فصل
قوله : "
الوجود : اسم للظفر بحقيقة الشيء ، هذا الوجود الذي هو مصدر وجد الشيء يجده وجودا ، ووجد ضالته وجدانا ، وفي الصحاح : أوجده الله مطلوبه أي أظفره به ، وأوجده أي أغناه ، أي جعله ذا جدة ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ويقال : وجد فلان وجدا ووجدا - بضم الواو وفتحها وكسرها - إذا صار ذا جدة وثروة ، ووجد الشيء فهو موجود وأوجده الله ، ويقال : وجد الله الشيء كذا وكذا ، على غير معنى أوجده ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=102وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين فالله سبحانه أوجده على علمه ، بأن يكون على صفة ، ثم وجده بعد إيجاده على تلك الصفة التي علم أن سيكون عليها .
وأما الواجد في أسمائه سبحانه : فهو بمعنى ذو الوجد والغنى ، وهو ضد الفاقد ، وهو كالموسع ذي السعة ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون أي ذوو سعة وقدرة وملك ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ودخل في أسمائه سبحانه الواجد دون الموجد فإن الموجد صفة فعل ، وهو معطي الوجود ، كالمحيي معطي الحياة وهذا الفعل لم يجئ إطلاقه في أفعال الله في الكتاب ولا في السنة ، فلا يعرف إطلاق : أوجد الله كذا وكذا ، وإنما الذي جاء خلقه وبرأه ، وصوره وأعطاه خلقه ونحو ذلك ، فلما لم يكن يستعمل فعله لم يجئ اسم الفاعل منه في أسمائه الحسنى ، فإن الفعل أوسع من الاسم ، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها بأسماء الفاعل ، كأراد ، وشاء ، وأحدث ، ولم يسم بالمريد والشائي والمحدث ، كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن وغير ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه ، فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء .
وقد أخطأ - أقبح خطأ - من اشتق له من كل فعل اسما ، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف ، فسماه الماكر ، والمخادع ، والفاتن ، والكائد ونحو ذلك ، وكذلك باب
[ ص: 384 ] الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به ، فإنه يخبر عنه بأنه شيء ، وموجود ، ومذكور ، ومعلوم ، ومراد ، ولا يسمى بذلك .
فأما الواجد فلم تجئ تسميته به إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى ، والصحيح : أنه ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومعناه صحيح ، فإنه ذو الوجد والغنى ، فهو أولى بأن يسمى به من الموجود ومن الموجد ، أما الموجود فإنه منقسم إلى كامل وناقص ، وخير وشر ، وما كان مسماه منقسما لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى ، كالشيء والمعلوم ، ولذلك لم يسم بالمريد ، ولا بالمتكلم ، وإن كان له الإرادة والكلام ، لانقسام مسمى المريد والمتكلم ، وأما الموجد فقد سمى نفسه بأكمل
[ ص: 385 ] أنواعه ، وهو الخالق ، البارئ ، المصور فالموجد كالمحدث والفاعل والصانع .
وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى ، فتأمله ، وبالله التوفيق .
فَصْلٌ
قَوْلُهُ : "
الْوُجُودُ : اسْمٌ لِلظَّفَرِ بِحَقِيقَةِ الشَّيْءِ ، هَذَا الْوُجُودُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ وَجَدَ الشَّيْءَ يَجِدُهُ وُجُودًا ، وَوَجَدَ ضَالَّتَهُ وِجْدَانًا ، وَفِي الصِّحَاحِ : أَوْجَدَهُ اللَّهُ مَطْلُوبَهُ أَيْ أَظْفَرَهُ بِهِ ، وَأَوْجَدَهُ أَيْ أَغْنَاهُ ، أَيْ جَعَلَهُ ذَا جِدَةٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَيُقَالُ : وَجَدَ فُلَانٌ وُجْدًا وَوَجْدًا - بِضَمِّ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا - إِذَا صَارَ ذَا جِدَةٍ وَثَرْوَةٍ ، وَوُجِدَ الشَّيْءُ فَهُوَ مَوْجُودٌ وَأَوْجَدَهُ اللَّهُ ، وَيُقَالُ : وَجَدَ اللَّهُ الشَّيْءَ كَذَا وَكَذَا ، عَلَى غَيْرِ مَعْنًى أَوْجَدَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=102وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَدَهُ عَلَى عِلْمِهِ ، بِأَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةٍ ، ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ إِيجَادِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْوَاجِدُ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ : فَهُوَ بِمَعْنَى ذُو الْوُجْدِ وَالْغِنَى ، وَهُوَ ضِدُّ الْفَاقِدِ ، وَهُوَ كَالْمُوْسِعِ ذِي السَّعَةِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أَيْ ذَوُو سَعَةٍ وَقُدْرَةٍ وَمُلْكٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وَدَخَلَ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ الْوَاجِدُ دُونَ الْمُوجِدِ فَإِنَّ الْمُوجِدَ صِفَةُ فِعْلٍ ، وَهُوَ مُعْطِي الْوُجُودِ ، كَالْمُحْيِي مُعْطِي الْحَيَاةِ وَهَذَا الْفِعْلُ لَمْ يَجِئْ إِطْلَاقُهُ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ ، فَلَا يُعْرَفُ إِطْلَاقُ : أَوْجَدَ اللَّهُ كَذَا وَكَذَا ، وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَ خَلَقَهُ وَبَرَأَهُ ، وَصَوَّرَهُ وَأَعْطَاهُ خَلْقَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ يُسْتَعْمَلُ فِعْلُهُ لَمْ يَجِئِ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، فَإِنَّ الْفِعْلَ أَوْسَعُ مِنَ الِاسْمِ ، وَلِهَذَا أَطْلَقَ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْعَالًا لَمْ يَتَسَمَّ مِنْهَا بِأَسْمَاءِ الْفَاعِلِ ، كَأَرَادَ ، وَشَاءَ ، وَأَحْدَثَ ، وَلَمْ يُسَمَّ بِالْمُرِيدِ وَالشَّائِي وَالْمُحَدِثِ ، كَمَا لَمْ يُسَمِّ نَفْسَهُ بِالصَّانِعِ وَالْفَاعِلِ وَالْمُتْقِنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي أَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ ، فَبَابُ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْأَسْمَاءِ .
وَقَدْ أَخْطَأَ - أَقْبَحَ خَطَأٍ - مَنِ اشْتَقَّ لَهُ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ اسْمًا ، وَبَلَغَ بِأَسْمَائِهِ زِيَادَةً عَلَى الْأَلْفِ ، فَسَمَّاهُ الْمَاكِرُ ، وَالْمُخَادِعُ ، وَالْفَاتِنُ ، وَالْكَائِدُ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ بَابُ
[ ص: 384 ] الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالِاسْمِ أَوْسَعُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِهِ ، فَإِنَّهُ يُخْبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ شَيْءٌ ، وَمَوْجُودٌ ، وَمَذْكُورٌ ، وَمَعْلُومٌ ، وَمُرَادٌ ، وَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ .
فَأَمَّا الْوَاجِدُ فَلَمْ تَجِئْ تَسْمِيَتُهُ بِهِ إِلَّا فِي حَدِيثِ تَعْدَادِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ، وَالصَّحِيحُ : أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ ، فَإِنَّهُ ذُو الْوَجْدِ وَالْغِنَى ، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُسَمَّى بِهِ مِنَ الْمَوْجُودِ وَمِنَ الْمُوجِدِ ، أَمَّا الْمَوْجُودُ فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ إِلَى كَامِلٍ وَنَاقِصٍ ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ ، وَمَا كَانَ مُسَمَّاهُ مُنْقَسِمًا لَمْ يَدْخُلِ اسْمُهُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ، كَالشَّيْءِ وَالْمَعْلُومِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بِالْمُرِيدِ ، وَلَا بِالْمُتَكَلِّمِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الْإِرَادَةُ وَالْكَلَامُ ، لِانْقِسَامِ مُسَمَّى الْمُرِيدِ وَالْمُتَكَلِّمِ ، وَأَمَّا الْمُوجِدُ فَقَدْ سَمَّى نَفْسَهُ بِأَكْمَلِ
[ ص: 385 ] أَنْوَاعِهِ ، وَهُوَ الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ فَالْمُوجِدُ كَالْمُحْدِثِ وَالْفَاعِلِ وَالصَّانِعِ .
وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ فِقْهِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ، فَتَأَمَّلْهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .