الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان ما يجب بفعل هذا المحظور وهو : لبس المخيط فالواجب به يختلف في بعض المواضع : يجب الدم عينا ، وفي بعضها : تجب الصدقة عينا ، وفي بعضها يجب أحد الأشياء الثلاثة غير عين الصيام ، أو الصدقة ، أو الدم ، وجهات التعيين إلى من عليه كما في كفارة اليمين .

                                                                                                                                والأصل أن الارتفاق الكامل باللبس يوجب فداء كاملا فيتعين فيه الدم ، لا يجوز غيره إن فعله من غير عذر ، وإن فعله لعذر فعليه أحد الأشياء الثلاثة ، والارتفاق القاصر يوجب فداء قاصرا وهو : الصدقة إثباتا للحكم على قدر العلة ، وبيان هذه الجملة إذا لبس المخيط : من قميص ، أو جبة ، أو سراويل ، أو عمامة ، أو قلنسوة [ ص: 187 ] أو خفين ، أو جوربين من غير عذر وضرورة يوما كاملا .

                                                                                                                                فعليه الدم لا يجوز غيره ; لأن لبس أحد هذه الأشياء يوما كاملا ارتفاق كامل فيوجب كفارة كاملة وهي : الدم لا يجوز غيره ; لأنه فعله من غير ضرورة ، وإن لبس أقل من يوم لا دم عليه وعليه الصدقة ، وكان أبو حنيفة يقول أولا : إن لبس أكثر اليوم فعليه دم .

                                                                                                                                وكذا روي عن أبي يوسف ثم رجع وقال : لا دم عليه حتى يلبس يوما كاملا ، وروي عن محمد أنه إذا لبس أقل من يوم يحكم عليه بمقدار ما لبس من قيمة الشاة ، إن لبس نصف يوم فعليه قيمة نصف شاة على هذا القياس ، وهكذا روي عنه في الحلق .

                                                                                                                                وقال الشافعي : " يجب عليه الدم ، وإن لبس ساعة واحدة " .

                                                                                                                                وجه قوله أن اللبس ولو ساعة ارتفاق كامل لوجود اشتمال المخيط على بدنه ، فيلزمه جزاء كامل .

                                                                                                                                وجه رواية محمد : اعتبار البعض بالكل .

                                                                                                                                وجه قول أبي حنيفة الأول : بأن الارتفاق باللبس في أكثر اليوم بمنزلة الارتفاق في كله ; لأنه ارتفاق كامل ، فإن الإنسان قد يلبس أكثر اليوم ثم يعود إلى منزله قبل دخول الليل .

                                                                                                                                وجه قوله الآخر : أن اللبس أقل من يوم ارتفاق ناقص ; لأن المقصود منه دفع الحر والبرد وذلك باللبس في كل اليوم ، ولهذا اتخذ الناس في العادة للنهار لباسا ولليل لباسا ، ولا ينزعون لباس النهار إلا في الليل فكان اللبس في بعض اليوم ارتفاقا قاصرا ، فيوجب كفارة قاصرة وهي الصدقة كقص ظفر واحد ، ومقدار الصدقة نصف صاع من بر كذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه يطعم مسكينا نصف صاع من بر .

                                                                                                                                وكل صدقة تجب بفعل ما يحظره الإحرام فهي مقدرة بنصف صاع إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة .

                                                                                                                                وروى ابن سماعة عن محمد : أن من لبس ثوبا يوما إلا ساعة فعليه من الدم بمقدار ما لبس أي : من قيمة الدم لما قلنا .

                                                                                                                                والصحيح قول أبي يوسف ; لأن الصدقة المقدرة للمسكين في الشرع لا تنقص عن نصف صاع كصدقة الفطر ، وكفارة اليمين ، والفطر ، والظهار .

                                                                                                                                وكذا لو أدخل منكبيه في القباء ، ولم يدخل يديه في كميه لكنه زره عليه أو زر عليه طيلسانا يوما كاملا ، فعليه دم لوجود الارتفاق الكامل بلبس المخيط ، إذ المزرر مخيط .

                                                                                                                                وكذا لو غطى ربع رأسه يوما فصاعدا فعليه دم ، وإن كان أقل من الربع فعليه صدقة ، كذا ذكر في الأصل .

                                                                                                                                وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد أنه لا دم عليه حتى يغطي الأكثر من رأسه ، ولا أقول : حتى يغطي رأسه كله .

                                                                                                                                وجه رواية ابن سماعة عن محمد : أن تغطية الأقل ليس بارتفاق كامل ، فلا يجب به جزاء كامل .

                                                                                                                                وجه رواية الأصل أن ربع الرأس له حكم الكل في هذا الباب ، كحلق ربع الرأس وعلى هذا إذا غطت المرأة ربع وجهها وكذا لو غطى الرجل ربع وجهه عندنا وعند الشافعي لا شيء عليه ; لأنه غير ممنوع عن ذلك عنده ، والمسألة قد تقدمت ولو عصب على رأسه ، أو وجهه يوما أو أكثر فلا شيء عليه ; لأنه لم يوجد ارتفاق كامل وعليه صدقة ; لأنه ممنوع عن التغطية .

                                                                                                                                ولو عصب شيئا من جسده لعلة أو غير علة لا شيء عليه ; لأنه غير ممنوع عن تغطية بدنه بغير المخيط ، ويكره أن يفعل ذلك بغير عذر ; لأن الشد عليه يشبه لبس المخيط ، هذا إذا لبس المخيط يوما كاملا حالة الاختيار .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية