الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وتطوع وليه عنه بغيره كصدقة ودعاء )

                                                                                                                            ش : أي وفضل تطوع ولي الميت عنه بغير الحج كصدقة عنه والعتق عنه والإهداء عنه والدعاء له على تطوعه عنه بالحج وأتى بالكاف ليدخل ما تقدم من العتق والإهداء كما قال في المدونة ونصها في كتاب الحج الثاني : ومن مات وهو صرورة ولم يوص أن يحج عنه أحد فأراد أن يتطوع عنه بذلك ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي فليتطوع عنه بغير هذا يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق انتهى . وقوله : وهو صرورة نبه به على أن غير الصرورة أولى بأن لا يحج عنه وقال ابن يونس : قال مالك : لا ينبغي لأحد أن يحج عن حي زمن أو غيره ولا أن يتطوع به عن ميت صرورة كان أو لا وليتطوع عنه بغير ذلك أحب إلي أن يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق انتهى .

                                                                                                                            قال في التوضيح وإنما كانت هذه الأشياء أولى لوصولها إلى الميت من غير خلاف بخلاف الحج انتهى ، وقال الشارح في الكبير : والدعاء جار مجرى الصدقة انتهى . وقال ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب لأن ثواب هذه الأشياء يصل إلى الميت وثواب الحج هو للحاج وإنما للمحجوج عنه بركة الدعاء وثواب المساعدة وعلى المباشرة بما تصرف من حال المحجوج عنه انتهى .

                                                                                                                            ثم قال في التوضيح فائدة من العبادات ما لا يقبل النيابة بالإجماع كالإيمان بالله - تعالى - ومنها ما يقبلها إجماعا كالدعاء والصدقة ورد الديون والودائع واختلف في الصوم والحج والمذهب أنهما لا يقبلان النيابة وكذلك القراءة لا تصل على المذهب حكاه القرافي في قواعده والشيخ ابن أبي جمرة وهو المشهور من مذهب الشافعية ذكره النووي في الأذكار ومذهب أحمد وصول القراءة ومذهب مالك كراهة القراءة على القبور نقله سيدي ابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري قال : لأنا مأمورون بالتفكر فيما قيل لهم وماذا لقوا ونحن مكلفون بالتدبر في القرآن فآل الأمر إلى إسقاط أحد العملين انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن فرحون في شرحه : اختلف في الصوم والحج والمشهور أنهما لا يقبلان النيابة من الحي والعاجز وأما القادر فلا يقبلان اتفاقا فإن أوصى بالحج ومات نفذت وصيته على المشهور وأما الصلاة فلا تقبل النيابة وفي التقريب على التهذيب وقال ابن عبد الحكم : يجوز أن يستأجر عن الميت من يصلي عنه ما فاته من الصلوات ذكره في باب الحج انتهى ، وقال أبو الفرج البغدادي في الحاوي لو صلى إنس عن غيره بمعنى أنه يشركه في ثواب صلاته جاز ذلك ذكره في الحج وأما الوصية بأن يقرأ على قبره بأجرة فتنفذ وصيته كالاستئجار على الحج قال أبو عبد الله بن عات : وهو رأي شيوخنا بخلاف ما لو أوصت بمال لمن يصلي عنها أو يصوم والوصية بذلك في الثلث ذكره ابن سهل في الوصايا في مسألة جامعة لوجوه من الوصايا وفي التقريب على التهذيب في باب الإجارة ذكر قولين في الإجارة على الحج قال : وكذلك من استأجر قارئا يقرأ عنه في صحة ذلك قولان انتهى . وقوله : والوصية بذلك في الثلث يعني الوصية بالحج وبأن يقرأ على القبر بأجرة ولا يريد الوصية لمن يصلي عنه أو يصوم فإن ذلك غير نافذ والله أعلم .

                                                                                                                            وصرح المازري في شرح التلقين في أول كتاب الوكالة لما أن تكلم على الأشياء [ ص: 544 ] التي لا تجوز فيها الوكالة أن الصوم لا يقبل النيابة لا عن الحي ولا عن الميت ولم يذكر خلافا ونصه : وأما الصوم فلأنه لا تصح النيابة فيه مع الحياة وأما مع الموت فعندنا أنه لا يصوم أحد عن أحد حيا كان أو ميتا وقد ورد في الصحيح في الحديث المشهور { : من مات وعليه صوم صام عنه وليه } والمخالف أخذ بهذا على حسب ما ذكرناه في كتابنا المعلم وبه أخذ الشافعي في أحد قوليه انتهى . فتحصل من هذا أن الصلاة لا تقبل النيابة على المعروف من المذهب خلافا لما ذكره صاحب التقريب عن ابن عبد الحكم وذكره أبو الفرج في الحاوي وكذلك الصيام على المذهب كما قال في التوضيح أو على المشهور من المذهب كما قال ابن فرحون : فلا تنفذ الوصية بالاستئجار عليهما ولا أعلم في ذلك خلافا بخلاف الحج فتنفذ الوصية به على المشهور وكذلك الاستئجار على القراءة على القبر تنفذ الوصية بذلك على المشهور والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) لا يفهم من كلام المصنف هنا حكم التطوع عن الميت بالحج ما هو وحكمه الكراهة كما صرح به في المدونة وصاحب الطراز وغيره ويؤخذ من قول المصنف بعد هذا ومنع استنابة صحيح في فرض وإلا كره وقول المصنف عنه وليه أعم من أن يكون المتطوع عنه حيا أو ميتا وهو كذلك قال في الطراز : وكما يكره عن الميت فهو عن الحي أشد ويصح عن الميت وإن لم يستنبه أحد وكذلك عندنا في الحي إن وقع ولا يكون في الفرض بوجه انتهى . وقال قبله : والكلام هنا إنما هو في الكراهة والجواز وإن أحرم عن الميت حكم الجميع بانعقاد إحرامه انتهى

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية