الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : الآية تدل على أن الحسن والحسين من ذرية رسول - الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن الله تعالى جعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أنه لا ينتسب إلى إبراهيم إلا بالأم ، فكذلك الحسن والحسين من ذرية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن انتسبا إلى رسول الله بالأم وجب كونهما من ذريته ، ويقال : إن أبا جعفر الباقر استدل بهذه الآية عند الحجاج بن يوسف .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : قوله تعالى : ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ) يفيد أحكاما كثيرة :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى ذكر الآباء والذريات والإخوان ، فالآباء هم الأصول ، والذريات هم الفروع ، والإخوان فروع الأصول ، وذلك يدل على أنه تعالى خص كل من تعلق بهؤلاء الأنبياء بنوع من الشرف والكرامة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه تعالى قال : ( ومن آبائهم ) وكلمة "من" للتبعيض .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قلنا : المراد من تلك الهداية الهداية إلى الثواب والجنة والهداية إلى الإيمان والمعرفة ، فهذه الكلمة تدل على أنه قد كان في آباء هؤلاء الأنبياء من كان غير مؤمن ولا واصل إلى الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                            أما لو قلنا : المراد بهذه الهداية النبوة لم يفد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنا إذا فسرنا هذه الهداية بالنبوة كان قوله : ( وذرياتهم وإخوانهم ) كالدلالة على أن شرط كون الإنسان رسولا من عند الله أن يكون رجلا ، وأن المرأة لا يجوز أن تكون رسولا من عند الله تعالى ، وقوله تعالى بعد ذلك : ( واجتبيناهم ) يفيد النبوة ؛ لأن الاجتباء إذا ذكر في حق الأنبياء - عليهم السلام - لا يليق به إلا الحمل على النبوة والرسالة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ) واعلم أنه يجب أن يكون المراد من هذا الهدى هو معرفة التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشرك ؛ لأنه قال بعده : ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ) وذلك يدل على أن المراد من ذلك الهدى ما يكون جاريا مجرى الأمر المضاد للشرك .

                                                                                                                                                                                                                                            وإذا ثبت أن المراد بهذا الهدى معرفة الله بوحدانيته . ثم إنه تعالى صرح بأن ذلك الهدى من الله تعالى ، ثبت أن الإيمان لا يحصل إلا بخلق الله تعالى ، ثم إنه تعالى ختم هذه الآية بنفي الشرك فقال : ( ولو أشركوا ) والمعنى أن هؤلاء الأنبياء لو أشركوا لحبط عنهم طاعاتهم وعباداتهم . والمقصود منه تقرير التوحيد وإبطال طريقة الشرك . وأما الكلام في حقيقة الإحباط فقد ذكرناه على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة فلا حاجة إلى الإعادة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية