الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما القدر الواجب من الوقوف : فمن حين تزول الشمس إلى أن تغرب فهذا القدر من الوقوف واجب عندنا .

                                                                                                                                وعند الشافعي : ليس بواجب بل هو سنة .

                                                                                                                                بناء على أنه لا فرق بين الفرض ، والواجب ، فإذا لم يكن فرضا لم يكن واجبا ، ونحن نفرق بين الفرض ، والواجب كفرق ما بين السماء ، والأرض وهو أن الفرض اسم لما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به ، والواجب اسم لما ثبت وجوبه بدليل فيه شبهة العدم على ما عرف في أصول الفقه ، وأصل الوقوف ثبت بدليل مقطوع به ، وهو : النص المفسر من الكتاب ، والسنة المتواترة ، والمشهورة ، والإجماع على ما ذكرنا فأما الوقوف إلى جزء من الليل : فلم يقم عليه دليل قاطع بل مع شبهة العدم أعني : خبر الواحد ، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج } .

                                                                                                                                أو غير ذلك من الآحاد التي لا تثبت بمثلها الفرائض فضلا عن الأركان ، وإذا عرف أن الوقوف من حين زوال الشمس إلى غروبها واجب ، فإن دفع منها قبل غروب الشمس فإن جاوز عرفة بعد الغروب فلا شيء عليه ; لأنه ما ترك الواجب ، وإن جاوزها قبل الغروب فعليه دم عندنا لتركه الواجب فيجب عليه الدم كما لو ترك غيره من الواجبات .

                                                                                                                                وعند الشافعي لا دم عليه ; لأنه لم يترك الواجب إذ الوقوف المقدر ليس بواجب عنده ، ولو عاد إلى عرفة قبل غروب الشمس ، وقبل أن يدفع الإمام ثم دفع منها بعد الغروب مع الإمام سقط عنه الدم عندنا لأنه استدرك المتروك .

                                                                                                                                وعند زفر لا يسقط ، وهو على الاختلاف في مجاوزة الميقات بغير إحرام ، والكلام فيه على نحو الكلام في تلك المسألة ، وسنذكرها إن شاء الله في موضعها ، وإن عاد قبل غروب الشمس بعد ما خرج الإمام من عرفة ذكر الكرخي أنه يسقط عنه الدم أيضا .

                                                                                                                                وكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة أن الدم يسقط عنه أيضا ; لأنه استدرك المتروك إذ المتروك هو الدفع بعد الغروب .

                                                                                                                                وقد استدركه ، وذكر في الأصل أنه لا يسقط عنه الدم قال مشايخنا : اختلاف الرواية لمكان الاختلاف فيما لأجله يجب الدم فعلى رواية الأصل الدم يجب لأجل دفعه قبل الإمام ، ولم يستدرك ذلك ، وعلى رواية ابن شجاع يجب لأجل دفعه قبل غروب الشمس .

                                                                                                                                وقد استدركه بالعود ، والقدوري اعتمد على هذه الرواية ، وقال : هي الصحيحة ، والمذكور في الأصل مضطرب ، ولو عاد إلى عرفة بعد الغروب لا يسقط عنه الدم بلا خلاف ; لأنه لما غربت الشمس عليه قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب فلا يحتمل السقوط بالعود ، والله الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية