الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( بحث nindex.php?page=treesubj&link=18791سوء الظن )
وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئه يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن ، فسوء الظن غيبة بالقلب وهو منهي عنه أيضا ، وحده أن لا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكن أن يحمل على وجه خير ، فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة فاحمله على سهو ونسيان إن أمكن ، وسوء الظن يدعو إلى التجسس والتحسس وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004348لا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا " . والتجسس في تطلع الأخبار ، والتحسس بالمراقبة بالعين ، فستر العيوب والتجاهل والتغافل عنها شيمة أهل الدين .
واعلم أنه لا يتم إيمان المرء ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بما يحب أن يعامله به ، ومنشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها الداء الدفين وهو الحقد والحسد ، ومن في قلبه سخيمة على مسلم فإيمانه ضعيف ، وأمر مخطر ، وقلبه خبيث لا يصلح للقاء الله .
ومن ذلك : nindex.php?page=treesubj&link=18574أن يسكت عن إفشاء سره الذي استودعه ، وله أن ينكره وإن كان كاذبا فليس الصدق واجبا في كل مقام ، فإنه كما يجوز للرجل أن يخفي عيوب نفسه وأسراره وإن احتاج إلى الكذب فله أن يفعل ذلك في حق أخيه ، فإن أخاه نازل منزلته وهما كشخص واحد لا يختلفان إلا بالبدن ، هذه حقيقة الأخوة ، وقد قال عليه السلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004349من ستر عورة أخيه ستره الله [ ص: 133 ] تعالى في الدنيا والآخرة " وقال عليه السلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004350إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهو أمانة " وقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004351المجالس بالأمانة " وفي رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004352إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة ولا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره " . قيل لبعضهم : " كيف حفظك للسر " ؟ قال : " أنا قبره ، فإن صدور الأحرار قبور الأسرار " . وأفشى بعضهم سرا له إلى أخيه ثم قال له " حفظت " فقال : " بل نسيت " . وقال العباس لابنه " عبد الله " : " إني أرى هذا الرجل - يعني عمر رضي الله عنه - يقدمك على الأشياخ فاحفظ مني خمسا : لا تفشين له سرا ، ولا تغتابن عنده أحدا ، ولا يجربن عليك كذبا ، ولا تعصين له أمرا ، ولا يطلعن منك على خيانة " فقال " nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي " : كل كلمة من هذه الخمس خير من ألف .
ومن ذلك : السكوت على المماراة والمدافعة في كل ما يتكلم به أخوك ، قال " nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " : " لا تمار سفيها فيؤذيك ولا حليما فيقليك " وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004353من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة ومن ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة " هذا مع أن تركه مبطلا واجب ، وقد جعل ثواب النفل أعظم ؛ لأن السكوت عن الحق أشد على النفس من السكوت على الباطل ، وإنما الأجر على قدر النصب . nindex.php?page=treesubj&link=18744_18574_19161وأشد الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمناقشة فإنها عين التدابر والتقاطع ، فإن التقاطع يقع أولا بالآراء ثم بالأقوال ثم بالأبدان ، وقال عليه السلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004354لا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا " وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004355المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحرمه ولا يخذله ، بحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، وأشد الاحتقار المماراة ، فإن من رد على غيره كلاما فقد نسبه إلى الجهل أو الغفلة والسهو عن فهم الشيء على ما هو عليه ، وكل ذلك استحقار وإيغار للصدر وإيحاش ، وفي حديث " أبي أمامة " قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004356خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتمارى فغضب وقال : ذروا المراء لقلة خيره ، وذروا المراء فإن نفعه قليل ، وإنه يهيج العداوة بين الإخوان " .
[ ص: 134 ] وقال بعض السلف : " من لاحظ الإخوان وماراهم قلت مروءته ، وذهبت كرامته " . وقال غيره : " إياك ومماراة الرجال فإنك لن تعدم مكر حليم أو مفاجأة لئيم " . قال " الحسن " : " لا تشترى عداوة رجل بمودة ألف رجل " . وعلى الجملة فلا باعث على المماراة إلا إظهار التميز بمزيد العقل والفضل ، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله ، وهذا يشتمل على التكبر والاحتقار والإيذاء والشتم بالحمق والجهل ، ولا معنى للمعاداة إلا هذا ، فكيف تضام الأخوة والمصافاة ، فقد روى " nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004357لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه " وقد قال عليه السلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16004358إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط وجه وحسن خلق " والمماراة مضادة لحسن الخلق . واعلم أن قوام الأخوة بالموافقة في الكلام والفعل والشفقة .