(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ) .
اعلم أنه تعالى لما بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30532_29697_32016الأمم المتقدمين حل بهم عذاب الاستئصال ، بين أن السبب فيه أمران :
السبب الأول : أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن
nindex.php?page=treesubj&link=24661الفساد في الأرض ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون ) والمعنى : فهلا كان ، وحكي عن
الخليل أنه قال : كل ما كان في القرآن من كلمة "لولا" فمعناه هلا ، إلا التي في الصافات .
قال صاحب "الكشاف" : وما صحت هذه الرواية عنه بدليل قوله تعالى في غير الصافات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=49لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء ) [القلم : 49 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25ولولا رجال مؤمنون ) [الفتح : 25 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) [الإسراء : 74 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116أولو بقية ) فالمعنى أولو فضل وخير ، وسمي الفضل والجود بقية ؛ لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله ، فصار هذا اللفظ مثلا في الجودة ، يقال : فلان من بقية القوم ، أي من خيارهم ، ومنه قولهم : في الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا ، ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى ، كالتقية بمعنى التقوى ، أي : فهلا كان منهم ذو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله تعالى ؟ وقرئ " أولو بقية" بوزن لقية ، من بقاه يبقيه ، إذا راقبه وانتظره ، والبقية المرة من مصدره ، والمعنى : فلولا كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام الله تعالى . ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116إلا قليلا ) ولا يمكن جعله استثناء متصلا ؛ لأنه على هذا التقدير يكون ذلك ترغيبا لأولي البقية في النهي عن الفساد إلا القليل من الناجين منهم ، كما تقول : هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم - تريد استثناء الصلحاء من المرغبين في قراءة القرآن . وإذا ثبت هذا قلنا : إنه استثناء منقطع ، والتقدير : لكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي .
والسبب الثاني لنزول عذاب الاستئصال قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) والترفه : النعمة ، وصبي مترف إذا كان منعم البدن ، والمترف الذي أبطرته النعمة وسعة المعيشة ، وأراد بالذين ظلموا تاركي النهي عن المنكرات ، أي لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واتبعوا طلب الشهوات واللذات ، واشتغلوا بتحصيل الرياسات ، وقرأ
أبو عمرو في رواية
الجعفي " واتبع الذين ظلموا ما أترفوا " أي واتبعوا حراما أترفوا فيه ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116وكانوا مجرمين ) ومعناه ظاهر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30532_29697_32016الْأُمَمَ الْمُتَقَدِّمِينَ حَلَّ بِهِمْ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ ، بَيَّنَ أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ أَمْرَانِ :
السَّبَبُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَا كَانَ فِيهِمْ قَوْمٌ يَنْهَوْنَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=24661الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ ) وَالْمَعْنَى : فَهَلَّا كَانَ ، وَحُكِيَ عَنِ
الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ كَلِمَةِ "لَوْلَا" فَمَعْنَاهُ هَلَّا ، إِلَّا الَّتِي فِي الصَّافَّاتِ .
قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَمَا صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ الصَّافَّاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=49لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ ) [الْقَلَمِ : 49 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ ) [الْفَتْحِ : 25 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) [الْإِسْرَاءِ : 74 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116أُولُو بَقِيَّةٍ ) فَالْمَعْنَى أُولُو فَضْلٍ وَخَيْرٍ ، وَسُمِّيَ الْفَضْلُ وَالْجُودُ بَقِيَّةً ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَسْتَبْقِي مِمَّا يُخْرِجُهُ أَجْوَدَهُ وَأَفْضَلَهُ ، فَصَارَ هَذَا اللَّفْظُ مَثَلًا فِي الْجَوْدَةِ ، يُقَالُ : فُلَانٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْقَوْمِ ، أَيْ مِنْ خِيَارِهِمْ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : فِي الزَّوَايَا خَبَايَا وَفِي الرِّجَالِ بَقَايَا ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَقِيَّةُ بِمَعْنَى الْبَقْوَى ، كَالتَّقِيَّةِ بِمَعْنَى التَّقْوَى ، أَيْ : فَهَلَّا كَانَ مِنْهُمْ ذُو بَقَاءٍ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَصِيَانَةٍ لَهَا مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَقُرِئَ " أُولُو بُقْيَةٍ" بِوَزْنِ لُقْيَةٍ ، مِنْ بَقَّاهُ يُبَقِّيهِ ، إِذَا رَاقَبَهُ وَانْتَظَرَهُ ، وَالْبَقِيَّةُ الْمَرَّةُ مِنْ مَصْدَرِهِ ، وَالْمَعْنَى : فَلَوْلَا كَانَ مِنْهُمْ أُولُو مُرَاقَبَةٍ وَخَشْيَةٍ مِنَ انْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى . ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116إِلَّا قَلِيلًا ) وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِأُولِي الْبَقِيَّةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفَسَادِ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنَ النَّاجِينَ مِنْهُمْ ، كَمَا تَقُولُ : هَلَّا قَرَأَ قَوْمُكَ الْقُرْآنَ إِلَّا الصُّلَحَاءَ مِنْهُمْ - تُرِيدُ اسْتِثْنَاءَ الصُّلَحَاءِ مِنَ الْمُرَغَّبِينَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ . وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا : إِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : لَكِنَّ قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنَ الْقُرُونِ نَهَوْا عَنِ الْفَسَادِ وَسَائِرَهُمْ تَارِكُونَ لِلنَّهْيِ .
وَالسَّبَبُ الثَّانِي لِنُزُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ ) وَالتَّرَفُّهُ : النِّعْمَةُ ، وَصَبِيٌّ مُتْرَفٌ إِذَا كَانَ مُنَعَّمَ الْبَدَنِ ، وَالْمُتْرَفُ الَّذِي أَبْطَرَتْهُ النِّعْمَةُ وَسَعَةُ الْمَعِيشَةِ ، وَأَرَادَ بِالَّذِينِ ظَلَمُوا تَارِكِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ ، أَيْ لَمْ يَهْتَمُّوا بِمَا هُوَ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاتَّبَعُوا طَلَبَ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ ، وَاشْتَغَلُوا بِتَحْصِيلِ الرِّيَاسَاتِ ، وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ
الْجُعْفِيِّ " وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أَتْرَفُوا " أَيْ وَاتَّبَعُوا حَرَامًا أَتْرَفُوا فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ) وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ .