بيان
nindex.php?page=treesubj&link=19023_32529العلاج الذي به يمنع اللسان عن الغيبة :
اعلم أن مساوئ الأخلاق كلها إنما تعالج بمعجون العلم والعمل . وعلاج كف اللسان عن الغيبة إجمالا أن يعلم أنه يتعرض لسخط الله تعالى إذا اغتاب لارتكابه ما نهى الله عنه ، فمهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في الغيبة لم يطلق لسانه بها خوفا من ذلك ، وينفعه أيضا أن يتدبر في نفسه ، فإن وجد فيها عيبا اشتغل بعيب نفسه ، وذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004545طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس " . ومهما وجد عيبا فينبغي أن يستحي من أن يترك ذم نفسه ويذم غيره ، بل ينبغي أن يتحقق أن عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه ، وهذا إن كان ذلك عيبا يتعلق بفعله واختياره ، وإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق ، فإن من ذم صنعة فقد ذم صانعها . وإذا لم يجد العبد عيبا في نفسه فليشكر الله تعالى ، ولا يلوثن نفسه بأعظم العيوب ، فإن ثلب الناس وأكل لحم الميتة من أعظم العيوب ، بل لو أنصف لعلم أن ظنه بنفسه أنه بريء من كل عيب جهل بنفسه ، وهو من أعظم الذنوب . وينفعه أيضا أن يعلم أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له ، فإذا كان لا يرضى لنفسه أن يغتاب فينبغي أن لا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه . وبالجملة فمن قوي إيمانه انكف عن الغيبة لسانه .
بيان تحريم الغيبة بالقلب وذلك بسوء الظن :
اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18798سوء الظن حرام مثل سوء القول ، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك ، ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره ظنا بأمر سيئ ، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه ، ولكن
[ ص: 200 ] المنهي عنه أن يظن ، والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب ، فقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) [ الحجرات : 12 ] وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب ، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل ، فإن لم ينكشف كذلك فإنما الشيطان يلقيه إليك ، فينبغي أن تكذبه ؛ فإنه أفسق الفساق ، وقد قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) [ الحجرات : 6 ] وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004546إن الله حرم من المسلم دمه وماله ، وأن يظن به ظن السوء " وحينئذ فإذا خطر لك وسواس سوء الظن ، فينبغي أن تدفعه عن نفسك ، وتقرر عليها أن حاله عندك مستور كما كان ، وأن ما رأيته منه يحتمل الخير والشر ، فإن قلت : " فبماذا يعرف عقد الظن والشكوك تختلج والنفس تحدث ؟ " فنقول : " أمارة عقد الظن أن يتغير القلب معه عما كان ، فينفر عنه نفورا ما ، ويستثقله ويفتر عن مراعاته وتفقده وإكرامه والاغتمام بسببه " . والمخرج منه أن لا يحققه ، أي لا يحقق في نفسه بعقد ولا فعل لا في القلب ولا في الجوارح . وربما يلقي الشيطان أن هذا من فطنتك وسرعة تنبهك وذكائك ، وأن المؤمن ينظر بنور الله تعالى ، وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته . ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة ، فانصحه في السر ، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه .
nindex.php?page=treesubj&link=19362_18793ومن ثمرات سوء الظن : التجسس ، فإن القلب لا يقنع بالظن ، ويطلب التحقيق ، فيشتغل بالتجسس وهو أيضا منهي عنه ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا تجسسوا ) [ الحجرات : 12 ] فالغيبة وسوء الظن والتجسس منهي عنه في آية واحدة . ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله ، فيتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر ، حتى ينكشف له ما لو كان مستورا عنه كان أسلم لقلبه ودينه . وقد مضى في كتاب الأمر بالمعروف حكم التجسس وحقيقته .
بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=19023_32529الْعِلَاجِ الَّذِي بِهِ يُمْنَعُ اللِّسَانُ عَنِ الْغِيبَةِ :
اعْلَمْ أَنَّ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ كُلَّهَا إِنَّمَا تُعَالَجُ بِمَعْجُونِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ . وَعِلَاجُ كَفِّ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ إِجْمَالًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِسَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا اغْتَابَ لِارْتِكَابِهِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَهْمَا آمَنَ الْعَبْدُ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي الْغِيبَةِ لَمْ يُطْلِقْ لِسَانَهُ بِهَا خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ ، وَيَنْفَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَتَدَبَّرَ فِي نَفْسِهِ ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا عَيْبًا اشْتَغَلَ بِعَيْبِ نَفْسِهِ ، وَذَكَرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004545طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ " . وَمَهْمَا وَجَدَ عَيْبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِيَ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ ذَمَّ نَفْسِهِ وَيَذُمَّ غَيْرَهُ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ عَجْزَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي التَّنَزُّهِ عَنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ كَعَجْزِهِ ، وَهَذَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْبًا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا خِلْقِيًّا فَالذَّمُّ لَهُ ذَمٌّ لِلْخَالِقِ ، فَإِنَّ مَنْ ذَمَّ صَنْعَةً فَقَدْ ذَمَّ صَانِعَهَا . وَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْعَبْدُ عَيْبًا فِي نَفْسِهِ فَلْيَشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يُلَوِّثَنَّ نَفْسَهُ بِأَعْظَمِ الْعُيُوبِ ، فَإِنَّ ثَلْبَ النَّاسِ وَأَكْلَ لَحْمِ الْمَيْتَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْعُيُوبِ ، بَلْ لَوْ أَنْصَفَ لَعَلِمَ أَنَّ ظَنَّهُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ جَهْلٌ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ . وَيَنْفَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ تَأَلُّمَ غَيْرِهِ بِغِيبَتِهِ كَتَأَلُّمِهِ بِغِيبَةِ غَيْرِهِ لَهُ ، فَإِذَا كَانَ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُغْتَابَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْضَى لِغَيْرِهِ مَا لَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ انْكَفَّ عَنِ الْغِيبَةِ لِسَانُهُ .
بَيَانُ تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ بِالْقَلْبِ وَذَلِكَ بِسُوءِ الظَّنِّ :
اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18798سُوءَ الظَّنِّ حَرَامٌ مِثْلُ سُوءِ الْقَوْلِ ، فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ أَنْ تُحَدِّثَ غَيْرَكَ بِلِسَانِكَ بِمَسَاوِئِ الْغَيْرِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُحَدِّثَ نَفْسَكَ وَتُسِيءَ الظَّنَّ بِأَخِيكَ ، وَلَسْتُ أَعْنِي بِهِ إِلَّا عَقْدَ الْقَلْبِ وَحُكْمَهُ عَلَى غَيْرِهِ ظَنًّا بِأَمْرٍ سَيِّئٍ ، فَأَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، وَلَكِنَّ
[ ص: 200 ] الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَنْ يَظُنَّ ، وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَمَّا تَرْكَنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [ الْحُجُرَاتِ : 12 ] وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْتَقِدَ فِي غَيْرِكَ سُوءًا إِلَّا إِذَا انْكَشَفَ لَكَ بِعِيَانٍ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ ، فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا الشَّيْطَانُ يُلْقِيهِ إِلَيْكَ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُكَذِّبَهُ ؛ فَإِنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) [ الْحُجُرَاتِ : 6 ] وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004546إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِ دَمَهُ وَمَالَهُ ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنُّ السُّوءِ " وَحِينَئِذٍ فَإِذَا خَطَرَ لَكَ وَسْوَاسُ سُوءِ الظَّنِّ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِكَ ، وَتُقَرِّرَ عَلَيْهَا أَنَّ حَالَهُ عِنْدَكَ مَسْتُورٌ كَمَا كَانَ ، وَأَنَّ مَا رَأَيْتَهُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ ، فَإِنْ قُلْتَ : " فَبِمَاذَا يُعْرَفُ عَقْدُ الظَّنِّ وَالشُّكُوكُ تَخْتَلِجُ وَالنَّفْسُ تُحَدِّثُ ؟ " فَنَقُولُ : " أَمَارَةُ عَقْدِ الظَّنِّ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقَلْبُ مَعَهُ عَمَّا كَانَ ، فَيَنْفِرَ عَنْهُ نُفُورًا مَا ، وَيَسْتَثْقِلَهُ وَيَفْتُرَ عَنْ مُرَاعَاتِهِ وَتَفَقُّدِهِ وَإِكْرَامِهِ وَالِاغْتِمَامِ بِسَبَبِهِ " . وَالْمَخْرَجُ مِنْهُ أَنْ لَا يُحَقِّقَهُ ، أَيْ لَا يُحَقِّقُ فِي نَفْسِهِ بِعَقْدٍ وَلَا فِعْلٍ لَا فِي الْقَلْبِ وَلَا فِي الْجَوَارِحِ . وَرُبَّمَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ أَنَّ هَذَا مِنْ فِطْنَتِكَ وَسُرْعَةِ تَنَبُّهِكَ وَذَكَائِكَ ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ نَاظِرٌ بِغُرُورِ الشَّيْطَانِ وَظُلْمَتِهِ . وَمَهْمَا عَرَفْتَ هَفْوَةَ مُسْلِمٍ بِحُجَّةٍ ، فَانْصَحْهُ فِي السِّرِّ ، وَلَا يَخْدَعَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَيَدْعُوَكَ إِلَى اغْتِيَابِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19362_18793وَمِنْ ثَمَرَاتِ سُوءِ الظَّنِّ : التَّجَسُّسُ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَقْنَعُ بِالظَّنِّ ، وَيَطْلُبُ التَّحْقِيقَ ، فَيَشْتَغِلُ بِالتَّجَسُّسِ وَهُوَ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12وَلَا تَجَسَّسُوا ) [ الْحُجُرَاتِ : 12 ] فَالْغِيبَةُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ . وَمَعْنَى التَّجَسُّسِ أَنْ لَا يَتْرُكَ عِبَادَ اللَّهِ تَحْتَ سِتْرِ اللَّهِ ، فَيَتَوَصَّلُ إِلَى الِاطِّلَاعِ وَهَتْكِ السِّتْرِ ، حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ مَا لَوْ كَانَ مَسْتُورًا عَنْهُ كَانَ أَسْلَمَ لِقَلْبِهِ وَدِينِهِ . وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ حُكْمُ التَّجَسُّسِ وَحَقِيقَتُهُ .