الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو قدمت في عين وماشية )

                                                                                                                            ش : يعني أن زكاة العين والماشية إذا قدمت قبل الحول فإنها تجزئ ، وهذا هو المشهور إذا قدمت قبل الحول بيسير ، وقال أشهب : لا تجزئ قبل محلها كالصلاة ، ورواه عن مالك ، نقله ابن رشد ، قال في التوضيح ورواه ابن وهب ، قال ابن يونس : وهو الأقرب وغيره استحسان ، قال في البيان : وحمل ابن نافع قول مالك عليه وهو رأى أنها لا تجزئ قبل محلها بيوم واحد ولا بساعة واحدة وهو ضامن لها حتى [ ص: 361 ] يخرجها بعد محلها ، انتهى من أول رسم من سماع أشهب ، والمشهور هو مذهب المدونة ، وقال ابن رشد في الرسم المذكور : إنه الأظهر ، قال في كتاب الزكاة الأول من المدونة : ولا ينبغي إخراج زكاة شيء من عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن يكون قبل الحول بيسير فيجزئه ولا يجزئه فيما بعد ، قال أبو الحسن : قوله هنا لا ينبغي هنا بمعنى لا يجوز ، ثم قال : وقوله إلا أن يكون قبل الحول راجع إلى ما يشترط فيه العين والماشية ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) لم أر في شيء من النسخ تقييد التقديم بالزمن اليسير ، ولا بد منه كما تقدم في لفظ المدونة ، ونقل أبو الحسن الاتفاق على أنها لا تجزئ فيما بعد ، وهو ظاهر كلام اللخمي فإنه قال : من عجل زكاة ماله لعام أو لعامين أو في العام بنفسه قبل أن يقرب الحول لم يجزه ، واختلف إذا قرب الحول ، انتهى . ولا أعلم في عدم الإجزاء إذا قدمت قبل الحول بكثير خلافا في المذهب كما صرح بذلك الرجراجي في شرح المدونة .

                                                                                                                            ( الثاني ) لم يبين في المدونة حد اليسير ، وذكر ابن رشد في المقدمات وفي الرسم المذكور من سماع أشهب في حده أربعة أقوال : أحدها - أنه اليوم واليومان ونحو ذلك وهو قول ابن المواز ، الثاني - أنه العشرة الأيام ونحوها وهو قول ابن حبيب في الواضحة ، الثالث - أنه الشهر ونحوه وهو رواية عيسى عن ابن القاسم ، الرابع أنه الشهران ونحوهما وقع ذلك في المبسوط ، هكذا قال في البيان ، وقال في المقدمات : الرابع - أنه الشهران فما دونهما وهو رواية زياد عن مالك ، انتهى .

                                                                                                                            ونقل اللخمي الأقوال الثلاثة الأول ولم يقل فيها ونحو ذلك كما قال ابن رشد ، بل قال في قوله محمد إذا كان مثل اليوم واليومين أجزأه ولا يجزئه ما فوق ذلك ، ونقل الأقوال الثلاثة عياض ، وزاد هو واللخمي خامسا ، ولم يعزواه وهو نصف شهر ، ونقل ابن بشير وابن الحاجب في حد اليسير قولين آخرين : أحدهما - إنه خمسة أيام ، الثاني - إنه ثلاثة أيام ، قال ابن عرفة : ولا أعرفها ، انتهى . قلت : القول بالثلاثة الأيام يشبه قول ابن المواز واليومان ونحوهما ، ويؤيد ذلك أن ابن بشير وابن الحاجب لم ينقلا قول ابن المواز ، وكلام ابن بشير صريح في أنه هو الثالث ، وجه صاحب الطراز قول ابن القاسم أن حد اليسير الشهر ، فإنه إذا بقي لحولها ثلاثون يوما ونحوها فقد دخل شهر زكاته ، وكان ذلك أول وقت الأداء ، وقد يكون بالفقراء حاجة مفدحة فيتسامح في إخراجها ويكون ذلك أصلح للفقراء وفي كلامه ميل إلى ترجيح هذا القول فإنه فرع عليه وهو الظاهر ، وقال الشريف الفاسي في تصحيح ابن الحاجب : وعليه اقتصر خليل في مختصره فلعله وقع في نسخة من المختصر كذلك ، ولو قال المصنف أو قدمت ب كشهر في عين وماشية لأفاد المسألتين - أعني التقييد باليسير وتحديده - ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) ما ذكره في الماشية محله إذا لم يكن سعاة ، وأما إذا كان الساعي يخرج ويصرفها في مصارفها فقد تقدم أنها لا تجزئ ممن أخرجها قبل مجيئه ، ولو كان ذلك بعد كمال الحول على المشهور ، وصرح بذلك اللخمي هنا ، فقال لما ذكر التقديم : ويجوز في المواشي إذا لم يكن سعاة على مثل ما يجوز في العين أو كان سعاة على القول إنها تجزئ إذا أخرجها قبل مجيء الساعي ، انتهى .

                                                                                                                            وقاله في الطراز ، ونقله في الذخيرة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قال الشارح في الكبير : الذي يظهر لي أن حرف الجر في قوله في عين وماشية للسببية ، كقوله عليه الصلاة والسلام { دخلت امرأة النار في هرة } ، والتقدير إن قدمت إذا وجبت بسبب عين وماشية ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : الذي يظهر أنه للظرفية ، أي قدمت في زكاة عين وماشية فهي ظرف للتقييد ، ثم رأيت البساطي " أنها للظرفية " والله أعلم .

                                                                                                                            ( الخامس ) يفهم من كلام المصنف أن الخلاف إنما هو في الإجزاء بعد الوقوع لا في الجواز ابتداء وهو كذلك فقد اعترض المصنف على ابن هارون في قوله " المشهور الجواز " بأنه إنما نقل صاحب الجواهر والتلمساني [ ص: 362 ] الخلاف في الإجزاء ، قال في التوضيح : وهو الأقرب لأنه لا شك أن المطلوب ترك ذلك ابتداء ، انتهى . وقد تقدم في لفظ المدونة أنه لا ينبغي ، وقال أبو الحسن إن معناه أنه لا يجوز وفي سماع عيسى وأرى الشهر قريبا على زحف وكره ، وقوله على زحف بالزاي والحاء المهملة أي استثقال ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية