الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وبالمتجدد عن سلع التجارة بلا بيع لها كغلة عبد )

                                                                                                                            ش : أي واستقبل بالمتجدد عن سلع التجارة إن كان في عينه الزكاة كالدنانير والدراهم وإلا استقبل بثمنه حولا كما صرح به في المدونة ، وكان ذلك فائدة أفادها وفهم منه من باب أحرى أنه يستقبل بالمتجدد عن السلع المشتراة للقنية وهو كذلك أيضا يستقبل بالمتجدد عن السلع المكتراة للقنية ، وأما السلع المكتراة للتجارة فإن غلتها كالربح على قول ابن القاسم الذي مشى عليه المؤلف ، ولو قال " عن رقاب التجارة " عوض قوله " سلع " لكان أوضح ; لأن الحكم في علة الرقاب هو الحكم في علة السلع ، أو لو قال عن رقاب التجارة وسلعها أو نحو ذلك ، والله أعلم ، قال الشيخ أبو الحسن الصغير في الشرح الكبير ، وأما منافع الرقاب فلا يخلو أن تكون متولدة عما اشترى للقنية أو عما اشترى للتجارة أو عما اكترى للتجارة فإن كانت متولدة عما اشترى للقنية فلا زكاة فيها إذ هي تبع للأصل حتى يمضي لها حول من يوم قبضها قولا واحدا ، انتهى . وقوله من يوم قبضها يريد أو قبض ثمنها إن كانت ثمرة هذا حكم منافع السلع المشتراة للقنية ، وأما السلع المكتراة للقنية فصرح به ابن الحاجب والمصنف أما المصنف فمفهوم قوله قبل هذا وضم الربح لأصله كغلة مكترى للتجارة ، وصرح بالمفهوم في التوضيح

                                                                                                                            وقوله بعد هذا " إلا إن لم يكن أحدهما للتجارة " والله أعلم ، وهذا حكم سلع القنية مشتراة أو مكتراة أو التي ليست للتجارة ولا للقنية ، وأما المتجدد عن سلع التجارة فلا يخلو : إما أن تكون تلك السلع مكتراة أو مشتراة فهي المرادة هنا بقول المصنف وبالمتجدد عن سلع التجارة إلى أن قال : وثمرة مشترى وأطلق - رحمه الله - في أن ثمن ثمرة المشترى للتجارة يستقبل به حولا سواء وجبت الزكاة في عين الثمرة أم لم تجب وهو كذلك على المشهور بل المنصوص ، وأما قوله ، وإن وجبت زكاة في عينها فرجع إلى ما قبله وهو قوله " ولو اكترى وزرع إلى آخره " وما ذكرت أنه المشهور ، قاله ابن عبد السلام وابن عرفة ولم يجعل ابن عرفة مقابله إلا تخريج ابن بشير ، ونص ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب كمن اشترى أصولا للتجارة فأثمرت فالمشهور كفائدة يعني أن مثال الغلة ما ذكره وهو أن من اشترى أصولا للتجارة ولا ثمرة فيها فأثمرت فالمشهور من المذهب أن هذه الثمرة فائدة فإن كان في عينها زكاة زكاها ، وإن لم يكن في عينها الزكاة كالتفاح والرمان أو كانت ولكنها قصرت عن نصاب فلا زكاة ثم إن باع الغلة في الجميع استقبل حولا ، والشاذ أنه يزكي الثمن على حول الأصل إلا فيما في عينه الزكاة وكان نصابا فإن حل ثمنه من يوم زكى عين الغلة ، انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة : وفي كون ثمن غلة ما ابتيع لتجر ولا زكاة فيها لحبسها أو عدم نصابها فائدة أو ربحا - قولا المشهور ، ونقل ابن بشير مع الصقلي وهي رواية زياد : ولو كانت مزكاة ففي تزكية ثمنها لحول من يوم بيعها أو زكاتها نقل الشيخ عن رواية محمد مع ظاهرها وتخريج ابن بشير على كون ثمن غير زكاها ربحا فجعله ابن الحاجب المشهور وهم ، انتهى . وما عزاه من القول الثاني لتخريج ابن بشير فقط ، نقله الشيخ أبو الحسن الصغير قولا فإنه نقل في منافع ما اشترى [ ص: 307 ] للتجارة أو اكترى لها ثلاثة أقوال وأطلق في تلك فقال : الأول إنها ليست بفائدة ويزكي ذلك الحول من يوم أفاد الثمن الذي اشترى قبضه ، وهو قول أشهب به واكترى به أو زكاه ، وهي رواية زياد عن مالك ، الثاني - أن ذلك كله فائدة يستقبل بها حولا بعد قبضه

                                                                                                                            الثالث - غلة ما اشترى للتجارة فائدة وغلة ما اكترى للتجارة ليست بفائدة وهو قول ابن القاسم ، وهو أشد المذاهب ولا فرق بين ما اشترى ليباع فيربح فيه أو اكترى ليكرى فيربح فيه ومن غلة ما اكترى للتجارة ، مسألة المدونة هذه ، انتهى . وهي المسألة الآتية في قول المصنف " ولو اكترى " ، والله أعلم .

                                                                                                                            وقوله " أشد المذاهب " كأنه استضعفه من جهة النظر عنده وإلا فهو المشهور ، ويمكن أن يحمل كلام الشيخ أبي الحسن ورواية ابن زيادة على ما إذا لم تجب الزكاة في عين الثمرة ، وكلام ابن الحاجب الذي أشار إليه ابن عرفة بالتوهيم هو ما ثبت في بعض نسخه ، ونصه : فإن وجبت زكاة في عينها زكى الثمن بعد حول من تزكيته على المشهور ، قال في التوضيح : وقع هذا في بعض النسخ ، ولو قال " بعد تزكيتها " لكان أحسن ، والمشهور نقله لابن يونس عن مالك لكنه إنما نقله فيما إذا اكترى أرضا فزرع فيها للتجارة وقيده هو ، فقال يريد إذا اكترى الأرض للتجارة واشترى طعاما للتجارة وزرع فيها للتجارة ، وكان الأحسن على تقدير ثبوت هذه النسخة أن تؤخر عن قوله " ولو اشترى أو اكترى للتجارة وزرعها للتجارة " ، وكذلك وقع في بعض النسخ ، انتهى .

                                                                                                                            وأنت ترى أن هذا الذي ذكره ابن الحاجب على تقدير ثبوته إنما محله في المسألة الآتية وهي من اكترى للتجارة ، ولذلك ذكره المصنف في هذا المختصر بعدها فعلم من هذا أن من اكترى للتجارة فغلته ربح تزكى على حول الأصل إلا أن تجب الزكاة في عين الثمرة أو الزرع فإنه يزكى لحول التزكية ، وإلى هذا أشار المؤلف بقوله أولا " وضم الربح لأصله " كغلة مكترى للتجارة وبقوله بعد " وإن اكترى وزرع للتجارة زكى " يعني يزكي الثمن لحول الأصل يريد إذا لم يكن في عين ما خرج زكاة بدليل قوله بعد ، وإن وجبت زكاة في عينها زكى ثم زكى الثمن لحول التزكية فهو إنما يرجع إلى هذا الفرع فقط ومن رده إلى الغلة من حيث هي فقد حمل كلام المصنف على خلاف المشهور بل على التخريج فإنه قد صرح في التوضيح بأنه يستقبل بالثمن اتفاقا ، ونصه في شرح قول ابن الحاجب ، وفي إلحاق سلع التجارة بالربح أو بالفوائد إذا لم يكن في عينها زكاة قولان احترز بقوله " إذا لم يكن في عينها زكاة " مما لو كان في عينها زكاة كما لو اغتل نصابا من الثمرة أو الحب فإنه يزكيه زكاة الثمرة اتفاقا ثم إن باعه استقبل بثمنه اتفاقا ، انتهى . وكذلك ، قاله ابن رشد فيما نقل عنه ابن فرحون وما حملناه عليه يوافق ما في المدونة فإنه فيها كذلك ، ونصها : ومن اكترى أرضا وابتاع طعاما فزرعه فيها للتجارة أخرج زكاته يوم حصاده فإذا تم له عنده حول من يوم زكاه قومه إن كان مديرا وله مال عين سواه ، وإن لم يكن مديرا فلا يقومه فإذا باعه بعد حول من يوم أدى زكاته زكى الثمن ، وإن باعه قبل حول التربص فإذا تم حول والثمن في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة زكاه ، انتهى .

                                                                                                                            وفي الجواهر ومن اكترى ليكري زكيت أجرته لحول أصله ، وغلة ما اشترى للكراء والقنية فائدة يستقبل بها الحول ، وكذلك غلة ما اشترى للتجارة ، وروي أنها تزكى لحول أصلها ، وأما غلة الأراضي فإن كانت الأرض مكتراة للتجارة والزرع للتجارة زكى ما يخرج منها إن كان نصابا ، وإن كان دونه زكى ثمنه ثم يستقبل بالثمن حولا من يوم زكاة عينه أو ثمنه ، وإن كانت للقنية استقبل بالثمن حولا كان المبيع نصابا أو دونه ، وإن كان أحدهما للتجارة والآخر للقنية فذكر الخلاف الذي فيه ، ثم قال : ولو اشترى أصولا للتجارة فأثمرت فإن قلنا بأن الغلات فوائد استقبل بالثمن حولا كانت مما تجب الزكاة في عينها أم لا ، وإن أوجبنا الزكاة على حكم الأصول [ ص: 308 ] بين أثمانها إذا باعها على حول الأصول إن لم تجب الزكاة في عينها ، وإن وجبت عند ابتداء الحول يوم زكاها ، انتهى . وكلامه كله موافق لما قلناه إلا قوله في اكتراء الأرض للتجارة ، وإن كان دون النصاب زكى ثمنه ثم استقبل بالثمن حولا من يوم زكاة عينه أو ثمنه ، ولو قال : زكى ثمنه بعد حول الأصل المكترى به ثم استقبل بالثمن حولا من يوم زكاة عينه فيما إذا كان نصابا أو ثمنه إن لم يكن نصابا لكان أحسن ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) ما وقع في نسخة الشيخ خليل من ابن الحاجب بعد الكلام على زكاة الغلات من قوله : فإن وجبت زكاة في عينها زكى الثمن لحول من تزكيته على المشهور فرجعه لثمرة الأصول المشتراة للتجارة ، وقال الشيخ في التوضيح : المشهور نقله ابن يونس لكنه إنما نقله فيما إذا اكترى أرضا للتجارة وزرعها للتجارة ، انتهى . فكأنه لم يقف على ما في ابن عبد السلام ولا على ما في الجواهر فتأمله ، ومن رأى كلامه واقتصر عليه حمل كلامه في هذا المختصر على مثل ذلك ، والظاهر أنه ليس مرادا وإلا كان قدمه على قوله ، ولو اكترى كما تقدم بيانه فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) هذا الذي تقدم حكم ما إذا اشترى الأصول بلا ثمرة وأثمرت عنده وباع الثمرة مفردة ، وأما لو ابتاع الأصول بثمرتها فإن كانت مؤبرة فحكمها ما سيذكره المصنف ، وإن لم تكن مؤبرة فهي أيضا غلة على المشهور يستقبل بثمنها إلا أن يبيعها قبل طيبها مع أصولها فتكون تبعا لأصلها ، قاله ابن الحاجب ، وأما إن اشترى الأصول بلا ثمر ثم أثمرت عنده إن جذ الثمرة وباعها فلا كلام أنها غلة ، وإن باعها مع أصلها فلا يخلو ذلك : إما أن يكون بعد طيب الثمرة ، أو قبل طيبها فإن كان ذلك قبل طيبها فهو تبع فيضم ثمنها إلى ثمن الأصل وكان الجميع ربحا يزكي على حول الأصل سواء اشترى الأصول بلا ثمرة أو اشتراها بثمرة قبل طيبها وباع الأصول بثمرتها أيضا قبل طيبها

                                                                                                                            وأما إن باع الأصول بثمرتها بعد الطيب فلا يخلو : إما أن تكون قد وجبت الزكاة في عين الثمرة ، أو لا فإن كانت الزكاة تجب في عينها فض الثمن على الأصل والثمرة فما ناب الأصل زكاه على حوله وما ناب الثمرة زكاه زكاة الحرث ، وإن لم تجب الزكاة في عينها : إما لأنها من جنس ما لا زكاة فيه أو كانت من جنس ما فيه الزكاة ولكنها قاصرة عن النصاب فاختلف فيها هل هي غلة أو تكون تابعة لأصلها على الخلاف في الثمرة بماذا تكون غلة هل بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ ثلاثة أقوال ذكرها اللخمي ولم يعزها ، قال ابن عرفة ، وعزا في النوادر كون ثمرة النخل غلة بالزهو لعيسى عن ابن القاسم مع ابن عبدوس عنه مع أشهب ، ونقل ابن المواز أن ثمن الثمرة يضم إلى ثمن الأصل ويزكي الجميع لحول أصل الثمن ، كذا نقل ابن عبد السلام وابن عرفة ، وقال ابن عبد السلام : الجاري على قول ابن القاسم خلاف ما قاله ابن المواز ، وأنه يفض الثمن على الأصول والثمرة فثمن الأصول ربح وثمن الثمرة فائدة ، وكلام ابن المواز إنما هو إذا لم يجذ الثمرة أما لو جذها فإن ثمنها فائدة بلا كلام كما تقدم انظر ابن عبد السلام وابن عرفة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) علم مما تقدم أن الغلات إما أن تكون متولدة عن السلع المشتراة للقنية أو المشتراة للتجارة أو المشتراة للكراء أو عن السلع المكتراة للقنية أو للتجارة والحكم في الجميع يستفاد من كلام المصنف ; لأنه قد ذكر أن غلات السلع المشتراة للتجارة يستقبل بها فيستقبل بغلات سلع القنية من باب أولى ، وأما المشتراة للكراء فهي كالمشتراة للتجارة أو للقنية ، وقال في النوادر من قول مالك وأصحابه : إن غلة ما اشترى للتجارة أو للكراء أو للقنية أو ورثت فذلك كله فائدة ، انتهى . وأما غلات السلع المكتراة للتجارة فذكر حكمها في قوله كغلة مكترى للتجارة وقوله " وإن اكترى وزرع للتجارة " ، وأما غلات السلع المكتراة للقنية فمن مفهوم ما ذكره ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية