الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

قال : وسماع الخاصة ثلاثة أشياء : شهود المقصود في كل رمز ، والوقوف على الغاية في كل حين ، والخلاص من التلذذ بالتفرق .

والمقصود في كل رمز : هو الرب تبارك وتعالى ، فإن المسموع كله يعرف به وبصفاته وأسمائه ، وأفعاله وأحكامه ، ووعده ووعيده ، وأمره ونهيه ، وعدله وفضله ، وهذا الشهود ينال بالسماع بالله ولله وفي الله ومن الله .

أما السماع به : فأن لا يسمع وفيه بقية من نفسه ، فإن كانت فيه بقية قطعها كمال تعلقه بالمسموع ، فيكون سماعه بقيوميته مجردا من التفاته إلى نفسه .

وأما السماع له : فأن يجرد النفس في السماع من كل إرادة تزاحم مراد الله منه . وتجمع قوى سمعه على تحصيل مراد الله من المسموع .

وأما السماع فيه : فشأن آخر ، وهو تجريد ما لا يليق نسبته إلى الحق من وصف ، أو سمة أو نعت ، أو فعل ، مما هو لائق بكماله ، فيثبت له ما يليق بكماله من المسموع ، وينزهه عما لا يليق به .

وهذا الموضع لم يتخلص فيه إلا الراسخون في العلم والمعرفة بالله ، وأضل الله عنه أهل التحريف والتعطيل ، والتشبيه والتمثيل ، و فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

[ ص: 499 ] وأما السماع منه فإنما يتصور بواسطة ، فهو سماع مقيد ، وأما المطلق فلا مطمع فيه في عالم الفناء ، إلا لمن اختصه الله برسالاته وبكلامه ، ولكن السماع لكلامه كالسماع منه ، فإنه كلامه الذي تكلم به حقا ، فمن سمعه فليقدر نفسه كأنه يسمعه من الله .

هذا هو السماع من الله ، لا سماع أرباب الخيال ، ودعوى المحال القائل أحدهم : ناداني في سري ، وخاطبني ، وقال لي ، يا ليت شعري من المنادي لك ؟ ومن المخاطب ، يا مخدوع يا مغرور ؟ فما يدريك أنداء شيطاني ، أم رحماني ؟ وما البرهان على أن المخاطب لك هو الرحمن ؟

نعم نحن لا ننكر النداء والخطاب والحديث ، وإنما الشأن في المنادي المخاطب المحدث ، فهاهنا تسكب العبرات .

وبالجملة فمن قرئ عليه القرآن فليقدر نفسه كأنما يسمعه من الله يخاطبه به ، فإذا حصل له مع ذلك السماع به وله وفيه ازدحمت معاني المسموع ولطائفه وعجائبه على قلبه ، وازدلفت إليه بأيهما يبدأ ، فما شئت من علم وحكمة ، وتعرف وبصيرة ، وهداية وغيرة .

وأما الوقوف على الغاية في كل حين : فهو التطلب والسفر إلى الغاية المقصودة بالمسموع الذي جعل وسيلة إليها . وهو الحق سبحانه ، فإنه غاية كل مطلب وأن إلى ربك المنتهى وليس وراء الله مرمى ، ولا دونه مستقر ، ولا تقر العين بغيره البتة ، وكل مطلوب سواه فظل زائل ، وخيال مفارق مائل وإن تمتع به صاحبه فمتاع الغرور .

وأما الخلاف من التلذذ بالتفرق : فالتفرق في معاني المسموع ، وتنقل القلب في منازلها يوجب له لذة ، كما هو المألوف في الانتقال ، فليتخلص من لذة تفرقه التي هي حظه ، إلى الجمعية على المسموع به وله ومنه .

ولم يقل الشيخ " من التفرق " فإن المسموع إنما يدرك معناه ويفهم بالتفرق لتنوعه ، ولكن ليتخلص من لذته ، لا منه ، لئلا يكون مع حظه ، وهذا من لطف أحوال السامعين المخلصين .

التالي السابق


الخدمات العلمية