الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) المرأة فلا يحل لها النظر من الرجل الأجنبي ما بين السرة إلى الركبة ولا بأس أن تنظر إلى ما سوى ذلك إذا كانت تأمن على نفسها والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة يؤيده المروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال في قوله تبارك وتعالى { إلا ما ظهر منها } أنه الرداء والثياب فكان غض البصر وترك النظر أزكى وأطهر وذلك قوله عز وجل { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم } وروي { أن أعميين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها وأخرى فقال لهما قوما فقالتا إنهما أعميان يا رسول الله فقال لهما أعمياوان أنتما } إلا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كانا شيخين كبيرين لعدم احتمال حدوث الشهوة فيهما .

                                                                                                                                والعبد فيما ينظر إلى مولاته كالحر الذي لا قرابة بينه وبينها سواء وكذا الفحل والخصي والعنين والمخنث إذا بلغ مبلغ الرجال سواء لعموم قوله تبارك وتعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } وإطلاق قوله عز شأنه { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ولأن الرق والخصاء لا يعدمان الشهوة وكذا العنة والخنوثة ( أما ) الرق فظاهر ( وأما ) الخصاء فإن الخصي رجل إلا أنه مثل به إلى هذا أشارت سيدتنا عائشة رضي الله عنها فقالت إنه رجل مثل به أفتحل له المثلة ما حرم الله تبارك وتعالى على غيره .

                                                                                                                                ( وأما ) العنة والخنوثة فالعنين والمخنث رجلان فإن قيل أليس أن المملوك بملك اليمين للمرأة مستثنى من قوله جل وعلا { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } إلى قوله عز شأنه { أو ما ملكت أيمانهن } من غير فصل بين العبد والأمة .

                                                                                                                                والاستثناء من الحظر إباحة فالجواب أن قوله سبحانه وتعالى { أو ما ملكت أيمانهن } ينصرف إلى الإماء لأن حكم العبيد صار معلوما بقوله سبحانه وتعالى { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } إذ العبد من جملة التابعين من الرجال فكان قوله عز شأنه { أو ما ملكت أيمانهن } مصروفا إلى الإماء لئلا يؤدي إلى التكرار فإن قيل حكم الإماء صار معلوما بقوله تبارك وتعالى { أو التابعين } فالصرف إليهن يؤدي إلى التكرار أيضا فالجواب أن المراد بالنساء الحرائر فوقعت الحاجة إلى تعريف حكم الإماء فأبان بقوله جل شأنه { أو ما ملكت أيمانهن } أن حكم الحرة والأمة فيه سواء [ ص: 123 ] وروي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت { كان يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو ينعت امرأة فقال لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخل عليكن فحجبوه } وكذا روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة رضي الله عنها وعندها مخنث فأقبل على أخي أم سلمة فقال يا عبد الله إن فتح الله عليكم غدا الطائف دللتك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال عليه الصلاة والسلام لا أرى يعرف هذا ما ههنا لا يدخلن عليكم } هذا إذا بلغ الأجنبي مبلغ الرجال فإن كان صغيرا لم يظهر على عورات النساء ولا يعرف العورة من غير العورة فلا بأس لهن من إبداء الزينة لهم لقوله جل وعلا { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } مستثنى من قوله عز شأنه { ولا يبدين زينتهن } إلا لمن ذكر والطفل في اللغة الصبي ما بين أن يولد إلى أن يحتلم وأما الذي يعرف التمييز بين العورة وغيرها وقرب من الحلم فلا ينبغي لها أن تبدي زينتها له ألا ترى أن مثل هذا الصبي أمر بالاستئذان في بعض الأوقات بقوله تبارك وتعالى { والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } إلا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كانا شيخين كبيرين لعدم احتمال حدوث الشهوة فيهما وروي { أن أعميين دخلا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة وأخرى فقال لهما قوما فقالتا إنهما أعميان يا رسول الله فقال أعمياوان أنتما } هذا حكم النظر إلى الوجه والكفين وأما حكم مس هذين العضوين فلا يحل مسهما لأن حل النظر للضرورة التي ذكرناها ولا ضرورة إلى المس مع ما أن المس في بعث الشهوة وتحريكها فوق النظر وإباحة أدنى الفعلين لا يدل على إباحة أعلاهما هذا إذا كان شابين فإن كانا شيخين كبيرين فلا بأس بالمصافحة لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة لانعدام الشهوة وقد روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصافح العجائز } ثم إنما يحرم النظر من الأجنبية إلى سائر أعضائها سوى الوجه والكفين أو القدمين أيضا على اختلاف الروايتين إذا كانت مكشوفة فأما إذا كانت مستورة بالثوب فإن كان ثوبها صفيقا لا يلتزق ببدنها فلا بأس أن يتأملها ويتأمل جسدها لأن المنظور إليه الثوب دون البدن وإن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته ويشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر لأنه إذا استبان جسدها كانت كاسية صورة عارية حقيقة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { لعن الله الكاسيات العاريات } وروي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت دخلت علي أختي السيدة أسماء وعليها ثياب شامية رقاق وهي اليوم عندكم صفاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { هذه ثياب تمجها سورة النور فأمر بها فأخرجت فقلت يا رسول الله زارتني أختي فقلت لها ما قلت فقال يا عائشة إن المرأة إذا حاضت لا ينبغي أن يرى منها إلا وجهها وكفاها } فإن ثبت هذا من النبي عليه الصلاة والسلام كان تفسيرا لقوله عز وجل { إلا ما ظهر منها } فدل على صحة ظاهر الرواية أن الحرة لا يحل النظر منها إلا إلى وجهها وكفيها والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية