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك .

          ومعناه في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - : إما لإصلاحه الأمة بالهداية ، والتعليم ، أو لقهره أعداءه ، أو لعلو منزلته على البشر ، وعظيم خطره .

          ونفى عنه - تعالى - في القرآن جبرية التكبر التي لا تليق به ، فقال : وما أنت عليهم بجبار [ ق : 45 ] .

          ومن أسمائه - تعالى - : الخبير ، ومعناه المطلع بكنه الشيء ، العالم بحقيقته ، وقيل معناه المخبر .

          وقال الله - تعالى - : الرحمن فاسأل به خبيرا [ الفرقان : 59 ] .

          وقال القاضي بكر بن العلاء : المأمور بالسؤال غير النبي - صلى الله عليه وسلم - . والمسئول الخبير هو النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          وقال غيره : بل السائل النبي - صلى الله عليه وسلم - . والمسئول هو الله - تعالى - ، فالنبي خبير بالوجهين المذكورين ، قيل : لأنه عالم على غاية من العلم بما أعلمه الله من مكنون علمه ، وعظيم معرفته ، مخبر لأمته بما أذن له في إعلامهم به .

          ومن أسمائه - تعالى - : الفتاح ، ومعناه الحاكم بين عباده ، أو فاتح أبواب الرزق والرحمة والمنغلق من أمورهم عليهم ، أو يفتح قلوبهم ، وبصائرهم لمعرفة الحق ، ويكون أيضا بمعنى الناصر ، كقوله - تعالى - : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح [ الأنفال : 19 ] أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ، وقيل : معناه مبتدئ الفتح ، والنصر .

          وسمى الله - تعالى - محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالفاتح في حديث الإسراء الطويل من رواية الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، وغيره ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وفيه : من قول الله - تعالى - : وجعلتك فاتحا ، وخاتما .

          وفيه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثنائه على ربه ، وتعديد مراتبه : ورفع لي [ ص: 266 ] ذكري ، وجعلني فاتحا ، وخاتما ، فيكون الفاتح هنا بمعنى الحاكم ، أو الفاتح لأبواب الرحمة على أمته ، أو الفاتح لبصائرهم لمعرفة الحق ، والإيمان بالله ، أو الناصر للحق ، أو المبتدئ بهداية الأمة ، أو المبدئ المقدم في الأنبياء ، والخاتم لهم ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث .

          ومن أسمائه - تعالى - في الحديث : الشكور ، ومعناه المثيب على العمل القليل ، وقيل المثني على المطيعين ، ووصف بذلك نبيه نوحا - عليه السلام - فقال : إنه كان عبدا شكورا [ الإسراء : 3 ] .

          وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه بذلك ، فقال : أفلا أكون عبدا شكورا أي معترفا بنعيم ربي ، عارفا بقدر ذلك ، مثنيا عليه ، مجهدا نفسي في الزيادة من ذلك ، لقوله - تعالى - : لئن شكرتم لأزيدنكم [ إبراهيم : 7 ] .

          ومن أسمائه - تعالى - : العليم ، والعلام . وعالم الغيب ، والشهادة .

          ووصف نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعلم ، وخصه بمزية منه ، فقال - تعالى - : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ النساء : 113 ] . ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [ البقرة : 151 ] .

          ومن أسمائه - تعالى - : الأول ، والآخر ، ومعناهما السابق للأشياء قبل ، وجودها ، والباقي بعد فنائها . وتحقيقه أنه ليس له أول ، ولا آخر .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث . وفسر بهذا قوله - تعالى - : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ الأحزاب : 7 ] ، فقدم محمدا - صلى الله عليه وسلم - .

          وقد أشار إلى نحو منه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

          ومنه قوله : نحن الآخرون السابقون .

          وقوله : أنا أول من تنشق الأرض عنه ، وأول من يدخل الجنة ، وأول شافع ، وأول مشفع وهو خاتم النبيين ، وآخر الرسل - صلى الله عليه وسلم - .

          ومن أسمائه - تعالى - : القوي . وذو القوة المتين ، ومعناه : القادر .

          وقد وصفه الله - تعالى - بذلك ، فقال : ذي قوة عند ذي العرش مكين [ التكوير : 20 ] ، قيل محمد ، وقيل جبريل .

          ومن أسمائه - تعالى - : الصادق ، في الحديث المأثور .

          وورد في الحديث أيضا اسمه - صلى الله عليه وسلم - بالصادق ، والمصدوق .

          ومن أسمائه - تعالى - : الولي ، والمولى ، ومعناهما الناصر ، وقد قال الله - تعالى - : إنما وليكم الله ورسوله [ المائدة : 55 ] .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا ولي كل مؤمن .

          وقال الله - تعالى - : النبي أولى بالمؤمنين [ ص: 267 ] [ الأحزاب : 6 ] .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : من كنت مولاه فعلي مولاه .

          ومن أسمائه - تعالى - : العفو ، ومعناه الصفوح .

          وقد وصف الله - تعالى - بهذا نبيه في القرآن والتوراة ، وأمره بالعفو ، فقال - تعالى - : خذ العفو [ الأعراف : 199 ] .

          وقال : فاعف عنهم واصفح [ المائدة : 13 ] .

          وقال له جبريل وقد سأله عن قوله : خذ العفو [ الأعراف : 199 ] ، قال : أن تعفو عمن ظلمك .

          وقال في التوراة ، والإنجيل في الحديث المشهور ، في صفته : ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولكن يعفو ، ويصفح .

          ومن أسمائه - تعالى - : الهادي ، وهو بمعنى توفيق الله لمن أراد من عباده ، وبمعنى الدلالة ، والدعاء . قال الله - تعالى - : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم [ يونس : 25 ] . وقال فيه : وداعيا إلى الله بإذنه [ الأحزاب : 46 ] .

          فالله - تعالى - مختص بالمعنى الأول قال - تعالى - : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ القصص : 56 ] .

          وبمعنى الدلالة يطلق على غيره - تعالى - .

          ومن أسمائه - تعالى - : المؤمن المهيمن قيل : هما بمعنى واحد ، فمعنى المؤمن في حقه - تعالى - : المصدق وعده عباده ، والمصدق قوله الحق ، والمصدق لعباده المؤمنين ، ورسله ، وقيل : الموحد نفسه ، وقيل : المؤمن عباده في الدنيا من ظلمه ، والمؤمنين في الآخرة من عذابه .

          وقيل : المهيمن بمعنى الأمين ، مصغر منه ، فقلبت الهمزة هاء .

          وقد قيل : إن قولهم في الدعاء : آمين إنه اسم من أسماء الله - تعالى - ، ومعناه معنى المؤمن .

          وقيل : المهيمن بمعنى الشاهد ، والحافظ .

          والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمين ، ومهيمن ومؤمن وقد سماه الله - تعالى - أمينا ، فقال : مطاع ثم أمين [ التكوير : 21 ] .

          وكان - صلى الله عليه وسلم - يعرف بالأمين ، وشهر به قبل النبوة ، وبعدها ، وسماه العباس ، في شعره مهيمنا في قوله :


          ثم احتوى بيتك المهيمن من     خندف علياء تحتها النطق



          قيل : المراد : يا أيها المهيمن قاله القتيبي ، والإمام أبو القاسم القشيري .

          وقال - تعالى - : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [ التوبة : 61 ] ، أي يصدق .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : أنا آمنة لأصحابي فهذا بمعنى المؤمن .

          [ ص: 268 ] ومن أسمائه - تعالى - : القدوس ، ومعناه المنزه عن النقائص المطهر من سمات الحدث ، وسمي بيت المقدس ، لأنه يتطهر فيه من الذنوب ، ومنه الوادي المقدس ، وروح القدس .

          ووقع في كتب الأنبياء في أسمائه - صلى الله عليه وسلم - : المقدس ، أي المطهر من الذنوب ، كما قال - تعالى - : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ الفتح : 2 ] .

          أو الذي يتطهر به من الذنوب ، ويتنزه باتباعه عنها ، كما قال تعالى : يخرجهم من الظلمات إلى النور [ المائدة : 16 ] .

          أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة ، والأوصاف الدنيئة .

          ومن أسمائه - تعالى - : العزيز ، ومعناه : الممتنع الغالب ، أو الذي لا نظير له ، أو المعز لغيره ، وقال - تعالى - : ولله العزة ولرسوله [ المنافقون : 8 ] ، أي الامتناع ، وجلالة القدر .

          وقد وصف الله - تعالى - نفسه بالبشارة ، والنذارة ، فقال : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان [ التوبة : 21 ] .

          وقال : أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من [ آل عمران : 39 ] .

          وسماه الله - تعالى - مبشرا ، ونذيرا : أي مبشرا لأهل طاعته ، ونذيرا لأهل معصيته .

          ومن أسمائه - تعالى - فيما ذكره بعض المفسرين : " طه " ، و " يس " . وقد ذكر بعضهم أيضا أنهما من أسماء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية