الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( السادس ) أطلق أهل المذهب في وجوب تحصيل المركوب بشراء أو غيره ولم يقيدوا ذلك بوجوده بثمن المثل وأجرة المثل وقيده غيرهم بأن يحصل ذلك بثمن المثل وأجرة المثل ، كما نقله ابن جماعة في منسكه الكبير والظاهر من كلام أصحابنا أنه إذا طلب منه أكثر من ذلك وكان قادرا عليه لزمه ذلك والله أعلم .

                                                                                                                            ونص ابن جماعة وحيث اعتبرنا القدرة على المركوب وما يتعلق به فالمراد عند غير المالكية أن يملكه أو يتمكن من تملكه أو استئجاره بثمن المثل أو أجرة المثل أو زيادة عند الحنابلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله وقال في الزاد : وقال المالكية : إنه يحصل ذلك بشراء وأطلقوا ويشترط أن يكون ما يصرفه في ذلك فاضلا عما يشترط كون الزاد فاضلا عنه وسيأتي بيانه انتهى .

                                                                                                                            وقال في الزاد : ويشترط عند الثلاثة غير الحنفية أن يكون فاضلا عن قضاء دين عليه حال أو مؤجل وأطلق الحنفية اشتراط أن يكون ذلك فاضلا عن الديون وقال الشافعية والحنابلة إذا كان ماله دينا يتيسر تحصيله في الحال فهو كالحاصل في يده وإلا فهو كالمعدوم وهو مقتضى مذهب المالكية انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن فرحون في منسكه : فمن قدر على الوصول إلى مكة إما راجلا أو راكبا بشراء أو كراء فقد لزمه فرض الحج انتهى .

                                                                                                                            ( السابع ) قال عبد الحق في التهذيب : رأيت لبعض أهل العلم أن من تمام الاستطاعة وجود الماء في كل منهل وذلك أنه لا بد منه لكل أحد فيعتبر وجوده في كل منهل لا دفعة واحدة [ ص: 500 ] كالزاد ، والفرق بينه وبين الزاد حيث اعتبر دفعة واحدة هو أن العادة في الزاد أن يحمل دفعة واحدة لطول الطريق ، والماء إنما يحمل في كل منزل وأيضا لحمل الزاد دفعة لا يشق ، وفي حمل الماء لطول الطريق مشقة شديدة ومؤنة كبيرة من قبل أن الإنسان يحتاج الماء أكثر من الزاد فيشق حمله فلذلك اعتبر وجوده في كل منزل ، وهذا الذي ذكره كلام مستقيم فاعلمه ، انتهى .

                                                                                                                            ونقله المصنف في توضيحه بلفظ ، ونقل عبد الحق عن بعض شيوخه أنه يعتبر في الاستطاعة وجود الماء في كل منهل ، ونقله ابن عرفة بلفظ وصوب عبد الحق قول بعض العلماء : من الاستطاعة وجود الماء في كل منهل . ونقله الجزولي في شرح الرسالة بلفظ من شرط الحج أنه يجد الماء في كل منهل ، قاله عبد الحق وهو تفسير للمذهب ونقله التادلي والأقفهسي والبرزلي وقبلوه ، قال البرزلي : قال شيخنا الإمام يعني ابن عرفة : ولهذا لم يحج أكثر شيوخنا لكون الماء يتعذر غالبا في بعض المناهل ، وحكاه في الشامل بقيل وذلك يقتضي تضعيفه ، وأنه خلاف المذهب وكلام الجماعة المتقدمين يقتضي اعتماده وأنه المذهب وهو الظاهر والله أعلم .

                                                                                                                            والمراد بذلك والله أعلم وجوده في المناهل التي جرت العادة بوجود الماء فيها غالبا لا وجوده في كل مرحلة فإن ذلك متعذر فتأمله ، وقال الأبي في شرح مسلم في حديث الخثعمية لما تكلم على الاستطاعة قلت : وما ذكر عن بعضهم من الاستطاعة وجود الماء في كل منزل لا يريد به منزل كل يوم إنما يريد في كل زمان يحتاج فيه إليه انتهى .

                                                                                                                            وقوله : في كل منزل ، يعني المنهل كما تقدم في كلام عبد الحق حيث عبر عنه في أول كلامه بالمنهل وفي آخره بالمنزل والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية