الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل السابع : الإخبار عن القرون السالفة

          الوجه الرابع : ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة ، والأمم البائدة ، والشرائع الداثرة ، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك ، فيورده النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجهه ، ويأتي به على نصه ، فيعترف العالم بذلك بصحته ، وصدقه ، وأن مثله لم ينله بتعليم .

          وقد علموا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمي لا يقرأ ، ولا يكتب ، ولا اشتغل بمدارسة ، ولا مثافنة ، ولم يغب عنهم ، ولا جهل حاله أحد منهم .

          وقد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألونه - صلى الله عليه وسلم - عن هذا ، فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا ، كقصص الأنبياء مع قومهم ، وخبر موسى ، والخضر ، ويوسف ، وإخوته ، وأصحاب الكهف ، وذي القرنين ، [ ص: 285 ] ولقمان وابنه ، وأشباه ذلك من الأنباء ، وبدء الخلق ، وما في التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وصحف إبراهيم ، وموسى ، مما صدقه فيه العلماء بها ، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها ، بل أذعنوا لذلك ، فمن موفق آمن بما سبق له من خير ، ومن شقي معاند حاسد ، ومع هذا لم يحك عن واحد من النصارى ، واليهود على شدة عداوتهم له ، وحرصهم على تكذيبه ، وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم ، وتقريعهم بما انطوت عليه مصاحفهم ، وكثرة سؤالهم له - صلى الله عليه وسلم - ، وتعنيتهم إياه عن أخبار أنبيائهم ، وأسرار علومهم ، ومستودعات سيرهم ، وإعلامه لهم بمكتوم شرائعهم ، ومضمنات كتبهم ، مثل سؤالهم عن الروح ، وذي القرنين ، وأصحاب الكهف ، وعيسى ، وحكم الرجم ، وما حرم إسرائيل على نفسه ، وما حرم عليهم من الأنعام ، ومن طيبات أحلت لهم فحرمت عليهم ببغيهم .

          وقوله : ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل [ الفتح : 29 ] .

          وغير ذلك من أمورهم التي نزل فيها القرآن فأجابهم ، وعرفهم بما أوحي إليه ، من ذلك أنه أنكر ذلك أو كذبه ، بل أكثرهم صرح بصحة نبوته ، وصدق مقالته ، واعترف بعناده ، وحسدهم إياه ، كأهل نجران ، وابن صوريا ، وابني أخطب ، وغيرهم .

          ومن باهت في ذلك بعض المباهتة ، وادعى أن فيما عندهم من ذلك لما حكاه مخالفة دعي إلى إقامة حجته ، وكشف دعوته ، فقيل له : قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين - إلى قوله - : الظالمون [ آل عمران : 93 - 94 ] .

          فقرع ، ووبخ ، ودعا إلى إحضار ممكن غير ممتنع ، فمن معترف بما جحده ، ومتواقح يلقي على فضيحته من كتابه يده .

          ولم يؤثر أن واحدا منهم أظهر خلاف قوله من كتبه ، ولا أبدى صحيحا ، ولا سقيما من صحفه ، قال الله - تعالى - : ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير [ المائدة : 15 ] الآيتين .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية