الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لا زكاة في عينه )

                                                                                                                            ش : هذا هو الشرط الأول كما قال في الشرح الأصغر واحترز به مما في عينه الزكاة كنصاب الماشية ، فإن الزكاة تؤخذ منه فإن باع الماشية زكى الثمن بعد حول من يوم زكى الرقاب ، وأما الحبوب والثمار إذا كانت مشتراة وحدها فلا تتعلق الزكاة بعينها ، وإنما تتعلق الزكاة بها إذا خرجت من الحرث ، وقد تقدم حكمها في قوله : وإذا اكترى إلى آخره

                                                                                                                            ص ( أو قنية على المختار والأرجح )

                                                                                                                            ش : يعني [ ص: 319 ] إذا نوى بالعرض التجارة والقنية بأن يشتريها وينوي الانتفاع بعينه وهي القنية ، وإن وجد فيه ربحا باعه وهو التجارة ، كذا فسره ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح فتعلق الزكاة به على المختار والأرجح

                                                                                                                            ص ( وكان كأصله أو عينا )

                                                                                                                            ش : يعني أنه يشترط في زكاة عروض التجارة أن يكون أصلها عروض تجارة أو عينا ، قال البساطي وابن غازي حق العبارة أن يقول : وكان أصله كهو ، وهذا ظاهر ، وقال بعضهم : المراد أن يكون أصله عينا أو عرضا سواء كان عرض تجارة أو قنية ، انتهى . وتأمله فإنه لا يصير لقوله " وكان كأصله أو عينا " فائدة ، وقال الشارح في شروحه الثلاثة : فاحترز بهذا الشرط مما لو كان أصله عرض قنية فإنه يستقبل بثمنه ، انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره الشارح هو المفهوم من كلام المصنف إلا أنه خلاف المشهور من المذهب كما صرح به المصنف في التوضيح وابن عبد السلام ، بل قال ابن عبد السلام لا يكاد يقبل لشذوذه ، ونص كلام التوضيح عند قول ابن الحاجب ، وإن كان بمعاوضة للتجارة بعرض القنية فقولان : الباء في " بعرض " تتعلق بمعاوضة يعني فإن كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به التجارة ثم باعه ففي ثمنه إذا بيع قولان يزكي لحول أصله وهو المشهور ، وقيل : يستقبل به حولا بناء على أن الثمن هل يعطى حكم أصل الثاني فيزكى أو أصله الأول فلا زكاة ; لأنه عرض قنية ، انتهى . وقال لما أن عد الشروط ثالثها أن يكون أصل هذا العرض المحتكر إما عينا أو عرض تجارة فلو كان أصله عرض قنية استقبل بثمنه ، انتهى . ونص ابن عبد السلام هنا الشرط الثالث وهو أحد أمرين على البدل أن يكون أصل هذا العرض المحتكر عينا أو يكون عرض تجارة احتراز من أن يكون أصله عرض قنية فإن كان كذلك فذكر المؤلف فيه قولين ، انتهى . ثم قال عند قول ابن الحاجب المتقدم يعني فإن باع عرض القنية بعرض ينوي به التجارة فهل يكون ثمن هذا العرض الأخير كالدين أو يستقبل به حولا بعد قبضه ؟ في ذلك قولان ، والمشهور منهما أنه كالدين ويكاد لا يقبل القول الآخر لشذوذه وضعفه ، والله أعلم ، انتهى .

                                                                                                                            وصرح بذلك ابن فرحون أيضا ، ونصه : المشهور أنه إذا كان عنده عرض قنية فباعه بعرض ينوي به التجارة ثم باع هذا العرض فإنه يزكي ثمنه كسائر عروض التجارة ، وقيل : إنه يستقبل به كثمن عروض القنية ، انتهى . وذكر ابن عرفة فيه طريقين الأولى للخمي فيه قولان ، الثانية لابن حارث إن كان أصله عروض القنية من شراء فالقولان ، وإن كان بإرث فيكون العرض المشترى عرض قنية أيضا اتفاقا ، ونصه : وفي كون ما ملك لتجر بعرض قنية تجر أو قنية طريقان للخمي قولان ابن حارث ، إن كان عرض القنية من شراء فقولا ابن القاسم مع أحد قولي أشهب ، وقوله الآخر ، وإن كان بإرث - فقنية اتفاقا ، انتهى . إلا أن عزوه الطريق الأولى للخمي يقتضي أنها له وحده ، وقال المازري في شرح التلقين : إن الاختلاف في هذه المسألة ينقله شيوخنا نقلا مطلقا ، وصرح بعضهم بكون السلعة الثانية للتجارة ، وإن كانت عوضا عن سلعة موروثة ورأيت ابن حارث ينكر الاختلاف فيها إذا كانت عوضا عن سلعة موروثة ، انتهى .

                                                                                                                            فلم يجعل الطريقة الأولى خاصة باللخمي وعزا المازري القول بأن العرض الثاني يكون للتجارة لابن القاسم وأحد قولي أشهب والقول الثاني لقول أشهب الثاني كما عزاه ابن عرفة [ ص: 320 ] واختصر في الذخيرة على القول الثاني ، وحكاه سند كأنه المذهب ، ونص كلام سند في الطراز إذا ابتاع العرض يعني عرض التجارة بعرض مقتنى فإنه يتنزل على حكم القنية ولا تؤثر فيه نية التجارة ويستقبل بثمنه إذا باعه بالعين حولا بعد قبضه ، هذا قول مالك ، وقال أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل يجري في الحول من غير ملك عرض التجارة اعتبارا بما لو اشتراه بالعين ، انتهى . وعلى ما ذكره في الطراز اعتمد المصنف - رحمه الله - هنا وتبع في التوضيح كلام ابن عبد السلام

                                                                                                                            ص ( وإن قل )

                                                                                                                            ش : قال الشيخ بهرام : هذا راجع إلى قوله " أو عينا " وقال البساطي : ولو رجع إلى مجموع الشرط لم يلزم عليه شيء وهو كذلك إلا أنه لا فائدة فيه ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وبيع بعين )

                                                                                                                            ش : هذا الشرط وما قبله يعم المدير والمحتكر ، فأما المدير فالمشهور أنه لا يجب عليه أن يقوم عروضه ويزكيها كما سيأتي إلا إذا نض له شيء ما ، ولو درهم خلافا لابن حبيب ولا يشترط أن ينض له نصاب خلافا لأشهب ، وعلى المشهور فلا فرق بين أن ينض له في أول الحول أو وسطه أو آخره ، قال في المدونة : وإذا نض للمدير في السنة درهم واحد في وسط السنة أو في طرفيها قوم عروضه لتمام السنة فزكى السنين ابن يونس ، وإذا نض للمدير شيء في وسط السنة أو في طرفيها إلا أنه لم يتم الحول لم يكن عنده من الناض شيء وكان جميع ما بيده عروضا فليقومها لتمام الحول ويزكي ، قال ابن نافع عن مالك : ويبيع عرضا منها ويقسمه في الزكاة أو يخرج عرضا بقيمته إلى أهلها من أي صنف شاء من عروضه ، وقال سحنون : بل يبيع عروضه ويخرج عينا ، انتهى . وفرع ابن الحاجب هذين القولين على قول ابن حبيب " أنه يزكي " ولو لم ينض له شيء ويأتي تفريعهما على المشهور كما في هذه الصورة وفيما إذا كان ما بيده من العين لا يفي بزكاة قيمة ما معه من العروض فالصواب ذكرهما مطلقين كما فعل ابن يونس والمازري على ما نقل عنه ابن عرفة وشهر في الشامل القول الثاني إلا أنه إنما ذكر القولين على الشاذ كابن الحاجب ، ولكن المقصود أن الثاني هو الراجح ، وفي الذخيرة فإن لم يكن له ناض أو له ولكنه أقل من الجزء الواجب ، قال مالك : يبيع العرض ; لأن الزكاة إنما تجب في القيم فلو أخرج العرض كان كإخراج القيمة وهو المشهور ، وقال أيضا : يخير بين البيع وإخراج الثمن وبين إخراج العرض ، انتهى .

                                                                                                                            وذكر ابن القاسم في سماع يحيى أنه يجب عليه أن يبيع عروضه كما يبيع الناس لحاجاتهم ولم يذكر ابن رشد خلافه ، ونصه : وسئل عن رجل حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجارة فأتى شهره الذي يقوم فيه هل يجب عليه أن يبيع عروضه بالغة ما بلغت ، قال عليه أن يبيع كما يبيع الناس لحاجاتهم ويؤدي زكاة ماله قيل له : فإن لم يبع من العروض حتى تلفت بعدما حال عليها الحول هل يكون ضامنا للزكاة ، قال : نعم ، قال ابن رشد : وهذا كما ، قال ; لأن للرجل أن يستقصي في سلعته ويجتهد في تسويقها ليؤدي منها الزكاة دون تفريط ولا تأخير ولا يلزمه أن يبيعها من حينه بما يعطي فيها من قليل أو كثير ; لأن ذلك من إضاعة المال فإن فرط في بيعها حتى تلفت لزمه ضمان ، وإن تلفت قبل أن يفرط لم يلزمه ضمان ما تلف ويزكي الباقي إن كان مما تجب فيه الزكاة ، وقيل : يلزمه الزكاة ، وإن لم يبلغ ما تجب فيه الزكاة ; لأن المساكين تنزلوا معه لحول الحول منزلة الشركاء فما تلف فمنه ومنهم وما بقي بينه وبينهم ، انتهى .

                                                                                                                            وعزا ابن عرفة هذه المسألة لسماع عيسى ، وإنما هي في سماع يحيى ، والله أعلم ، ثم قال في المدونة فإن لم ينض له شيء في سنته فلا تقويم ابن يونس ولا زكاة ، ثم قال فيها : فإن نض له شيء بعد ذلك ، وإن قل قوم وزكاه وكان حوله من يومئذ وألغى الوقت الأول ابن يونس ، قال ابن مزين : هذا قول ابن القاسم وغيره ، وقال أشهب لا يقوم حتى يمضي له حول من يوم باع بذلك العين ; لأنه يومئذ دخل في [ ص: 321 ] الإدارة ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) قال في التوضيح : وإذا قلنا بالمشهور : إنه لا تجب الزكاة إلا بالنضوض ، وإنها لا تجب عليه إذا باع العرض بالعرض فهل يخرج بيع العرض بالعرض عن حكم الإدارة ، قال في الجواهر : لا يخرجه ذلك عن حكم الإدارة ، وروى أشهب وابن نافع أن ذلك يخرجه عن حكمها ، انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال الرجراجي في المدير إذا كان يبيع العرض بالعرض ذريعة لإسقاط الزكاة فلا يجوز له ذلك باتفاق المذهب ويؤخذ بزكاة ما عنده من المال ، انتهى . وقال ابن جزي بعد ذكره المدير والمحتكر

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية