الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) النوع السادس وهو الأجنبيات الحرائر فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تبارك وتعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص بقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } والمراد من الزينة مواضعها ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء والأخذ والعطاء ولا يمكنها [ ص: 122 ] ذلك عادة إلا بكشف الوجه والكفين فيحل لها الكشف وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه يحل النظر إلى القدمين أيضا .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية ما روي عن سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله تبارك وتعالى { إلا ما ظهر منها } القلب والفتخة وهي خاتم أصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين ولأن الله تعالى نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها والقدمان ظاهرتان ألا ترى أنهما يظهران عند المشي ؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر فيباح إبداؤهما ( وجه ) ظاهر الرواية ما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله جل شأنه { إلا ما ظهر منها } أنه الكحل والخاتم وروي عنه في رواية أخرى أنه قال الكف والوجه فيبقى ما وراء المستثنى على ظاهر النهي ولأن إباحة النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها للحاجة إلى كشفها في الأخذ والعطاء ولا حاجة إلى كشف القدمين فلا يباح النظر إليهما ثم إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غير شهوة فأما عن شهوة فلا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام { العينان تزنيان } وليس زنا العينين إلا النظر عن شهوة ولأن النظر عن شهوة سبب الوقوع في الحرام فيكون حراما إلا في حالة الضرورة بأن دعي إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز إقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها .

                                                                                                                                وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك لأن الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة ألا ترى أنه خص النظر إلى عين الفرج لمن قصد إقامة حسبة الشهادة على الزنا ؟ ومعلوم أن النظر إلى الفرج في الحرمة فوق النظر إلى الوجه ومع ذلك سقطت حرمته لمكان الضرورة فهذا أولى وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة لأن النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة والموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد على ما قال النبي عليه الصلاة والسلام { للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد أن يتزوج امرأة اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما } دعاه عليه الصلاة والسلام إلى النظر مطلقا وعلل عليه الصلاة والسلام بكونه وسيلة إلى الألفة والموافقة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية