الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويقضي المقيم المتيمم لفقد الماء ) لندرة فقده في الإقامة وعدم دوامه ويباح له بالتيمم إذا كان جنبا أو نحوه القراءة مطلقا كما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما وقال جمع إنه كفاقد الطهورين

                                                                                                                              ويسن له قضاء ما صلاه من النوافل أي التي تقضى ، والجمعة يفعلها ويقضي الظهر ( لا المسافر ) [ ص: 380 ] المتيمم فلا يقضي وإن قصر سفره لعموم الفقد فيه والتعبير بهما للغالب والضابط أنه متى تيمم بمحل الغالب وقت التيمم فيه أي وفيما حواليه إلى حد القرب من سائر الجوانب فيما يظهر أخذا مما مر أنه يلزمه السعي لذلك عند تيقن الماء فيه فلا تعتبر الغلبة فيما وراء ذلك وجود الماء أعاد وإلا بأن غلب فقده أو استوى الأمران فلا ولا يعتبر محل الصلاة على الأوجه ( إلا العاصي بسفره ) كآبق وناشزة فإنه يقضي سواء تيمم لفقد ماء أو جرح أو مرض ( في الأصح ) ؛ لأن سقوط الفرض بالتيمم فيه رخصة [ ص: 381 ] أيضا فلا تناط بمعصية ولأنه لما لزمه فعله خرج عن مضاهاة الرخص المحضة قاله الإمام ويؤخذ منه أن الواجب ليس رخصة محضة ، ومن ثم قال السبكي هو رخصة من حيث قيام سبب الحكم الأصلي وعزيمة من حيث وجوبه وتحتمه ا هـ وبه يجمع بين من عبر في أكل الميتة للمضطر بأنه رخصة ومن عبر بأنه عزيمة . وأما تردد الإمام في موضع أن الوجوب هل يجامع الرخصة فيحمل على أن مرده هل يجامع الرخصة المحضة هذا ولك أن تقول الذي يتجه ما صرح به كلامهم أن الوجوب يجامع الرخصة المحضة وأنه لا ينافي تغيرها إلى سهولة ؛ لأن الوجوب فيها لما كان موافقا لغرض النفس من حيث إنه أخف عليها من الحكم الأصلي غالبا لم يكن منافيا لما فيها من التسهيل ويصح تيممه فيه إن فقد الماء حسا لحيلولة نحو سبع لما مر أول الباب لا شرعا لنحو مرض وعطش فلا يصح تيممه حتى يتوب لقدرته على زوال مانعه بالتوبة ، ولو عصى بالإقامة بمحل لا يغلب فيه وجود الماء وتيمم لفقده لم يلزمه القضاء ؛ لأنه ليس محلا للرخصة بطريق الأصالة حتى يفترق الحال فيه بين العاصي وغيره بخلاف السفر فاندفع ما للسبكي هنا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ولا يعتبر محل الصلاة على الأوجه ) المعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي اعتبار محل الصلاة ومن عبر بمحل التيمم فهو جرى على الغالب فإن الغالب اتحاد محلهما وينبغي أن يعتبر الإحرام بالصلاة حتى لو أحرم في محل يغلب فيه الفقد وانتقل في بقيتها إلى محل بخلافه فلا قضاء فليتأمل فلو صلى بالتيمم ، ثم شك في أن المحل يغلب فيه وجود الماء أو لا فهل يسقط القضاء ؛ لأنه بأمر جديد والأصل عدمه مع أن الأصل عدم غلبة الوجود في ذلك المحل أو لا فيه نظر والأول غير بعيد ( تنبيه )

                                                                                                                              إذا اعتبرنا محل الصلاة فهل يعتبر زمن الصلاة حتى لو وقعت في صيف وكان الغالب في صيف ذلك المحل العدم وفي شتائه الوجود فلا قضاء وإن كان الأمر بالعكس وجب القضاء أو في جميع العام أو غالبه أو جميع العمر أو غالبه فيه نظر ولعل الأوجه الأول وعليه فلو غلب الوجود صيفا وشتاء في ذلك المحل لكن غلب العدم في خصوص ذلك الصيف الذي وقعت فيه فهل يعتبر ذلك فيسقط القضاء فيه نظر ولا يبعد اعتباره ويجري جميع ذلك في محل التيمم إن اعتبرناه ( قوله لفقد ماء ) يحتمل تقييده بالفقد وعدمه فإن كان لمانع حسي كسبع حائل وتأخر نوبته في بئر تناوبوه عن الوقت فلا يبعد عدم [ ص: 381 ] القضاء م ر ( قوله ولأنه لما لزمه فعله ) يتأمل هذا التعليل ( قوله ويصح إلخ ) هذا مع قوله السابق سواء تيمم لفقد ماء أو جرح أو مرض يتحصل منه وجوب القضاء في الثلاثة قبل النوبة . وأما صحة التيمم قبلها فعلى هذا التفصيل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ويقضي المقيم إلخ ) أي وجوبا نهاية ومغني . ( قوله لندرة ) إلى قوله ولأنه لما في المغني إلا قوله ويسن إلى والجمعة وقوله وقت التيمم إلى وجود الماء وقوله ولا يعتبر إلى المتن وقوله أو جرح أو مرض . ( قوله مطلقا ) أي في الصلاة وخارجها الفاتحة وغيرها . ( قوله وقال جمع إلخ ) عبارة المغني في قول لا يقضي واختاره المصنف لأنه أتى بالمقدور وفي قول لا تلزمه الصلاة في الحال بل يصبر حتى يجده وعلى الأول هل يقرأ في الصلاة غير الفاتحة أو لا كفاقد الطهورين ظاهر كلام الشيخين الأول وظاهر كلام القاضي وصاحب الكافي الثاني والأول أوجه ا هـ . ( قوله ويسن له ) أي للمقيم المتيمم . ( قوله والجمعة ) إلى قول المتن ومن تيمم لبرد في النهاية إلا قوله وقت التيمم إلى وجود الماء وقوله ولا يعتبر إلى المتن .

                                                                                                                              [ ص: 380 ] وقوله أو جرح أو مرض . ( قوله المتيمم ) أي لفقد الماء نهاية ومغني . ( قوله لعموم الفقد إلخ ) يعني لعدم ندرته فيشمل استواء الأمرين . ( قوله والتعبير بهما ) أي بالمقيم والمسافر ووقع السؤال عما لو كان بمحل ماؤه قريب بحيث لو حفر الأرض حصل الماء أي بغير مشقة تبيح التيمم هل يكلف ذلك ولا يصح تيممه حينئذ وإن كان غير لائق به الحفر أم لا فيه نظر والظاهر الأول لأن مثل ذلك يغتفر في جانب العبادة ع ش . ( قوله للغائب ) فلو صلى بالتيمم ، ثم شك في أن المحل يغلب فيه وجود الماء أو لا فهل يسقط أو لا فيه نظر والأول غير بعيد سم وع ش . ( قوله وقت التيمم ) يأتي ما فيه . ( قوله وجود الماء ) فاعل قوله السابق الغالب . ( قوله ولا يعتبر إلخ ) خلافا للنهاية والمغني عبارتهما واللفظ للأول وتعبيرهم بمكان التيمم جرى على الغالب من عدم اختلاف مكان التيمم والصلاة به في ندرة فقد الماء وعدم ندرته فإن اختلفا في ذلك فالاعتبار حينئذ بمكان الصلاة به كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى ا هـ . ( قوله على الأوجه ) المعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي اعتبار محل الصلاة وينبغي أن يعتبر الإحرام بالصلاة حتى لو أحرم في محل يغلب فيه الفقد وانتقل في بقيتها إلى محل بخلافه فلا قضاء ( تنبيه )

                                                                                                                              إذا اعتبرنا محل الصلاة فهل يعتبر في زمن الصلاة حتى لو وقعت في صيف وكان الغالب في صيف ذلك المحل العدم وفي شتائه الوجود فلا قضاء وإن كان الأمر بالعكس وجب القضاء أو في جميع العام أو غالبه أو جميع العمر أو غالبه فيه نظر والأوجه الأول وعليه فلو غلب الوجود صيفا وشتاء في ذلك المحل لكن غلب العدم في خصوص ذلك الصيف الذي وقعت فيه فهل يعتبر ذلك فيسقط القضاء فيه نظر ولا يبعد اعتباره ويجري جميع ذلك في محل التيمم إن اعتبرناه سم على حج أقول وما ذكر أنه الأقرب مستفاد من قول حج وقت التيمم وهو مراد الشارح م ر فإنه لم يخالف إلا في كون المكان معتبرا فيه التيمم أو الصلاة ع ش قول المتن ( بسفره ) خرج به العاصي في سفره كأن زنى أو سرق فيه فإنه لا قضاء عليه لأن المرخص غير ما به المعصية نهاية . ( قوله كآبق إلخ ) ومن سافر ليتعب نفسه أو دابته عبثا فإنه يلزمه أن يصلي بالتيمم ويقضي مغني . ( قوله لفقد ماء ) يحتمل تقييد الفقد بعدمه فإن كان لمانع حسي كسبع حائل وتأخر نوبته في بئر تناوبوه عن الوقت لم يبعد عدم القضاء م ر ا هـ سم على حج ا هـ ع ش . ( قوله أو جرح ) أو مرض قد يقال إن فرض تيممه في هذه الحالة قبل التوبة فغير صحيح كما سيأتي فصلاته حينئذ بلا تيمم وكلامنا في المتيمم أو بعدها فلا وجه للقضاء من حيث المعصية لانقطاعها وقد يجاب بأن مراده الأول واكتفى بوجود التيمم صورة بصري أي ولو حذفه كغيره لكان أسلم من السؤال وتكلف الجواب قول المتن ( في الأصح ) والثاني لا يقضي لأنه لما وجب عليه صار عزيمة وفي وجه ثالث لا يستبيح التيمم أصلا ويقال له إن تبت استبحت وإلا أثمت بترك الصلاة مغني فما يأتي من التعليلين رد لهذين الوجهين الأول للأول والثاني للثاني ويندفع بذلك توقف سم في التعليل الثاني وقول الرشيدي ولم يظهر له معنى هنا لأنه مساو لتعليل الوجه الثاني ا هـ .

                                                                                                                              [ ص: 381 ] قوله أيضا ) أي كالتيمم . ( قوله ولأنه إلخ ) تعليل لصحة الصلاة بالتيمم مع كونه رخصة وهي لا تناط بالمعاصي فكان مقتضى القياس بطلان التيمم حتى يتوب من معصيته ع ش أي ورد للوجه الثالث القائل بعدم صحة التيمم قبل التوبة كما مر وللكردي هنا توجيه آخر ظاهر السقوط . ( قوله ويؤخذ إلخ ) عبارة النهاية قيل ويؤخذ إلخ . ( قوله منه ) أي من التعليل الثاني . ( قوله أن الواجب ) أي التيمم الواجب على العاصي بسفره . ( قوله سبب الحكم إلخ ) وهو دخول وقت الصلاة . ( قوله وبه ) أي بقول السبكي . ( قوله وأنه ) أي وجوب المرخص ( لا ينافي تغيرها ) أي تغير الرخصة من الصعوبة . ( قوله ويصح إلخ ) هذا مع قوله السابق سواء تيمم لفقد ماء أو جرح أو مرض يتحصل منه وجوب القضاء في الثلاثة قبل التوبة . وأما صحة التيمم قبلها فعلى هذا التفصيل سم . ( قوله تيممه ) أي العاصي بسفره ( فيه ) أي في السفر ع ش . ( قوله لما مر أول الباب ) عبارته هناك لأنه لما عجز عن استعمال الماء حسا لم يكن لتوقف صحة تيممه على التوبة فائدة بخلاف ما إذا كان مانعه شرعيا كعطش أو مرض ا هـ . ( قوله لم يلزمه القضاء ) وفاقا للنهاية كما مر وخلافا للمغني عبارته وكالعاصي بسفره العاصي بإقامته فيقضي ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية