الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 137 ]

                                                                                                                                                                                                                                            ( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن الموثق مصدر بمعنى الثقة ، ومعناه : العهد الذي يوثق به فهو مصدر بمعنى المفعول يقول : لن أرسله معكم حتى تعطوني عهدا موثوقا به ، وقوله : ( من الله ) أي عهدا موثوقا به بسبب تأكده بإشهاد الله وبسبب القسم بالله عليه ، وقوله : ( لتأتنني به ) دخلت اللام ههنا لأجل أنا بينا أن المراد بالموثق من الله اليمين ، فتقديره : حتى تحلفوا بالله لتأتنني به .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( إلا أن يحاط بكم ) فيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : قال صاحب "الكشاف" : هذا الاستثناء متصل . فقوله : ( إلا أن يحاط بكم ) مفعول له ، والكلام المثبت الذي هو قوله : ( لتأتنني به ) في تأويل المنفي ، فكان المعنى : لا تمتنعون من الإتيان به لعلة من العلل إلا لعلة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : قال الواحدي : للمفسرين فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : أن قوله : ( إلا أن يحاط بكم ) معناه الهلاك ، قال مجاهد : إلا أن تموتوا كلكم فيكون ذلك عذرا عندي ، والعرب تقول : أحيط بفلان إذا قرب هلاكه ، قال تعالى : ( وأحيط بثمره ) ( الكهف : 42 ) أي أصابه ما أهلكه . وقال تعالى : ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) ( يونس : 22 ) وأصله أن من أحاط به العدو وانسدت عليه مسالك النجاة دنا هلاكه ، فقيل لكل من هلك : قد أحيط به .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : ما ذكره قتادة ( إلا أن يحاط بكم ) إلا أن تصيروا مغلوبين مقهورين ، فلا تقدرون على الرجوع .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل ) يريد شهيد ، لأن الشهيد وكيل بمعنى أنه موكول إليه هذا العهد فإن وفيتم به جازاكم بأحسن الجزاء ، وإن غدرتم فيه كافأكم بأعظم العقوبات .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية