الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 375 ) مسألة : قال : ( وإذا تيمم صلى الصلاة التي حضر وقتها ، وصلى به فوائت إن كانت عليه ، والتطوع إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى ) المذهب أن التيمم يبطل بخروج الوقت ودخوله ، ولعل الخرقي إنما علق بطلانه ، بدخول وقت صلاة أخرى تجوزا منه ، إذا كان خروج وقت الصلاة ملازما لدخول وقت الأخرى ، إلا في موضع واحد ، وهو وقت الفجر ، فإنه يخرج منفكا عن دخول وقت الظهر ، ويبطل التيمم بكل واحد منهما فلا يجوز أن يصلي به صلاتين في وقتين ، روي ذلك عن علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، رضي الله عنهم ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، ويحيى الأنصاري ، وربيعة ، ومالك ، والشافعي ، والليث ، وإسحاق . وروى الميموني ، عن أحمد في المتيمم ، قال : إنه ليعجبني أن يتيمم لكل صلاة ، ولكن القياس أنه بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء ، أو يحدث ; لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الجنب .

                                                                                                                                            يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، { الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك } . وهو مذهب سعيد بن المسيب ، والحسن ، والزهري ، والثوري ، وأصحاب الرأي . وروي عن ابن عباس ، وأبي جعفر ; لأنها طهارة تبيح الصلاة ، فلم تتقدر بالوقت كطهارة الماء . ولنا ، ما روى الحارث ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : التيمم لكل صلاة . وابن عمر قال : تيمم لكل صلاة ; ولأنها طهارة ضرورة ، فتقيدت بالوقت ; كطهارة المستحاضة ، وطهارة الماء ليست للضرورة ، بخلاف مسألتنا . والحديث أراد به أنه يشبه الوضوء في إباحة الصلاة ، ويلزمه التساوي في جميع الأحكام .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه إذا نوى بتيممه مكتوبة ، فله أن يصلي به ما شاء من الصلوات ، فيصلي الحاضرة ، ويجمع بين الصلاتين ، ويقضي فوائت ، ويتطوع قبل الصلاة وبعدها . هذا قول أبي ثور . وقال مالك ، والشافعي : لا يصلي به فرضين .

                                                                                                                                            وقد روي عن أحمد ، أنه قال : لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ، ثم يتيمم للأخرى . وهذا يحتمل أن يكون مثل قولهما ; لما روي عن ابن عباس ، أنه قال : من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ، ثم يتيمم للأخرى . وهذا مقتضى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ; ولأنها طهارة ضرورة فلا يجمع بها بين فريضتين ، كما لو كانا في وقتين . ولنا أنها طهارة صحيحة ، أباحت فرضا ، فأباحت فرضين ، كطهارة الماء ; ولأنه بعد الفرض الأول تيمم صحيح مبيح للتطوع ، نوى به المكتوبة ، فكان له أن يصلي به فرضا ، كحالة ابتدائه ; ولأن الطهارة في الأصول ، إنما تتقيد [ ص: 165 ] بالوقت دون الفعل ، كطهارة الماسح على الخف ، وهذه في النوافل ، وطهارة المستحاضة ; ولأن كل تيمم أباح صلاة أباح ما هو من نوعها ، بدليل صلوات النوافل .

                                                                                                                                            وأما حديث ابن عباس ، فيرويه الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف ، ثم يحتمل أنه أراد أن لا يصلي به صلاتين في وقتين ; بدليل أنه يجوز أن يصلي به صلوات من التطوع ، ويجمع بين صلاتين فرض ونفل ، وإنما امتنع الجمع بين فرضي وقتين ، لبطلان التيمم ، بخروج وقت الأولى منها . إذا ثبت هذا ، فإن الخرقي إنما ذكر قضاء الفوائت والتطوع ، ولم يذكر الجمع بين صلاتين ، وكذا ذكر الإمام أحمد ، فيحتمل أن لا يجوز الجمع بين الصلاتين . وهو مذهب أبي ثور .

                                                                                                                                            والصحيح جواز الجمع ; لما ذكرنا من الأدلة ; ولأن ما أباح فرضين فائتين ما أباح فرضين في الجمع ، كسائر الطهارات . وقال الماوردي : ليس للمتيمم أن يجمع بين صلاتين بحال ; لأن الصلاة الثانية تفتقر إلى تيمم ، والتيمم يفتقر إلى طلب ، والطلب يقطع الجمع ، ومن شرطه الموالاة - يعني على مذهب الشافعي - وهذا ينبغي أن يتقيد بالجمع في وقت الأولى ، فأما الجمع في وقت الثانية ، فلا تشترط له الموالاة في الصحيح . فإن قيل : فكيف يمكن قضاء الفوائت ، والترتيب شرط ، فيجب تقديم الفائتة على الحاضرة فكيف تتأخر الفائتة عنها ؟ قلنا : يمكن ذلك لوجوه : أحدها أن يقدم الفائتة على الحاضرة .

                                                                                                                                            الثاني أن ينسى الفائتة ، ثم يذكرها بعد الحاضرة . الثالث أن يخشى فوات وقت الحاضرة ، فيصليها ، ثم يصلي في بقية الوقت فوائت .

                                                                                                                                            الرابع أنه إذا كثرت الفوائت بحيث لا يمكن قضاؤها قبل خروج وقت الحاضرة ، فله أن يصلي الحاضرة في الجماعة في أول الوقت ، ويقدمها على الفوائت ، في إحدى الروايتين ; فإنه لا بد من تقديمها على بعض الفوائت ، فلا فائدة في تأخيرها ; ولأنه لو لزم تأخيرها إلى آخر وقتها ، للزم ترك الجماعة الحاضرة بالكلية

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية