الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا الاستثناء قال : ( إن ربك فعال لما يريد ) وهذا يحسن انطباقه على هذه الآية إذا حملنا الاستثناء على إخراج الفساق من النار ، كأنه تعالى يقول : أظهرت القهر والقدرة ، ثم أظهرت المغفرة والرحمة ؛ لأني فعال لما أريد ، وليس لأحد علي حكم ألبتة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم " سعدوا " بضم السين ، والباقون بفتحها ، وإنما جاز ضم السين ؛ لأنه على حذف الزيادة من أسعد ، ولأن سعد لا يتعدى ، وأسعد يتعدى ، وسعد وأسعد بمعنى ، ومنه المسعود - من أسماء الرجال .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الاستثناء في باب السعداء يجب حمله على أحد الوجوه المذكورة فيما تقدم ، وههنا وجه آخر ، وهو أنه ربما اتفق لبعضهم أن يرفع من الجنة إلى العرش وإلى المنازل الرفيعة التي لا يعلمها إلا الله تعالى ، قال الله تعالى : ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ) [التوبة : 72 ] وقوله : ( عطاء غير مجذوذ ) فيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : جذه يجذه جذا ، إذا قطعه ، وجذ الله دابرهم ، فقوله : ( غير مجذوذ ) أي غير مقطوع ، ونظيره قوله تعالى في صفة نعيم الجنة : ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) [الواقعة : 33 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى لما صرح في هذه الآية أنه ليس المراد من هذا الاستثناء كون هذه الحالة منقطعة ، فلما خص هذا الموضع بهذا البيان ولم يذكر ذلك في جانب الأشقياء ، دل ذلك على أن المراد من ذلك الاستثناء هو الانقطاع ، فهذا تمام الكلام في هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية