الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          389 - مسألة : والإتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة إلا به ، لكل قيام ركوع واحد ، ثم رفع واحد ، ثم سجدتان بينهما جلسة - هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة فمن نسي سجدة واحدة وقام عند نفسه إلى ركعة ثانية فإن الركعة الأولى لم تتم ، وصار قيامه إلى الثانية لغوا ليس بشيء . ولو تعمده ذاكرا لبطلت صلاته ، حتى إذا ركع ورفع فكل ذلك لغو ، لأنه عمله في غير موضعه نسيانا ، والنسيان مرفوع . فإذا سجد تمت له حينئذ ركعة بسجدتيها . ولو نسي من كل ركعة من صلاته سجدة لكان - إن كانت : الصبح ، أو الجمعة ، أو الظهر ، أو العصر . أو العتمة في السفر - : قد صحت له ركعة . فليأت بأخرى ثم يسجد للسهو . وإن كان ذلك في المغرب فكذلك أيضا ، وليسجد سجدة واحدة . ثم يقوم إلى الثانية ، فإذا أتمها جلس ، ثم قام إلى الثالثة ، ثم يسجد للسهو . وإن كانت : الظهر أو العصر ، أو العتمة في الحضر - : فقد صحت له ركعتان كما ذكرنا ; فعليه أن يأتي بركعتين ثم يسجد للسهو برهان ذلك - : قول الله تعالى : { أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . فصح يقينا أن كل عمل عمله المرء في موضعه كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معتد له به ، وكل عمل عمله المرء في غير موضعه الذي أمره عليه السلام فهو رد - وهذا نص قولنا ولله تعالى الحمد . وقال بهذا الشافعي ، وداود ، وغيرهما . وقال مالك : يلغى قيامه في الأولى وركوعه ورفعه والسجدة التي سجدها ويعتد بالثانية [ ص: 337 ] وهذا خطأ لما ذكرنا ; لأنه اعتد له بقيام فاسد وركوع فاسد ورفع فاسد ، وضع كل ذلك حيث لا يحل له ; وحيث لو وضعه عامدا لبطلت صلاته بلا خلاف من أحد ، وألغى له قياما وركوعا ورفعا وسجدة أداها بإجماع الأمة ، وهو معهم كما أمره الله تعالى فإن قيل : أردنا أن لا يحول بين السجدتين بعمل قلنا : قد أجزتم له أن يحول بين الإحرام للصلاة وبين القيام والقراءة المتصلين بها بعمل أبطلتموه ، فما الفرق وقد حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أعمال صلاته ناسيا بما ليس منها ، من سلام وكلام ومشي واتكاء ودخوله منزله ، ولم يضر ذلك ما عمل من صلاته شيئا ; فالحيلولة بينهما إذا كانت بنسيان لا تضر فإن قيل : إنه لم ينو بالسجدة أن تكون من الركعة الأولى ، وإنما نواها من الثانية ، والأعمال بالنيات قلنا لهم : هذا لا يضر ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نوى بالجلسة التي سلم منها أنها من الركعة الرابعة ، وهي من الثانية ، ثم اعتد بها للثانية ، وكذلك أمر عليه السلام من لم يدر كم ركعة صلى أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام ، وعلى شك من الزيادة ، فالمصلي على هذا ينوي بالركعة أنها الثالثة ولعلها رابعة ، ولا يضر ذلك شيئا ثم نقول لهم : هذا نفسه لازم لكم ; لأنه نوى بالتكبير للإحرام [ أن ] تلي الركعة التي أبطلتم عليه ، لا الركعة التي جعلتموها أولا وقال أبو حنيفة : يسجد في آخر صلاته أربع سجدات متواليات وتمت صلاته وهذا كلام في غاية الفساد ، لأنه اعتد له بأربع ركعات متواليات لم يتم منها ولا واحدة ; وهذا باطل . ثم أجاز له سجدات متتابعات لم يأمر الله تعالى قط بها ، أتى بها عامدا مخالفا لأمر الله عز وجل بالقصد . ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلوا كما رأيتموني أصلي } . [ ص: 338 ] ولتعليمه عليه السلام المصلي كيف يعمل ، من طريق أبي هريرة ، ورفاعة بن رافع ، وقد ذكرنا كل ذلك بإسناده ; وهم يدعون أنهم أصحاب قياس . ولا يختلفون في أنه لا يحل للمصلي تعمد تقديم سجدة قبل الركعة ; ولا تعمد تقديم ركوع قبل السجدة التي في الركوع الذي قبله ; ثم أجازوا هذا بعينه - وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية