الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( الله ) هو على علم الذات الواجب الوجود المستحق لجميع الكمالات لذاته [ ص: 7 ] ولم يسم به غيره تعالى ولو تعنتا في الكفر بخلاف الرحمن على نزاع فيه ، وأصله إله حذفت همزته وعوض عنها أل وهو اسم جنس لكل معبود ، ثم استعمل في المعبود بحق فقط فوصف ولم يوصف به وعليه فمفهوم الجلالة بالنظر لأصله كلي [ ص: 8 ] وبالنظر إليه جزئي ومن ثم كان من الأعلام الخاصة من حيث إنه لم يسم به غيره تعالى ومن الغالبة من حيث إن أصله الإله بالنظر لاستعماله في المعبود بحق فقط ، وكان قول لا إله إلا الله كلمة توحيد أي لا معبود بحق إلا ذلك الواحد الحق ومن زعم أنه اسم لمفهوم الواجب الوجود لذاته أو المستحق للمعبودية ، وكل منهما كلي انحصر في فرد فلا يكون علما لأن مفهوم العلم جزئي فقد سها ولزمه أن لا إله إلا الله لا تفيد توحيدا كما بينته في شرح الإرشاد من أله بكسر عينه إذا تحير لتحير الخلق في معرفته أو بفتحها إذا عبد أو من لاه إذا ارتفع أو إذا احتجب ، وهذا لكونه نظرا لأصله قبل العلمية لا ينافي علميته وهو عربي ووروده في غير العربية من توافق اللغات كما أن الحق وفاقا للشافعي والأكثرين أن كل ما قيل في القرآن من غير الأعلام أنه معرب ليس كذلك بل عربي توافقت فيه اللغات ولا بدع أن يخفى على مثل ابن عباس كونه عربيا كما خفي عليه معنى فاطر وفاتح ، وقد قال الشافعي رضي الله عنه لا يحيط باللغة إلا نبي ومشتق عند الأكثرين وقول أبي حيان في نهره ليس مشتقا عند الأكثرين لعله أراد من النحاة وأعرف المعارف وإن كان علما

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله فوصف ) يتأمل هذا التفريع . الواجب الوجود ( قوله [ ص: 8 ] وبالنظر إليه جزئي ) أين مرجع هذا الضمير ( قوله كما بينته ) الذي بينه السعد



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله هو علم على الذات ) واعلم أنه كما تحيرت العقول في المسمى تحيرت في الاسم فاختلف فيه اختلافات كثيرة منها اختلافهم في كونه علما أو وصفا أو اسم جنس فقال الجمهور إنه علم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد والوصفان المذكوران لإيضاح المسمى لا لاعتبارهما في المسمى ، وإلا لكان المسمى مجموع الذات والصفة مع أنه الذات فقط ، واستدلوا بثلاثة أوجه : الأول أنه يوصف ولا يوصف به الثاني أنه لا بد له تعالى من اسم تجري عليه صفاته ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه لظهور معنى الوصفية في غيره بخلافه الثالث أنه لو لم يكن علما بأن كان صفة أو اسم جنس لكان كليا فلا يكون لا إله إلا الله توحيدا مع أنه توحيد بالإجماع ، وقال البيضاوي الأظهر أنه وصف في أصله لكنه لما غلب عليه سبحانه وتعالى بحيث لا يستعمل في غيره وصار علما مثل الثريا والصعق أجري كالعلم في إجراء الأوصاف عليه وامتناع الوصف به وعدم تطرق احتمال الشركة ا هـ .

                                                                                                                              وقوله لكنه لما غلب إلخ دفع للوجوه المذكورة في كونه علما وضعيا لذاته المخصوصة ولا يخفى أن المفهوم من كلام الشيخ زاده أنه عند البيضاوي صار علما بالغلبة ، ويشعر به قول البيضاوي وصف في أصله وسيأتي التصريح به في كلام الشيخ الشرواني أيضا فهو إنما ينكر كونه علما وضعيا ، ثم استدل البيضاوي على مختاره بثلاثة أوجه : الأول أن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر معه حقيقي كالعلم والقدرة أو غير حقيقي ككونه معبودا أو رازقا غير معقول [ ص: 7 ] للبشر فلا يمكن أن يدل عليها بلفظ الثاني أن الاسم الكريم لو دل على مجرد ذاته المخصوصة لما أفاد ظاهر قوله تعالى { وهو الله في السماوات } إلخ معنى صحيحا .

                                                                                                                              الثالث أن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب وهو حاصل بين لفظ الجلالة والأصول التي تذكر له أي فهو مشتق فيكون وصفا ، وأجيب عن الأول بأن التعلق الذي لم يحصل للبشر هو التعقل بالكنه ، وأما التعقل بوجه مختص فحاصل لهم وهو كاف في فهمهم المعنى من اللفظ الذي هو حكمة الوضع إن قلنا الواضع هو الله تعالى وفي إمكان وضعهم إن قلنا الواضع هم بدليل وضع الأب علما لولده قبل رؤيته وعن الثاني بأن تعلقه بالاسم الكريم لا يقتضي وصفيته لجواز أن يكون تعلقه به باعتبار ملاحظة المعنى الوصفي الخارج عنه المفهوم من أصل اشتقاقه أو المشهور به مسماه كما في قوله

                                                                                                                              أسد علي وفي الحروب نعامة

                                                                                                                              وعن الثالث بأن كونه مشتقا لا يقتضي كونه وصفا في الأصل ، وإنما يقتضيه لو وجب كون المشتق موضوعا لذات مبهمة وليس كذلك فإن أسماء الزمان والمكان والآلة مشتقات ، وليست بصفات لدلالتها على ذوات معينة بنوع تعيين صبان وسيأتي منه إن شاء الله تعالى بيان القول الثالث وما يتعلق به عند قول الشارح ومن زعم أنه إلخ وكلام النهاية يميل إلى ترجيح ما قاله البيضاوي وكلام الشارح الآتي كالصريح في اختيار القول الأول وبه جزم المغني كما يأتي وكذا البجيرمي وشيخنا حيث قالا واللفظ الثاني قوله والله اسم للذات أي بوضعه تعالى لأنه هو الذي سمى نفسه بنفسه ، ثم علمه لعباده فهو علم شخصي جزئي وإن كان لا يقال ذلك إلا في مقام التعليم ، وليس فيه غلبة أصلا لا تحقيقية ولا تقديرية فالأولى أن يسبق للكلي استعمال في غير الفرد الذي غلب عليه كالنجم فإنه اسم لكل كوكب ليلي ، ثم غلب على الثريا بعد سبق استعماله في غيرها .

                                                                                                                              والثانية أن لا يسبق للكلي استعمال في غير الفرد الذي غلب عليه لكن يقدر ذلك كالإله المعرف بأل فإنه لم يستعمل في غيره تعالى ثم غلب عليه تعالى بعد تقدير استعماله في غيره ، وأما لفظ الجلالة فليس فيه شيء من ذلك على التحقيق والله أعلم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولم يسم به غيره تعالى ) وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلثمائة وستين موضعا ، واختار المصنف تبعا لجماعة أنه الحي القيوم قال ، ولذلك لم يذكر في القرآن إلا في ثلاثة مواضع في البقرة وآل عمران وطه مغني ، وكذا في النهاية إلا قوله واختار إلخ ، وعبارة الشارح في شرح بأفضل وهو أي الله الاسم الأعظم وعدم الاستجابة لأكثر الناس مع الدعاء به لعدم استجماعهم لشرائط الدعاء ا هـ .

                                                                                                                              أي التي منها أكل الحلال ( قوله حذفت همزته إلخ ) عبارة المغني وأصله إله قال الرافعي كإمام ، ثم أدخلوا عليه الألف واللام ، ثم حذفت الهمزة طلبا للخفة ، ونقلت حركتها إلى اللام فصار اللام بلامين متحركتين ، ثم سكنت الأولى وأدغمت في الثانية للتسهيل انتهى وقيل حذفت همزته وعوض عنها حرف التعريف ، ثم جعل علما والإله في الأصل أي قبل دخول أل يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ، ثم غلب على الثريا ، وهل هو مشتق أو مرتجل فيه خلاف والحق أنه أصل بنفسه غير مأخوذ من شيء بل وضع علما ابتداء فكما أن ذاته لا يحيط بها شيء ولا ترجع إلى شيء فكذلك اسمه تعالى ا هـ أي لا يرجع إلى شيء يشتق منه ( قوله : ثم استعمل إلخ ) أي بالغلبة التحقيقية قبل حذف الهمزة وتعويض أل أي إله والتقديرية بعد ذلك أي الإله ، وأما الله فليس فيه غلبة أصلا بجيرمي ( قوله فوصف إلخ ) تعليل لقوله وهو اسم جنس إلخ عبارة الصبان اختلف في إله الذي هو أصل الجلالة على الأصح فقال البيضاوي إنه وصف وقال الزمخشري إنه اسم بدليل أنه يوصف ولا يوصف به لا تقول شيء إله وتقول إله واحد ا هـ .

                                                                                                                              أو لقوله هو علم على الذات إلخ كما هو صريح صنيع النهاية وما قدمناه عن الصبان في حاشيته هو علم على الذات إلخ أو تفريع على قوله ، ثم استعمل إلخ على التفسير المتقدم عن البجيرمي ( قوله وعليه ) أي على أنه اسم جنس لكل معبود إلخ ( قوله لأصله ) أي الأول وهو إله أو الثاني وهو الإله ويؤيده قوله الآتي من حيث [ ص: 8 ] إن أصله الإله ( قوله وبالنظر إليه ) أي إلى حالته الراهنة وهي الله ( قوله ومن ثم ) أي لأجل التفصيل المذكور في قوله فمفهوم الجلالة بالنظر لأصله كلي إلخ ( قوله كان ) أي لفظ الجلالة ( قوله ومن الغالبة ) أي غلبة تقديرية كما مر عن البجيرمي ويفيده أيضا قول الشارح الآتي فقط ( قوله وكان قول إلخ ) عطف على قوله كان من الأعلام إلخ وقوله ومن زعم إلخ عبارة الصبان وقيل إنه اسم لمفهوم الواجب الوجود إلخ ورد بأمرين أحدهما إجماعهم أن لا إله إلا الله تفيد التوحيد ولو كان اسما لمفهوم كلي لم تفده لأن الكلي من حيث هو يحتمل الكثرة .

                                                                                                                              ثانيهما أنه لو كان اسما للمفهوم الكلي لزم استثناء الشيء من نفسه في كلمة التوحيد إن أريد بإله فيها المعبود بحق والكذب إن أريد به مطلق المعبود لكثرة المعبودات الباطلة فوجب أن يكون إله فيها بمعنى المعبود بحق ، والله علما وضعيا للفرد الموجود منه . أقول الظاهر أن صاحب هذا القول يعترف بأنه صار علما بالغلبة على هذا الفرد المنحصر فيه الكلي إذ لا يسعه إنكار ذلك ، وقد نقل الشرواني عن الخليل أنه قال أطبق جميع الخلائق على أن قولنا الله مخصوص به تعالى أي إما بطريق الوضع أو الغلبة ، ثم رأيت للعلامة سم في حواشيه على مختصر السعد ما يرشحه حيث كتب على قوله فلا يكون علما ما نصه أي بالأصالة فلا ينافي أنه على هذا قد يجعل علما بالغلبة ا هـ وحينئذ يندفع الأمران المذكوران وعلى هذا وما سبق في تقرير كلام البيضاوي يكون اسم الجلالة في الحالة الراهنة علما باتفاق الأقوال الثلاثة فيه إلا أن علميته على القول الأول متأصلة وضعية وعلى الأخيرين غلبية طارئة ا هـ .

                                                                                                                              وقوله فلا يكون علما أي بل هو اسم جنس صبان ( قوله فقد سها كما بينته في شرح الإرشاد ) الذي بينه السعد سم وقد مر عن الصبان آنفا بيانه بأمرين ، ثم ردهما ( قوله من إله ) راجع إلى قوله وأصله إله إلخ عبارة الصبان وأما على القول بأنه علم بالوضع فاختلف أيضا فيه فقيل إنه منقول أي مأخوذ من أصل بنوع تصرف قال الشيخ زاده وهو المراد بالمشتق في عبارة من عبر به لا مقابل الأعلام وأسماء الأجناس من الوصف ا هـ ونسب هذا القول إلى الجمهور غير واحد كالشرواني في حواشي البيضاوي وقيل مرتجل لا أصل له ولا اشتقاق بل هو اسم موضوع ابتداء لذاته المخصوصة ، وإليه ذهب الخليل والخارجي واختاره الإمام ونسبه إلى سيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء كأبي حنيفة والشافعي كما في حواشي البيضاوي على أنه منقول فقيل إنه منقول من أصل لا يعلمه إلا الله وقيل من لاه يلوه لوها إذا خلق ، وقيل من لاه يلوه ليها إذا احتجب أو ارتفع ، ثم قال بعد ذكر أقوال أخر وأرجح الأقوال أنه من أله إذا عبد وأصله إله كفعال والذي رجحه على غيره كما قال السعد التفتازاني كثرة دوران إله كفعال واستعماله في المعبود بحق وإطلاقه على الله تعالى ا هـ .

                                                                                                                              عبارة النهاية متفرعا على علميته فهو مرتجل لا اشتقاق له ، والأكثرون على أنه مشتق ونقل عن الخليل وسيبويه أيضا واشتقاقه من أله أي بكسر اللام بمعنى تحير إلخ ( قوله إذا تحير إلخ ) فإله بمعنى مألوه فيه وقوله إذا عبد فإله بمعنى مألوه ككتاب بمعنى مكتوب صبان ( قوله إذا ارتفع إلخ ) أي فإله بمعنى آله اسم فاعل ( قوله وهذا ) أي الأخذ مما ذكر ( قوله نظرا إلخ ) علة متوسطة بين طرفي المدعي ( قوله لأصله ) أي أصل الله وهو إله ( قوله وهو عربي ) خلافا للبلخي حيث زعم أنه معرب نهاية عبارة الصبان ، ومذهب الجمهور أن الاسم الكريم عربي وضعا وقيل عجمي وضعا ، وأصله قيل بالعبرانية وقيل بالسريانية لاها فعرب بحذف الألف الأخيرة وإدخال أل ؛ لأن العبرانيين أو السريانيين يقولون لاها كثيرا ومعناه من له القدرة ا هـ ( قوله كونه إلخ ) أي ما قيل في القرآن إلخ ( قوله وقد قال إلخ ) تأييد لقوله ولا بدع إلخ ( قوله ومشتق إلخ ) كان حقه أن يقدم على قوله وهو عربي لما قدمنا عن الصبان عن الشيخ زاده ( قوله وأعرف المعارف إلخ ) فقد حكي أن سيبويه رئي في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال خيرا كثيرا لجعلي اسمه أعرف المعارف نهاية




                                                                                                                              الخدمات العلمية