الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1947 - مسألة : فلو قال لموطوءة : أنت طالق أنت طالق أنت طالق - فإن نوى التكرير لكلمته الأولى وإعلامها فهي واحدة ، وكذلك إن لم ينو بتكراره شيئا - فإن نوى [ ص: 406 ] بذلك أن كل طلقة غير الأخرى فهي ثلاث إن كررها ثلاثا ، ولا اثنتان إن كررها مرتين بلا شك .

                                                                                                                                                                                          فلو قال لغير موطوءة منه : أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهي طلقة واحدة فقط ، لأن تكراره للطلاق وقع - وهي في غير عدة منه - إذ لا عدة على غير موطوءة بنص القرآن وهي أجنبية بعد ، وطلاق الأجنبية باطل .

                                                                                                                                                                                          واختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة كما قلنا . [ ص: 407 ]

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : إن كان وصل كلامه ولا يقطع بعضه عن بعض فهي ثلاث لازمة ، وإن كان فرق بين كلامه بسكتة فهي طلقة واحدة فقط .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : إن كان ذلك في مجلس واحد فهي كلها لوازم سواء فرق بين كل طلاق بسكتة أو لم يفرق ، وإن كان ذلك في مجالس شتى لم يلزم من الطلاق إلا ما كان في المجلس الأول فقط .

                                                                                                                                                                                          فممن روينا عنه مثل قولنا : من طريق سعيد بن منصور : نا عتاب بن بشير عن خصيف عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثلاثا ولم يكن دخل بها ؟ قال : هي ثلاث ، فإن طلقها واحدة ثم ثنى ثم ثلث لم يقع عليها ، لأنها قد بانت بالأولى - وصح هذا عن خلاس ، وإبراهيم النخعي في أحد أقواله ، وطاوس ، والشعبي ، وعكرمة ، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وحماد بن أبي سليمان - ورويناه عن مسروق .

                                                                                                                                                                                          ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن مطرف بن طريف قال : سألت الحكم بن عتيبة عمن قال لامرأته : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ؟ يعني لم [ ص: 408 ] يكن دخل بها ؟ قال : تبين بالتطليقة الأولى والثنتان التي أتبع ليستا بشيء ، فقلت له : عمن تحفظه ؟ قال : عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا عن ابن عباس - وهو قول سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          والقول الثاني - رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن قال لغير المدخول بها : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق - وقالها متصلة : لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإن قال : أنت طالق ثم قال : أنت طالق ثم سكت ، ثم قال : أنت طالق ، بانت بالأولى ولم تكن الأخريان شيئا - ومثله سواء سواء عن عبد الله بن مغفل المزني - وهو قول مالك - والأوزاعي ، والليث .

                                                                                                                                                                                          والقول الثالث - رويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الصمد قال : قال لي منصور : حدثت عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول : إذا قال للتي لم يدخل بها في مجلس واحد : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا ، غيره - فإن قام من مجلسه ذلك بعد أن طلق طلقة واحدة ثم طلق بعد ذلك ، فليس بشيء .

                                                                                                                                                                                          وقد جاءت روايات لا بيان فيها - : منها - ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح ، وجابر بن زيد ، قالا جميعا : إذا طلقت البكر ثلاثا فهي واحدة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور - هو ابن المعتمر - أن آخر قول الحسن فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول بها : أنه إن شاء خطبها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن النعمان بن أبي عياش عن عطاء بن يسار أنه سئل عمن طلق امرأته قبل أن يمسها ؟ قال : طلاق البكر واحدة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لم يخصوا مفرقة من مجموعة ، والله أعلم بمرادهم .

                                                                                                                                                                                          ومنها أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : طلق رجل من مزينة امرأته ثلاثا قبل [ ص: 409 ] الدخول ، فسأل ابن عباس وعنده أبو هريرة ؟ فقال أبو هريرة : واحدة تبينها وثلاث تحرمها ؟ فصوبها ابن عباس - وهذا لا يصح ، لأن عمر بن راشد ضعيف .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن النعمان بن أبي عياش أن عبد الله قال فيمن طلق امرأته البكر : واحدة تبينها ، وثلاث تحرمها - ونحوه عن أم سلمة أم المؤمنين ، وعلي بن أبي طالب - فلم يبينوا مفرقة أم مجموعة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما من فرق بين قوله ذلك في مجلس ، وبين قوله ذلك في مجلسين فدعوى بلا برهان ، وكذلك من فرق بين قوله ذلك متصلا ، وبين تفريقه بين ذلك بالسكوت هو أيضا قول لا دليل على صحته - فهو ساقط - .

                                                                                                                                                                                          فصح قولنا ، لأنه بتمام قوله لها : أنت طالق بانت وحل لها زوج غيره - ولو مات لم ترثه - ولو ماتت لم يرثها - وليس في عدة منه ، فطلاقه لها لغو ساقط - وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية