الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويحرم به ما حرم بالحيض ) حتى الطلاق إجماعا ؛ لأنه دم حيض يجتمع قبل نفخ الروح وبعد النفخ يكون غذاء الولد ولا يؤثر في لحوقه به في ذلك تخالفهما في غيره ، إذ النفاس لا يتعلق به عدة ولا استبراء ولا بلوغ لحصولها قبله بالولادة أو الإنزال الناشئ عنه العلوق وأقله لا يمكن أن يسقط صلاة لتعذر استغراقه لوقتها بخلاف أقل الحيض كذا نقله ابن الرفعة عن البندنيجي ولك منعه بأنه يتصور إسقاطه لها بأن تكون مجنونة من أول الوقت إلى أن تبقى لحظة فتنفس حينئذ فمقارنة النفاس لهذه اللحظة أسقطت إيجاب الصلاة عنها حتى لا يلزمها قضاؤها ، ثم رأيت بعض الشراح [ ص: 414 ] أشار لذلك ( وعبوره ستين ) يوما ( كعبوره ) أي الحيض ( أكثره ) فيأتي هنا أقسام المستحاضة بأحكامها فإن اعتادت نفاسا وحيضا فنفاسها العادة وبعد قدرها إلى مضي قدر طهرها المعتاد من الحيض طهر ، ثم بعده حيضها كعادتها أو نفاسا فقط فهي مبتدأة في الحيض فطهرها بعد نفاسها المعتاد تسعة وعشرون يوما ، ثم تحيض أقله وتطهر تسعة وعشرين يوما وهكذا ومثلها فيما ذكر مبتدأة فيهما ، وإن تكررت ولادتها بلا دم ونفاس المبتدأة مجة أو حيضا فقط ردت في الحيض لعادتها فيه كالطهر وفي النفاس لمحة كما ترد مميزة فيه لتمييزها ما لم تزد على ستين ولا شرط للضعيف هنا ولو نسيت عادة نفاسها احتاطت أبدا سواء المبتدأة في الحيض والناسية لعادتها فيه . وأما قول ابن الرفعة لا يتصور التحير في النفاس إذ المذهب أن من عادتها أن لا تراه أصلا إذا رأت الدم وجاوز الستين تكون كالمبتدأة وحينئذ فابتداء نفاسها معلوم وبه ينتفي التحير ففيه نظر ، إذ ما ذكره لا يدل على انتفاء مطلق التحير عن النفاس لما تقرر في الناسية ، ومن ثم قال الجلال البلقيني النفساء الناسية إن نسيت قدر عادة نفاسها وعلمت وقت ولادتها وجاوز الدم تحتاط أبدا إن كانت مبتدأة ؛ لأن ابتداء حيضها غير معلوم ، وإن نسيت القدر والوقت بأن تقول ولدت مجنونة واستمر بي الدم وأنا مبتدأة في الحيض احتاطت أبدا أيضا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لحصولها قبله بالولادة إلخ ) قد يقال هذا لا يأتي بالنسبة للعدة فيما إذا ولدت ولم تر دما فطلقها ، ثم رأته قبل خمسة عشر يوما فقد يقال هذا النقاء الواقع بعد الولادة وقبل رؤية الدم طهر فيعد قرءا ؛ لأنه محتوش بالدم السابق على الولادة وبالدم الواقع بعده فقد تعلقت به العدة كالحيض ، إذ تعلقها به ليس إلا بمثل ذلك وبالنسبة للاستبراء فيما إذا ولدت أمته ولم ترد ما فوطئها حينئذ ، ثم باعها ، ثم رأت الدم قبل خمسة عشر يوما فقد يقال يحصل الاستبراء بهذا الدم الذي هو نفاس فلتراجع المسألة ولتحرر . ( قوله لحصولها قبله بالولادة ) لا يأتي هذا في العدة إذا كان الحمل من الزنا . ( قوله لا يمكن أن يسقط صلاة ) أي وحده كما يصرح به [ ص: 414 ] التعليل فلا يرد ما أورده الشارح . ( قوله من الحيض ) أي هو طهرها ( قوله ومثلها فيما ذكر مبتدأة فيهما ) قال في الروض إلا أن هذه أي المبتدأة فيهما نفاسها لحظة ا هـ ، وهذا مراد الشارح بقوله الآتي ونفاس المبتدأة مجة ا هـ . ( قوله ونفاس المبتدأة مجة ) هو كالاستثناء من ومثلها إلخ . ( قوله ما لم تزد على ستين ) لم يقل ولم تنقص عن أقله كما تقدم نظيره في الحيض لعدم تصور النقص هنا ( قوله ولا شرط للضعيف هنا ) فيه بحث ؛ لأنه تقرر أنه لو انقطع الدم في الستين بعد رؤيته ، ثم عاد قبل خمسة عشر يوما من حين الانقطاع كان العائد نفاسا لا حيضا ، إذ الطهر الفاصل بين النفاس والحيض في الستين لا يكون أقل من خمسة عشر ومن لازم ذلك كون زمن الانقطاع المذكور نفاسا وحينئذ فلو رأت مثلا نصف الستين سوادا ، ثم عشرة حمرة ، ثم عاد السواد وجاوز الستين فإن جعلت الحمرة المذكورة طهرا وما بعدها حيضا خالف هذا الذي تقرر وإلا لزم أن للضعيف شرطا في الجملة ولم يصح نفي جنسه على الإطلاق إلا أن يريد لا شرط له بالنسبة لما بعد الستين وهو تكلف وإجمال وإبهام فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لأنه دم ) إلى قوله ولك منعه في النهاية وإلى قوله ، ثم رأيت في المغني . ( قوله ولا يؤثر إلخ ) عبارة المغني والنهاية فحكمه حكم الحيض في سائر أحكامه إلا في شيئين ، أحدهما أن الحيض يوجب البلوغ والنفاس لا يوجبه لثبوته قبله بالإنزال الذي حبلت منه الثاني أن الحيض يتعلق به العدة والاستبراء ولا يتعلقان بالنفاس لحصولهما قبله بمجرد الولادة ويخالفه أيضا في أن أقل النفاس لا يسقط الصلاة إلخ فعلم من هذا أن أو في قول الشارح بالولادة أو الإنزال إلخ للتوزيع ( قوله لحصولها قبله بالولادة ) لا يأتي هذا في العدة إذا كان الحمل من زنا سم أي أو من وطء شبهة . ( قوله وأقله لا يمكن أن يسقط إلخ ) أي وحده كما يصرح به التعليل فلا يرد ما أورده الشارح [ ص: 414 ] سم عبارة السيد البصري قوله كذا نقله ابن الرفعة إلخ نقل في النهاية كلام ابن الرفعة وأقره من غير تعقب وتعقبه في المغني بنحو ما هنا فقال وربما يقال قد يسقطه فيما إذا بقي من وقت الضرورة ما يسع تكبيرة الإحرام فنفست أقل النفاس فيه فإنه لا يجب قضاء تلك الصلاة فعلى هذا لا يستثنى ما قاله ا هـ وقد يجاب من قبل ابن الرفعة بأن المراد أن أقل الحيض يستقل بإسقاط الصلاة بخلاف أقل النفاس ولا ترد الصورة المذكورة إذ المسقط فيها للصلاة إنما هو اجتماعه مع الجنون السابق حتى لو فرض انتفاء الجنون فلا إسقاط ويكفي هذا القدر إذ الفرض إثبات خصيصية للحيض ليست للنفاس ا هـ

                                                                                                                              ( قوله أشار لذلك ) أي للمنع المذكور . ( قوله فيأتي هنا إلخ ) عبارة المغني لأن النفاس كالحيض في غالب أحكامه فكذلك في الرد عليه عند الإشكال فينظر أمبتدأة تلك في النفاس أم معتادة مميزة أم غير مميزة ويقاس بما تقدم في الحيض فترد المبتدأة المميزة إلى التمييز بشرط أن لا يزيد القوي على ستين ولا ضبط في الضعيف وغير المميزة إلى لحظة على الأظهر والمعتادة المميزة إلى التمييز لا العادة في الأصح وغير المميزة الحافظة إلى العادة وتثبت بمرة إن لم تختلف في الأصح وإلا ففيه التفصيل السابق في الحيض والناسية إلى مرد المبتدأة في قول وتحتاط في الآخر الأظهر في التحقيق ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله طهر ) أي هو طهرها سم . ( قوله ومثلها ) أي المعتادة نفاسا فقط ( قوله فيما ذكر مبتدأة فيهما ) قال في الروض إلا أن هذه أي المبتدأة فيهما نفاسها لحظة ا هـ ، وهذا مراد الشارح بقوله الآتي ونفاس المبتدأة مجة فهو كالاستثناء من قوله ومثلها إلخ سم . ( قوله مميزة فيه ) أي مبتدأة مميزة في النفاس . ( قوله ما لم تزد ) أي المميزة يعني تميزها على حذف المضاف وكان الظاهر التذكير كما في بعض النسخ والمغني قال سم لم يقل ولم ينقص عن أقله كما تقدم نظيره في الحيض لعدم تصور النقص هنا ا هـ . ( قوله ولا شرط ) عبارة المغني ولا ضبط ا هـ . ( قوله لا يتصور التحير ) أي المطلق ( في النفاس إلخ ) اعتمده النهاية والمغني لكن أقرالرشيدي ما قاله الشارح . ( قوله وبه ) أي بعلمها ابتداء نفاسها ( قوله ينتفي التحير ) أي المطلق .

                                                                                                                              ( خاتمة )

                                                                                                                              يجب على المرأة تعلم ما تحتاج إليه من أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس فإن كان زوجها عالما لزمه تعليمها وإلا فلها الخروج لسؤال العلماء بل يجب ويحرم عليه منعها إلا أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك وليس لها الخروج إلى مجلس ذكر أو تعلم خير إلا برضاه وإذا انقطع دم النفاس أو الحيض واغتسلت أو تيممت حيث يشرع لها التيمم فللزوج أن يطأها في الحال من غير كراهة فإن خافت عود الدم استحب له التوقف في الوطء احتياطا مغني ونهاية .




                                                                                                                              الخدمات العلمية