الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا أو خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ، وقبضه ، ثم أسلم المشتري بطل العقد عند أبي حنيفة ; لأنه لم يدخل في ملك المشتري ، والمسلم ممنوع عن تملك الخمر بالبيع ، وعندهما يلزم العقد ، ولا يبطل ; لأنه دخل في ملك المشتري ، والإسلام يمنع من إخراجه عن ملكه ، ولو أسلم البائع لا يبطل البيع بالإجماع ; لأن البيع بات في جانبه ، والإسلام في البيع البات لا يوجب بطلانه إذا كان بعد القبض ، والمشتري على خياره ، فإن أجاز البيع ; جاز ، ويلزمه الثمن ، وإن فسخه انفسخ ، وصار الخمر للبائع حكما ، والمسلم من أهل أن يتملك الخمر حكما ألا ترى أنه يتملكها بالميراث ؟ ، ولو كان الخيار للبائع ، فأسلم البائع بطل الخيار ; لأن خيار البائع يمنع خروج السلعة عن ملكه ، والإسلام يمنع إخراج الخمر عن ملكه بالعقد ، فبطل العقد ، ولو أسلم المشتري لا يبطل البيع ; لأن البيع بات في جانبه .

                                                                                                                                والبائع على خياره ، فإن فسخ البيع عادت الخمر إليه ، وإن أجازه صار الخمر للمشتري حكما ، والمسلم من أهل أن يتملكها حكما ، كما في الإرث ، ولو كان البيع باتا ، فأسلما أو أسلم أحدهما لا يبطل البيع ; لأن الإسلام متى ورد والحرام مقبوض يلاقيه بالعفو ; لأنه لم يثبت بعد الإسلام ملك مبتدأ ; لثبوتها بالعقد والقبض على الكمال ، وإنما يوجد بعد الإسلام دوام الملك ، والإسلام لا ينافيه ، فإن المسلم إذا تخمر عصيره ، فلا يؤمر بإبطال حقه فيها هذا كله إذا أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض ، فأما إذا كان قبل القبض بطل البيع كيفما كان سواء كان البيع باتا أو بشرط الخيار لهما أو لأحدهما ; لأن الإسلام متى ورد والحرام غير مقبوض يمنع من قبضه بحكم العقد لما في القبض من معنى إنشاء العقد من وجه ، فيلحق به في باب الحرمات احتياطا على ما ذكرنا فيما تقدم ، وقد تظهر فوائد هذا الأصل في فروع أخر يطول ذكرها .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية